الجنوب السوري يعجّل بالهزيمة الاستراتيجية لـ«إسرائيل» وقمة هلسنكي تزعزع صفقة القرن…!
محمد صادق الحسيني
بداية نقول إنّ مصدراً أوروبياً رفيع المستوى سرّب معلومة في غاية الأهمية وصلت دوائر صنع القرار في المنطقة، مفادها أنّ وزيرالحرب الأميركي قد طلب من رئيس الأركان الإسرائيلي، يوم 30/6/2018، عدم اتخاذ أي إجراءات عسكرية، سواء في الجنوب السوري أو في أي موقع سوري آخر، قد تعرقل السياسة الأميركية المتعلقة بسورية.
علماً أنّ المصدر يعتبر ذلك بمثابة أمر عمليات رسمي لرئيس الأركان «الإسرائيلي» بالتوقف عن المغامرات بسبب عواقبها على «إسرائيل» قبل أي طرف آخر، خاصة في ظلّ انقلاب موازين القوى الميدانية في الجبهات السورية كلّها وعدم وجود أي إمكانية لتعديلها لصالح التنظيمات المسلحة.
من جهتنا فقد سبق وقلنا يوم الأحد 24/6/2018 بأنّ «إسرائيل» وأذناب الولايات المتحدة الصغار الآخرين، الذين حاولوا اللعب في الميدان السوري، قد دخلوا في مأزق حقيقي بعد التصريحات الأميركية، المتناقضة ظاهرياً والمعبّرة عن إعلان موارب للهزيمة الأميركية في الميدان السوري.
وبعد مرور أقلّ من أسبوع على ما قلناه فإنّ كلّ الوقائع الميدانيّة باتت تشير الى انّ الفريق «الإسرائيلي» اللاعب في سورية ومعه أعراب الجزيرة والآخرين انتقلوا عملياً الى مرحلة تجرّع السمّ مباشرة وتحمّل هزيمة مدوية، وذلك بعد أن تمكّنت قوات حلف المقاومة من تحريرمساحات واسعة من محافظة درعا وأصبحت هذه القوات هي سيّدة الميدان وعلى مختلف الصعد. مما أدّى الى اقترابها من إعادة السيطرة على كامل مساحات الجنوب السوري من دون أن تحرّك الولايات المتحدة ساكناً لوقف هجوم الجيش السوري وفِي ظلّ عجز «إسرائيلي» كامل عن التدخل لدعم المجموعات المسلحة، حتى ولو بطلقة واحدة. أي أنها تخلت قسراً عن أولئك المرتزقة الذين كانت تعوّل عليهم لإنشاء محمية «إسرائيلية» في الجنوب السوري.
هذا يعني الفشل التامّ للمشروع الإسرائيلي، الذي هو جزء من المشروع الصهيوأميركي بشأن سورية، الذي بُدئ بتنفيذه قبل أكثر من سبع سنوات.
علماً أنّ هذا الفشل سيجد التعبير الأوضح عن حقيقته وعمقه وطبيعته الاستراتيجية خلال القمة التي ستعقد بين الرئيس بوتين ودونالد ترامب في هلسنكي بتاريخ 16/7/2018، حيث سيجد الرئيس الأميركي نفسه مضطراً الى الشروع في التعامل مع الأزمات الدولية بطريقة تختلف عن طريقته الاستعلائية الفجّة التي عرفناها عنه حتى الآن، إذ أنه سيكون مضطراً الى:
ـ تقديم تنازلات عميقة في مجال سياسة العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا.
ـ تغيير الأسلوب الأميركي في التعامل مع موضوع السيادة الروسية على شبه جزيرة القرم.
ـ التفاهم مع روسيا على وقف التحركات الأميركية المعادية لروسيا أو التي تضرّ بمصالحها سواء في أوكرانيا أو في جورجيا.
ـ إيجاد صيغة جديدة للتعامل مع ملف الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، بما في ذلك احتمالية التفاهم على إعادة النظر في جوهر مشروع ترامب المسمّى بـ»صفقة القرن»، وذلك بشكل يضمن تحقيق مصالح الجميع وليس «إسرائيل» فقط.
