فشل الهجوم الإماراتي على الحُدَيْدة وخيبة سعودية أميركية بنتائج معارك المطار تصعيد جنبلاطي عوني ومشروع هدنة… ولا أنباء عن لقاء للحريري مع إبن سلمان

كتب المحرّر السياسي

تكبّد الإماراتيون الذين تولّوا قيادة الهجوم الذي شاركت فيه السعودية ووحدات سودانية وخبراء أميركيون وبريطانيون، واستهدف مدينة الحُدَيْدة اليمنية على ساحل البحر الأحمر، خسائر فادحة في الأرواح والمعدات والآليات. وفشلوا في تحقيق الاختراق الذي بشروا به خلال أيام عطلة العيد وسط معارك ضارية تمكن خلالها أنصار الله من استدراج القوات المهاجمة إلى كمين أوقعها بين فكي كماشة، استعاد خلاله المدافعون عن الحُدَيْدة، كما قالت مصادر عسكرية يمنية، مواجهة بنت جبيل بين حزب الله والقوات الإسرائيلية، حيث ساد التشوش الإعلامي حول مصير المعركة لأربع وعشرين ساعة من الكرّ والفرّ لينجلي غبارها عن تثبيت سيطرة اللجان الشعبية والجيش المؤيد لأنصار الله على المدينة ومينائها ومطارها.

بعد خيبة الفشل في المعركة الفاصلة الوحيدة المتاحة بحكم الأهمية الاستراتيجية لمدينة الحُدَيْدة لوقوعها على البحر الأحمر، وما توفره هذه الأهمية من مساندة دولية من جهة، ولوقوعها في منطقة مفتوحة بلا تضاريس جبلية تجعلها مناسبة ونموذجية لحروب الجيوش النظامية من جهة مقابلة، ستكون مواصلة تجربة هجوم جديد، ورهان على ابتزاز تفاوضي يحمله المبعوث الأممي مارتن غريفيت، حرب استنزاف بلا طائل. وقد تبلغ غريفيت من أنصار الله جواباً قاطعاً برفض الاستعداد للمفاوضة على مصير الحُدَيْدة خارج حل سياسي شامل.

الحدث السوري كان يتكامل مع الحدث اليمني لجهة تسارع الخطى نحو انطلاق محادثات جنيف مجدداً، بعد تبلور تشكيل اللجنة التي ستناقش الدستور، وسط تحضيرات للقاء يجمع الروس والأتراك والإيرانيين اليوم وغداً مع المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لهذا الغرض، بالتزامن مع معلومات تداولتها مصادر المعارضة عن حضور أميركي وسعودي وأردني لجولة جنيف الجديدة، وتأكيدات روسية بأنّ التسوية في جنوب سورية، ترتبط بتعاون روسي أميركي سيجد طريقه من بوابة جنيف تحت عنوان ما خرجت به قمة سوتشي للرئيسين الروسي والسوري من ربط العملية السياسية بخروج القوات الأجنبية.

التكامل بين الفشل السعودي في سورية، وخيبتي اليمن والعراق للرهانات السعودية، بعد خسارة الرهان العسكري على نصر الحُدَيْدة، وخسارة الرهان السياسي على تحالف يقوده السيد مقتدى الصدر بوجه الحشد الشعبي، قابله لبنانياً، تموضع سياسي لافت للنائب السابق وليد جنبلاط، بعد زيارته للسعودية، بفتح النار على رئيس الجمهورية، بما بدا تعويضاً عن خسارة العراق قبل أن تتوضح عناصر المشهد اليمني، الذي ربما يعقبه تصعيد قواتي مشابه للتصعيد الجنبلاطي، في ربط سعودي للحكومة اللبنانية الجديدة بتبلور عناصر لم تكتمل بعد حول توازنات المنطقة، مع تتالي الرهانات الخاسرة، أو استرهان الحكومة اللبنانية كورقة ضغط وحيدة متبقية لديهم لحجز مقعد في معادلات المنطقة الجديدة، وسط سؤال عن موقف رئيس الحكومة من تعطيل ولادة حكومته الجديدة، وسؤال مماثل عن موقعه مع غياب أخباره بين موسكو والرياض سعياً للقاء لم تصل أخباره إلى بيروت، يفترض أن يجمعه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

