حسين مرتضى يكتب لـ«البناء» عن الحوار مع الرئيس الأسد: المنتصر الواثق قمّة في التواضع 1
ليس من السهل على الإنسان أن يصف مشاعره في لحظات استثنائية منحه إياها الرئيس بشار الأسد. لا أجد كلمات تصف تلك اللحظات. وأشعر بحيرة كبيرة من أين أبدأ الحديث، بالرغم من أني أجريت مقابلات كثيرة مع عدد من الرؤساء، وأكثر الشخصيات المهمّة في محور المقاومة، وكنا نخوض الحرب بين القذائف والرصاص، إلا أن تكون في حضرة الرئيس الأسد، لحظات لها رهبتها ولها حيثياتها المختلفة. فكان للقاء وقع مميّز لا يضاهيه أيّ لقاء مع أيّ شخصية أخرى على مستوى المنطقة والعالم.
في البداية الحديث يطول كثيراً عن آلية الاستعداد والاتصالات بالإضافة للحظات الأولى من هذا اللقاء، الجنود المجهولون الذين هم خلف الكواليس، وهم مكتب الإعلام والاتصال في رئاسة الجمهورية، الذي فعلاً أوجّه إليهم التحية من كلّ قلبي. فقد كان لهم الدور الأبرز بنجاح هذا اللقاء، وسأتحدّث بشكل تفصيلي عن آلية عمله الدقيق في وقت لاحق.
عندما وصلنا بالسيارة إلى القصر الجمهوري، كانت إحدى موظفات القصر الجمهوري تقف أمام الباب لاستقبالي. ومجرد أن ترجّلت من السيارة، أشارت بيدها نحو المصعد، وفاجأتني أنّ السيد الرئيس سيكون في انتظاري مباشرة كنت أحمل بيدي أوراقاً كنتُ قد وضعتُ الأسئلة عليها وبشكل عفوي أعطيتها الأوراق… خذيها لا أريد أن يكون معي شيئاً استعداداً لمصافحته، لم أستطع من وقع المفاجأة أن أسترقّ النظر إلى أيّ طابق سيصعد بي المصعد، بالرغم من لهفتي لوصول المصعد بسرعة. وفي هذه اللحظات بدأ الاختبار الأصعب، وهو أنك ذاهب للقاء الرئيس بشار، وتُخفي ذلك عن عائلتك وأصدقائك وزملائك في المكتب، وتُطلع فقط عليه إدارة القناة في طهران لتحديد محاور اللقاء.
بسرعة ينفرج باب المصعد، وها أنا أخيراً أمام سيادة الرئيس الأسد، الإنسان اللبق الذي استقبلني بابتسامته المشعّة، ووجهه البشوش، ويده المدودة للمصافحة. للحظات ذهبت جميع الخطط التي كنتُ وضعتها عن بروتوكولات المصافحة والعناق مع الرئيس المقاوم أدراج الرياح، ولم أُضِع الثواني المتاحة لمصافحة الرئيس الأسد، حاولت أن أستغلّ هذه اللحظات إلى آخر جزء من ثوانيها، وهو يكاد يذوب خجلاً وتواضعاً، بالرغم مما يمثله الرئيس الأسد من تهديد للأعداء.
رهبة الوصول إلى القصر الجمهوري، خففت وطأتها حفاوة الاستقبال عندما أصبحت أمام الأسد مباشرة لا من خلف الشاشة، تقفز إلى عقلك المقارنات بشكل سريع، السيد الرئيس يبدو أصغر عمراً مما يبدو عليه في اللقاءات وعلى التلفاز.
واللافت تواضعه الكبير، ومن أبرز سمات هذا التواضع، أنه يبادر إلى الحديث مع ضيفه، ليعطيه نوعاً من الاطمئنان، وكأنه مختصّ بالحرب النفسية، ليكسر حاجز الجليد في اللقاءات الصحافية الرسمية.