وهذا بالضبط هو ما تخشاه الأوساط الإسرائيلية صاحبة القرار، أو الجهات المسؤولة عن الهزيمة النكراء التي لحقت بالمشاريع والأطماع «الإسرائيلية» في سورية بشكل عام وفِي الجنوب السوري بشكل خاص، والتي كانت تهدف إلى انتزاع اعتراف دولي بسيادتها على الجولان السوري المحتلّ لو أنها كانت قد نجحت في تحويل سورية دولة فاشلة تعمّها الفوضى الشاملة.
إذ إنّ جلّ ما تخشاه القيادة السياسية والعسكرية «الإسرائيلية» اليوم، وبعد هزيمة مشروع العدوان على سورية في آخر تجليات هذه الهزيمة في الجنوب السوري، أن يتمّ التفاهم بين العملاقين في قمة هلسنكي المقبلة على ما يلي:
ـ تعديل مشروع ترامب لحلّ الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» بشكل يجعله قابلاً للتطبيق، من خلال تلبية بعض مصالح الشعب الفلسطيني، مما يمهّد الطريق أمام ما يُسمّى بالحلّ الشامل لهذا الصراع…!
أي سقوط مشروع «صفقة القرن» وولادة مشروع روسي أميركي أو حتى مشروع دولي لإيجاد حلّ ما قابل للحياة للصراع العربي ـ «الإسرائيلي».
وهذا يعني فشلاً كاملاً لكلّ الجهود الإسرائيلية وجهود الأوساط الصهيونية في الولايات المتحدة، التي دفعت الرئيس الأميركي الى تبني هذا المشروع.
ـ جعل الانسحاب «الإسرائيلي» من الجولان السوري المحتلّ جزءاً مما يسمّى الآن «صفقة القرن»، والتي ستأخذ
شكلاً جديداً يتناسب مع جوهرها الجديد.
ـ تخوّف القيادتين، السياسية والعسكرية، «الإسرائيليتين» من أن يكون سبب الاستدعاء الأميركي العاجل لرئيس الأركان «الإسرائيلي»، قبل يومين، إلى واشنطن مرتبطاً بموضوع الجولان، وبأن الطرف الأميركي سيصدر له أمر بالبدء في إعداد الخطط لانسحاب الجيش «الإسرائيلي» من الجولان وإعادته الى السيادة السورية.
ولعله من المفيد أن يذكّر المرء بالبديل عن الانسحاب «الإسرائيلي» السريع، من الجولان السوري المحتلّ، والذي سيكون الدخول في مواجهة عسكرية شاملة مع قوات حلف المقاومة، التي تمتلك كافة المقومات والإمكانيات والخبرات العسكرية والمعنوية الكافية، للدخول في مواجهة شاملة مع الجيش الإسرائيلي، لن تقتصر لا على الجولان ولا على الجليل، بل ستمتدّ الى ما بعد بعد الجليل والجولان، في وقت تعلم فيه القيادات «الإسرائيلية» علم اليقين أن لا جيشها قادر ولا جبهتها الداخلية في وضع يسمح لها بالدخول في مواجهة كهذه.
الأمر الذي خلق، ومنذ أكثر من شهر، حالة ارتباك شديد لدى الجهات الإسرائيلية المعنية، سواء في قيادة الجيش أو قيادة الجبهة الداخلية. مما دفع قيادة الجيش للشروع بإضافة تحصينات جديدة لمفاعل ديمونا النووي المهترئ وغيره من المفاعلات. وكذلك الأمر في ما يتعلق باستعدادات الجبهة الداخلية حيث كثفت قيادة هذه الجبهة عمليات التدريب على مواجهة حرب شاملة يسقط فيها آلاف القتلى والجرحى.
دلائل بالجملة على دخول المشروع الصهيوني، أي إقامة دولة «إسرائيل» على أرض فلسطين، مرحلة التصفية النهائية وذلك بعد سقوط المشروع التدميري الأميركي في طول العالم العربي وعرضه.
وعليه فلن يفيدكم أيها الصهاينة تجنيد بضع عشرات من العملاء والمأجورين في طهران ليعرضوا مسرحية بائسة، كمسرحية نتن ياهو النووية التلفزيونية، عنوانها أي المسرحية الموت لفلسطين.
مشروعكم هو الذي مات، وفلسطين وسورية وإيران ولبنان المقاومة أحياء مقاومون.
الموت لكم ولفلسطين طول البقاء.
بعدنا طيّبين قولوا الله…