هل اتخذت السعودية قرار الهجوم على العهد؟

غابت مفاوضات تشكيل الحكومة وملأت الحرب الافتراضية فراغ عطلة عيد الفطر ونهاية الأسبوع، إذ تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة حرب حقيقية بين التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي على خلفية هجوم رئيسه وليد جنبلاط على العهد الرئاسي، واصفاً إياه بالعهد الفاشل ما أعقب ردود فعل بالجملة من نواب تكتل لبنان القوي ووزراء رئيس الجمهورية بلغت ذروتها مع دخول نواب اللقاء الديمقراطي على الخط للردّ على الردّ مستخدمين كل الأسلحة التقليدية والمحرمة التي استحضرت مرحلة ولغة الحرب الأهلية.

وتوسّعت السجالات على صفحات التواصل الاجتماعي بين جمهوري التيار الحر والحزب الاشتراكي وكادت تنتقل الى الشارع لولا تدخل بعض الأطراف لتهدئة الأجواء لا سيما تيار المستقبل كي لا يتكرّر ما حصل في الشارع بين حركة أمل والتيار الوطني الحر في شباط الماضي. وقد جرت اتصالات بين النائبين ألان عون وهادي أبو الحسن ومسؤولين حزبيين في كلا الطرفين.

وأعلن التيار الوطني الحر أمس، في بيان صادر عن منسقيته في قضاء بعبدا، أنه اتفق مع الحزب التقدمي الإشتراكي على التهدئة وطي صفحة السجالات الحادة التي حصلت بين الطرفين في الساعات الأخيرة. وأكد «التيار» أن «أيّ كلام مسيء صدر عن أحد منتسبيه أو مسؤوليه في قضاء بعبدا هو كلام مرفوض ومدان، وهو لا يعبر عن موقف التيار، بل هو نتيجة ردات فعل شخصية ناتجة عن الاستفزازات، متمنياً على الأطراف الأخرى أن تحذو حذوه في تهدئة النفوس، وإبقاء الاختلاف السياسي في إطاره الديمقراطي».

وعلى الرغم من النجاح النسبي لمساعي الوسطاء على احتواء الاشتباك السياسي الحاد إلا أن الجمر لا يزال تحت الرماد، لا سيما أن القضية ليست رمانة بل قلوب مليانة بين المختارة من جهة والرابية وبعبدا من جهة مقابلة منذ الانتخابات النيابية، حيث عبر رئيس الاشتراكي بوضوح بأن المختارة تتعرض للحصار، بينما حقيقة الأمر أن عهد الرئيس ميشال عون هو الذي يتعرّض للحصار من مجموعة قوى سياسية منها بشكل علني كالاشتراكي، ومنها بشكلِ موارب كالقوات اللبنانية التي اتبعت تكتيكاً سياسياً في موقفها إزاء السجال الاشتراكي العوني، حيث دافعت عن العهد وركزت هجومها على التيار الوطني الحر ورئيسه الوزير جبران باسيل، بحسب ما تقول أوساط «التيار» لـ«البناء».

وقد خلطت تغريدة جنبلاط الأوراق المحلية وأربكت المفاوضين لتشكيل الحكومة، وسط تساؤلات عن الدوافع التي تقف خلف السلوك الجنبلاطي المستجد. فهل هو مجرد رفع للسقف التفاوضي قبيل انطلاق مفاوضات التأليف بشكل جديد ورسالة سياسية استباقية للرئيسين ميشال عون وسعد الحريري بأن توزير النائب طلال أرسلان من الحصة الدرزية سيخلّف نتائج سياسية سلبية على العلاقة بين المختارة وبعبدا وبيت الوسط؟ أم أن جنبلاط عاد بقرار سعودي وتغطية كاملة من المملكة للهجوم على العهد بملف النازحين السوريين كبديل عن الحريري الذي لا يريد نسف التسوية الرئاسية مع عون؟ فهل هي أسباب محلية أم إقليمية؟ لا سيما أنّ جنبلاط أعلن منذ حوالي الشهر اعتزاله السياسة والظهور على مواقع التواصل الاجتماعي وترك مقاليد الأمور لنجله تيمور؟

