الأردن بين لهيب «صفقة القرن» ونار «الوطن البديل»

رضا حرب

في ظلّ المسارعة الأميركية والهرولة العربية لتنفيذ «صفقة القرن» التي ستُعيد رسم خريطة المنطقة كجزء من مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي تبنّاه المحافظون الجدد ويهندس ملامحه الأخيرة ثلاثة مقرّبين من ترامب ونتنياهو، وهم جاريد كوشنر زوج إيفانكا ترامب وديفيد فريدمان سفير الولايات المتحدة في «إسرائيل» وجيسون غرينبلات مبعوث ترامب الى الشرق الأوسط . المثير للاهتمام أنّ الثلاثة يهود متشدّدون، ومن أشدّ مؤيدي نتنياهو والقدس عاصمة أبدية للدولة اليهودية. لذا، يمكننا القول إنّ المملكة الأردنية الهاشمية تتعرّض لعملية ابتزاز غير مسبوقة من قِبل الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، وبالتالي يجب ان نطرح السؤال التالي: هل انتهى العمر الافتراضي للكيان الأردني الهاشمي؟

الكيان المعروف بالمملكة الأردنية الهاشمية نشأ أو بالأحرى أنشأته بريطانيا على ثلاث مراحل، وكلّ مرحلة كانت لها دوافعها. والمثير للاهتمام أنّ كلّ مرحلة تزامنت مع قرار استعماري يؤكد دورها الوظيفي.

المرحلة الاولى كانت نشأة «المنطقة المحمية Protective Zone» – منطقة عازلة عام 1918 وهي عبارة عن جدارين عازلين يعزلان فلسطين، جدار من الشرق جهة العراق وجدار من الجنوب جهة الجزيرة العربية، بعد عام واحد على وعد بلفور عام 1917 . هل هي صدفة؟

المرحلة الثانية كانت إعلان قيام إمارة شرق الأردن عام 1921 بعد عام واحد على اتفاقية سايكس – بيكو 1920 التي قسّمت المنطقة. هل هي أيضاً صدفة؟

المرحلة الثالثة كانت إعلان قيام مملكة شرق الأردن تغيّر الاسم الى المملكة الأردنية الهاشمية عام 1949 ونيلها الاستقلال والاعتراف الدولي 1946 قبل عام واحد على قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة 1947 . هل هي أيضاً صدفة؟

مصطلح الجغرافيا السياسية يعني تأثير الجغرافيا بعواملها كالمساحة والموقع والموارد الطبيعية والديموغرافيا والطبوغرافيا على السياسة، أو العلاقة بين السياسة والحيّز الجغرافي للدولة او بالأحرى تأثير الجغرافيا على السياسة. العوامل الجغرافية يمكن أن تمنح الدولة أهمية استراتيجية. بما انّ الموارد الطبيعية تُعدّ المكوّن الاقتصادي الأساسي للدولة، نجد انّ المملكة الأردنية الهاشمية لا تمتلك المؤسّس الحيوي للقوة. وهذا في الحقيقة جعلها دوماً أسيرة الدور الوظيفي. كما أنها تعاني من انقسام ديموغرافي حادّ نلاحظه عند السؤال مَن هو الأردني؟ وللغرابة الشديدة ستجد انّ هناك اردنياً أصيلاً وأردنياً دخيلاً.

صحيح أنّ موقعها الجغرافي أتاح للمملكة الهاشمية ان تلعب دوراً مركزياً في القضية الفلسطينية، ولو سلّمنا جدلاً أنها بجغرافيتها باتت لاعباً جيوبوليتيكياً إلا انّ قرارها الإقليمي وأولوياتها كانت دائماً صناعة غير محلية نظراً لاحتياجاتها الملحة للمساعدات من دول لها أجنداتها الخاصة كالسعودية والامارات والولايات المتحدة والعراق زمن صدام حسين، وبالتالي يمكن القول إنها لا تملك القوة الاقتصادية التي تؤهّلها للتمرّد على دورها الوظيفي.

مثالان بسيطان على ما نقول: كان دور المملكة في الأزمة السورية سلبياً للغاية. الى جانب «إسرائيل» لعب الأردن دور المنصة لتوسيع رقعة الأزمة السورية غرفة العمليات المعروفة بالـ»موك MOC» Military Operations Center كانت ولا زالت في عمّان لخلق منطقة عازلة في الجنوب تحت سيطرة تنظيمات إرهابية موظفة لحماية أمن الكيان الصهيوني على غرار جيش لحد العميل. قبل أيام أكدت تقارير انّ السلاح عاد يتدفق من الأردن بناءً على تعليمات من غرفة الـ»موك». والمثال الآخر، عندما رفض الملك عبدالله صفقة القرن وأصرّ على الذهاب الى مؤتمر اسطنبول رغم تهديدات الدول الداعمة، في أول قرار للتمرّد على الدور الوظيفي، أوقفت الدول الداعمة مساعداتها مما ترك أثراً كاد يهدّد العلاقة بين الشعب والعائلة الحاكمة.

باتت صفقة القرن معروفة للقاصي والداني، لكن المعلن غير المعلن. للصفقة مساران: المسار الأول قطاع غزة والمسار الثاني الضفة الغربية وهما مساران منفصلان لفصل القضية إلى قضيتين وشعبين.