في المقابل كنت أحاول التركيز لسماع صوته الهادئ الرّزين، حتى وصلنا إلى الصالة التي من المقرّر أن يكون فيها اللقاء. وفي هذه الأثناء كان يدور في ذهني أنه لم يكن لدينا لحظة شك في أننا سننتصر. وتأكد هذا اليقين عندما كنتُ أنظر في عيون الرئيس الأسد، وكيف كان مرتاحاً. وهو الرجل الذي حاربه معظم رؤساء العالم وأجهزة الاستخبارات.
في الكواليس، تعدّدت المواضيع التي تمّ التطرق إليها، وبعضها كانت له جوانب ميدانية عسكرية، وأهمّ ما استطعت لمسه بشكل واضح، أنّ دفء الحديث والاستقبال أوصل لي رسالة مفادها، أنّ الرئيس الأسد يريد أن يقول كم نحن أوفياء لحلفائنا، وهم أوفياء لنا. وكلّ ما يحاوله البعض من إشاعة أنّ هناك خلافات بين الحلفاء، يبقى ظاهرة صوتية لا أثر لها في الواقع، وأنّ العلاقة مع الحلفاء هي أكبر من تصريح هنا ودبلوماسية هناك.
في الدقائق التي جلسناها قبل بدء الحوار، كان الرئيس الأسد ودوداً بشكل لا يوصف، وتحدّث عن تفاصيل العلاقة مع الحلفاء، وتفاصيل بعض المعارك التي دارت، في كواليس السياسة والعسكر. وعرّج في حديثه على فكرة طبيعة العلاقة مع الحلفاء، وذكر كيف كان هناك طرح لإدراج منطقة جوبر شرق دمشق، ضمن مناطق خفض التصعيد، ولكن القيادة السورية أخبرت الحلفاء أنه ما دامت دمشق تُقصف من الإرهابيين في جوبر، فلن تتوقف العمليات العسكرية تجاهها، وما يهمّنا شعبنا. واتخذ القرار، والتزم الجميع بما تريده الدولة السورية، كذلك حدث أيضاً في معركة الغوطة الشرقية لكونها منطقة خفض تصعيد، حيث أراد الحلفاء المعركة بطريقة أخرى. وكان الأفضل كما خططنا لها، يقول الرئيس، وبالنهاية القرار لنا، وهناك أمور كثيرة نحن نحددها ونرسخ مفاهيمها.
أما التفاصيل الميدانية فكانت حاضرة بقوة، وحيثيات التغطية الإخبارية، ومَن كان يتابع الأخبار على الأرض، ومَن كان يغطي المعارك. وفاجأني بسؤال، كان وقعه عظيماً على قلبي، ابتسم أثناء حديثه وقال لي: «عندما قمتُ بزيارة الغوطة جسرين انت على أيّ جبهة كنت؟». وهذا يدلّل على أنه يتابع كلّ تفاصيل الأمور حتى من الناحية الإعلامية والتغطية.
من خلال الحديث تدرك جيداً أنّ الرئيس الأسد لديه تواصل مباشر مع الناس، ويعرف التفاصيل الدقيقة عن الساحة السورية، وما الذي يطلبه الشارع السوري. هذا الأمر يدلّ على أنّ الرئيس الأسد لديه متابعة دقيقة لكلّ ما يجري، ولديه العديد من الطرق التي يتابع من خلالها الشارع، حتى ما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي عن الشارع السوري، كيف يعيش وعلى ماذا يعترض والكهرباء والقذائف، كلّ هذه المواضع يتابعها الرئيس بكلّ حيثياتها وتفاصيلها.
وما لفتني جداً من الناحية الإنسانية، عندما تحدّث سيادته عن الشهداء وعوائلهم، لاحظت الدمعة بعينيه واضحة وغصّة كبيرة في قلبه، وهذا يدلّ على قمة الإنسانية.
اللقاء الخاص مع سيادة الرئيس بشار الأسد، تبقى أبعاده الشخصية بالنسبة لي تعني الكثير، لكونه لقاء لا يُعتبر مجرد نقلة نوعية في تاريخي المهني بل كانت تجربة شخصية بأبعادٍ إنسانية مختلفة…