مصادر نيابية رأت أنّ «جنبلاط لم ينسجم مع العهد منذ إعلان التسوية الرئاسية الى تشكيل الحكومة الماضية الى قانون الانتخاب الى الانتخابات النيابية، ومحطات أخرى وجد جنبلاط نفسه في مواجهة العهد، لكنه لم يعلن ذلك على الملأ، لكن طفح الكيل مع محاولات التدخل بالحصة الدرزية في الحكومة»، ولكن تشير المصادر لـ «البناء» الى أن رغم الخلاف العوني الجنبلاطي على ملفات وقضايا عدة منها مسألة النازحين السوريين إلا أنّ سبب الهجوم الجنبلاطي إقليمية أكثر من محلية، ما يؤشر الى أنّ أمد تأليف الحكومة سيطول، لا سيما أنّ السعودية لم تحدد سقفها الحكومي بعد بانتظار مآل الوضع في المنطقة لتحدد موقعها في المعادلة اللبنانية، لا سيما انتظار الوضع في اليمن وسط مراهنات سعودية بالدخول الى الحُديدة الى جانب ارتفاع حرارة الصراع الدولي والاقليمي.

وتساءلت المصادر: هل سيؤدّي توسع الخلاف السياسي الى إطالة أمد تأليف الحكومة وبالتالي الى أزمة سياسية في البلاد؟ وسط تصاعد الدعوات الى إعادة النظر باتفاق الطائف، وقد لفت نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي في حديث تلفزيوني الى أنّ « اتفاق الطائف طبّق بطريقة مزاجية منذ العام 1991»، مشيراً الى أنّ «على رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يدعو كافة الأقطاب الى حوار بعيدا عن الاعلام للبحث الجدي في كيفية تطبيق اتفاق الطائف بشكل صحيح لتستقيم الحياة السياسية». وأشار الى أنه «يؤيد أنّ تنتج الحكومة معارضة وموالاة في البلد في الوقت نفسه»، لافتاً الى أنّ «على رئيس الحكومة سعد الحريري أن لا يتمسك بمطالب كلّ الكتل، بل يكفي أن يؤمّن الاكثرية فيها».

أما أقوى الردود على تغريدة جنبلاط كان من وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف ووزير العدل سليم جريصاتي في حكومة تصريف الأعمال. فأكد الصراف «انّ رئيس الجمهورية هو رمز وحدة لبنان وانّ أيّ كلام من أيّ مرجع ينافي مبدأ الوحدة الوطنية هو مرفوض ويعتبر قريباً من الخيانة». وأضاف أنّ «رهان البعض على طرق باب اللاجئين السوريين للدخول في مزايدات أو صفقات دولية او اقليمية هو محض أوهام، وبالذات في هذا العهد»، مشيراً الى «انّ عهد الفساد والفاسدين وحيتان المال قد ولى الى غير رجعة». أما جريصاتي فقال: «مريب هجومك على العهد يا وليد فور عودتك من المملكة؟ لماذا توريط المملكة بالإيحاء بأنك تنفذ أمر عمليات فاشلاً بالذخيرة الخضراء ضدّ عهد أصبح سيده خارج مرماك ومرمى أزلامك». واضاف: « وصفك الرئيس ذات يوم في 26/9/1997، فعد إلى الارشيف، ولا تورّث تيمور الواعد استحالة الإجابة عن سؤال واحد: لماذا الاستكانة الى النزوح السوري الكثيف على أرضنا وما هو رهانك عليه؟»

وعاد جنبلاط وردّ قائلاً: «إلى محبّي الضجيج أقول: ما بالكم تكأكأتم علي كتأكئكم على ذي علة. افرنقعوا عني».