المسار الأول: توسيع قطاع غزة بضمّ أراضٍ من صحراء سيناء، ولدوافع «إنسانية» تموّل دول الخوف ودول أخرى بناء مطار دولي وميناء بحري ومستشفيات ومدارس ومحطات لتحلية المياه، إضافة الى عشرة مليارات مخصّصة للبنى التحتية تدفعها الدول العربية. كلها ستكون بتعهّدات أميركية.

المسار الثاني: وضع الضفة الغربية تحت «الانتداب» الإسرائيلي لـ 30 سنة، بدل مصطلح «احتلال» على ان يتمّ خلالها التفاوض على الأمن والحدود والمستوطنات وعاصمة دولة فلسطين وصلاحيات السلطة، لكن الحقيقة انه خلال تلك المدة تعمل «إسرائيل» على التمدّد بالمستوطنات وحشر الفلسطينيين في أماكن ضيقة ومنفصلة لخنقهم تدريجياً حتى تصبح المعيشة تحت السلطة الفلسطينية التي هي مجالس بلديات، لا تُطاق. وفي الوقت نفسه يعمل العرب على شرعنة «الدولة «اليهودية كحق تاريخي وديني». ومن الملاحظ انّ «الذباب الالكتروني الخليجي» بدأ بحملة واسعة لترويج «الحق التاريخي والديني»، والتحريض على الفلسطينيين واتهام الفصائل المقاومة بالإرهاب.

الموقف الأردني من صفقة القرن: في البداية كان للأردن موقف متشدّد، لكنه لاحقاً تحوّل الى موقف متذبذب والسبب أنه في وضع اقتصادي صعب للغاية. وهنا تأتي الإغراءات لإخضاعه. في صفقة القرن 4 جزرات مسمومات مقابل القبول بها. الجزرة الأولى: الوصاية التامة والحصرية على المقدّسات الإسلامية. ومن منطلق «لكلّ مسلم الحق بزيارة الأماكن المقدسة» تمنح السفارات الأردنية للزوار تأشيرات دخول مقابل رسوم تشكل دخلاً كبيراً للمملكة. الجزرة الثانية: خط السكة الحديدية من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الأردن ومنها يتفرّع إلى الخليج، والى غرب العراق، والى جنوب سورية، ومنها الى شمال سورية وكردستان العراق. ايّ أنّ الأردن يكون مركز ترانزيت وتوزيع Hub . وتشمل الجزرة الثانية وعوداً بإحياء «الاوتوستراد العربي» الذي يربط «إسرائيل» بالخليج وغرب العراق عبر الأردن الذي سيؤمّن للأردن دخلاً إضافياً.

الوجود العسكري الأميركي في المنطقة لا علاقة له بمحاربة الإرهاب، بل لدعم الانفصاليين وتأمين الخطوط البرية. «إسرائيل» بدأت تجهّز المخططات اللازمة لتنفيذ المشروع وسيساهم العرب بالتكاليف.

الجزرة المسمومة الثالثة: وفقاً لصحيفة الشرق الأوسط بلغت ديون الأردن أكثر من 37 مليار دولار. مقابل الموافقة على صفقة القرن ستقدّم له الدول الخليجية مساعدات مالية تخرجه من أزمته الحالية، لكن مؤقتاً. على المدى البعيد ستفرض الدول الداعمة على الأردن استقبال العدد الأكبر من أهالي الضفة الغربية ونسبة من فلسطينيّي الـ 48 لتأمين الأمن الديموغرافي للدولة اليهودية، مقابل دعم مالي عربي لتسديد ديونه الداخلية والخارجية. والجزرة الرابعة في مدينة نيوم: مدينة نيوم مدينة المستقبل تغطي مساحة تساوي تقريباً مساحة فلسطين، وتشمل أراضي سعودية شمال غرب المملكة ومصرية أراضي في سيناء مع حرية الحركة لسكان غزة للعمل في المشروع وأردنية منطقة العقبة . هذا يعني للأردن أنّ المكاسب الاقتصاية كبيرة إذا التحق بقافلة «صفقة القرن». والأهمّ انّ صفقة القرن هي الترجمة العملية لمدينة نيوم، بمعنى آخر، حلم محمد بن سلمان إقامة مدينة نيوم لا يتحقق من دون «صفقة القرن». «إسرائيل» اكثر المتحمّسين لمشروع نيوم لأنها ستكون المسؤولة عن الجانب العلمي والتقني، ولأنه يدفع باتجاه تطوير التعاون الأمني والعسكري مع المملكة العربية السعودية، ويفتح الباب الى العالم العربي أمام المستثمرين الإسرائيليين. والأهمّ بالنسبة للكيان الصهيوني تصفية القضية الفلسطينية.

يمرّ الأردن اليوم بمرحلة تاريخية حاسمة، إما أن يلتحق بقافلة «صفقة القرن» ويشارك في تصفية القضية الفلسطينية، وبالتالي يتحقق «الحلم الإسرائيلي» بـ «الوطن البديل» تحت الحكم الهاشمي الذي لن يعمّر طويلاً بعد إتمام الصفقة، أو إحياء «المملكة العربية المتحدة» مما يعني أنّ العمر الافتراضي للمملكة الهاشمية التي نعرفها قد انتهى.

لا بدّ أنّ الملك عبدالله الثاني يدرك مخاطر الأزمة الاقتصادية التي تواجهها المملكة الهاشمية، لكن هل يدرك مخاطر الجزرات المسمومات؟ خياراته محدودة، أما التمرّد على الدور الوظيفي، وهذا يتطلب تغييراً جذرياً في التحالفات، أو الاستعداد للرحيل.

المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية

اترك تعليقاً

Back to top button