وطالب البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي المسؤولين بأن يحافظوا على الوحدة الوطنية ويتجنبوا الإساءات المتبادلة والتراشق بالتهم لئلا يؤدي هذا النهج السيئ إلى إلحاق الضرر في سير المؤسسات العامة.

مفاوضات التأليف إلى الخميس

وبينما انقطعت أخبار الرئيس المكلف في السعودية وسط تكتّم عن لقاءاته مع القيادة السعودية، لم يسجل أيّ تطوّر على صعيد التأليف بانتظار عودة الحريري الى بيروت المتوقعة الأربعاء المقبل على أن تعود عجلة التأليف الى العمل بدءاً من يوم الخميس.

وقد عقد اجتماع أمس، بين الوزير غطاس خوري والنائب وائل ابو فاعور انضمّ اليهما الوزير علي حسن خليل وتمّ البحث في العقد الحكومية والخلاف حول توزيع الوزارات الخدمية بين الأحزاب الثلاثة. وأشارت مصادر نيابية لـ«البناء» الى أن «العقد الثلاث على حالها وتنتظر تفعيل المفاوضات بعد عون الحريري»، وقالت مصادر تكتل لبنان القوي لـ«البناء» بأنّ رئيس الجمهورية رفض مطالب القوات بأن تكون حصتها توازي حصة التيار الحر ونيلها حقيبة سيادية مع 4 وزراء»، مشيرة الى أنّ هذا يتعارض ونتائج الانتخابات النيابية، ونفت ما تدّعيه القوات بأنّ اتفاق ورقة النيات بين الطرفين أكد المناصفة في الحكومة متسائلة: كيف نقبل بالمناصفة مسبقاً من دون معرفة نتائج الانتخابات؟

من جهتها لفتت مصادر في 8 آذار لـ«البناء» الى أنّ «مواقف جنبلاط في الآونة الأخيرة تجعله أقرب الى المحور السعودي، بعكس ما كان يدعو الى رفض الانخراط في المحاور الإقليمية، لكن بعد عودته من السعودية وموقفه من النازحين حسم موقعه داخل الحكومة الجديدة أيّ أقرب الى 14 آذار. وبالتالي فريق 8 آذار سيتعامل على هذا الأساس. وبالتالي يريد حصة وزارية توازي حصة 14 آذار».

تقرير الأمن العام حول «الجنسية» خلال أيام

على صعيد آخر، كشف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ، أنّ «مهمّتنا بشأن ملف التجنيس شارفت على الإنتهاء، وتدقيق الأسماء ينتهي الأسبوع المقبل»، مبيّناً «أنّنا سنسلّم نسخة من الملف إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق لاتخاذ القرار المناسب». وأوضح في تصريح تلفزيوني أنّ «الأرقام الّتي يتمّ تداولها في وسائل الإعلام حول الأسماء غير المستحقة، غير صحيحة». كما أشار ابراهيم من جهة أخرى، إلى أنّ «الختم على البطاقة المستقلة في المطار يتمّ العمل به منذ عشرات السنين، ولا يقتصر على الإيرانيين».

عودة الموظفين الأجانب إلى الحُديدة…!

قال مصدر سياسي في حكومة صنعاء الموالية لأنصار الله منتصف ليل أمس أنّ مندوبة الأمم المتحدة لدى اليمن ليزا غراندي تقدّمت إلى صنعاء بطلب إعادة موظفيها الأجانب إلى الحُديدة، وتمّت الموافقة عليه.

وتبدو الخطوة نوعاً من التسوية التي فرضتها موازين القوى بصرف النظر عن المطالبة بتسليم الحُديدة للأمم المتحدة كما كان العرض قبل معارك الحُديدة الأخيرة، وإعلاناً لتهدئة يستحيل بدونها عودة الوظفين الأجانب.

اترك تعليقاً

Back to top button