إيران تهدّد بإقفال مضيق هرمز أمام الصادرات النفطية إذا حُرمَتْ من بيع نفطها جنبلاط وباسيل يؤكدان التّمسّك بالمواقف من عُقَد التأليف… واللقاءات للتهدئة
كتب المحرّر السياسي
فيما فشلت مساعي التوصل لتسوية تنهي القتال في جنوب سورية، بتسليم الجماعات المسلّحة لسلاحها، وتسهيل انتشار الجيش السوري حتى الحدود الأردنية، ودخوله أحياء مدينة درعا وقرى وبلدات ريفها، عادت المعارك إلى الواجهة كخيار وحيد لحسم المشهد، بينما تبدو واشنطن خلف الكواليس تلعب لعبة كسب الوقت لبلوغ قمة هلسنكي بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، قبل أن يكون الوضع في جنوب سورية قد حُسِم.
استحقاق ثانٍ يداهم مفكرة الرئيس الأميركي يتصل بكيفية تصرّف إيران تجاه العقوبات الأميركية في حال فشل أوروبا بتقديم الضمانات اللازمة التي تطلبها إيران للبقاء في قلب التفاهم النوويّ. والضمانات تعني هنا بوضوح إحباط المسعى الأميركي لحرمان إيران من تسويق نفطها، وحرمانها من موارد العملات الصعبة والتبادل المصرفي. وفشل أوروبا بات يعني وفقاً للمواقف التي أطلقها الرئيس الإيراني وقادة الحرس الثوري، والجنرال قاسم سليماني، ما هو أبعد من عودة إيران للتخصيب المرتفع لليورانيوم، بعدما صار إغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط التي تخرج بقرابة عشرة ملايين برميل يومياً من الخليج، موضوعاً على الطاولة كواحد من الإجراءات التي قد تسلكها إيران، ما يضع إدارة الرئيس الأميركي أمام تحدٍّ فوري، في ظل مبادرته لإعلان الحرب التجارية والمالية على إيران، باستخدام نقاط القوة التي تتموضع فيها مصارفه في النظام المالي العالمي، مقابل تهديد إيراني بالردّ باستخدام نقاط قوتها التي تتموضع فيها جغرافيتها في الممرات المائية الحيوية لنقل الطاقة.
من ضمن الانتظارات التي تفرضها قمة هلسنكي تبدو الانتظارات اللبنانية لمصير الحكومة الجديدة، مع المواقف الصادرة عن الأطراف المعنية بالعقد الحكومية، حيث تبدّدت بسرعة مناخات التفاؤل التي انطلقت مع لقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بكل من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. فجاء كلام جنبلاط بعد لقائه عون عن التمسك بالمواقف السابقة تجاه التشكيل الحكومي، مشابهاً لمواقف أطلقها رئيس التيار الوطني الحرّ وزير الخارجية جبران باسيل ليلاً تجاه التمثيل القواتي والاشتراكي.
باسيل لـ«القوات»: اتفاق معراب ليس لائحة طعام
لا جديد على الصعيد الحكومي حتى الساعة، فكل اللقاءات والاتصالات السياسية لم تفض الى النتائج المرجوة، فلا يمكن التعويل على تواصل التيار الوطني الحر و»القوات اللبنانية» من منطلق أن رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل مصرّ على موقفه تجاه الحصة «القواتية»، وبينما الأخيرة قد ألغت من حساباتها نيل حقيبة سيادية، يبدو أن باسيل أراد يوم أمس، نقلاً عن مصادره «زكزكة» رئيس «القوات» سمير جعجع بالإشارة الى أن وزارة الدفاع لا يمكن أن تُسند الى «القوات» طالما أن قيادة الجيش لديها حساسية تجاه معراب، مع لفت المصادر الى أن زيارة جعجع الى بعبدا تزامنت مع خروج قائد الجيش العماد جوزيف عون من لقائه مع رئيس الجمهورية متجنباً اللقاء بجعجع. علماً أن موقف التيار الحر كان يرفض في السابق أن تُسند هذه الحقيبة لـ «القوات» لأن حزب الله أيضاً يرفض ذلك.
وقبيل لقائه المرتقب مع جعجع الأسبوع المقبل، أجرى باسيل جردة حساب مع «القوات» منذ اتفاق معراب وتجربة الحكومة الحالية، وقال «اتفقنا في معراب على المقاعد المسيحية مع الأخذ بعين الاعتبار الآخرين ومنها حصة الرئيس، واتفاق معراب كلّ متكامل، أساسه سياسي بأننا مشروع واحد قائم على إعلان النيات والعمل سوياً ومن ضمنه التوزيع الوزاري والتعيينات والانتخابات، ومع فكرة أساسية بأننا فريق سياسي واحد داعم للعهد، وأساس هذا الاتفاق قد اهتزّ».
وفي حديث لبرنامح «بموضوعية» عبر الـ «أم تي في» أضاف: «أين كانت القوات في أزمة الحريري؟ وهل هذا دعم للعهد؟». مشدداً على أنه بالنسبة الينا المصالحة المسيحية على المستوى الشعبي لا عودة عنها ولهذا تحمّلنا الإساءات والظلم». ورأى أن «اتفاق معراب ليس لائحة طعام نختار منها ما نشاء».
وقال: «بحسب التوزيع المعمول به لا يحقّ للقوات الا بثلاثة وزراء، لكن نحن لم نقل إننا لا نقبل بأن ينالوا أربعة، أما إذا طالبوا بخمسة فيصبح حق التكتل عشرة، لأن حجمنا هو الضعف، ولكن أكرر أن التفاهم السياسي هو الأهم وعلى أساسه نعطي مما هو حق لنا، كما فعلنا في السابق بإرادتنا وليس بالفرض».
وعن اتهام الحزب الاشتراكي لباسيل بالتدخل في الحصة الدرزية، قال باسيل: «لا يمكن اتهامنا بالتدخل في الشأن الدرزي، لأننا نطالب بتوزير شخص درزي بينما هناك مسيحيون في كتلته. وكل ما في الأمر ان الوزير ارسلان ترأس لائحة فاز منها أربعة نواب يحق لهم ان يتمثلوا في الحكومة، وربط تمسك جنبلاط بتوزير ثلاثة دروز اشتراكيين بالفيتو الميثاقي في المستقبل يصعب الأمور. والحلول في الموضوع الحكومي سهلة، لكن تحتاج لبعض الهدوء».
جنبلاط من بعبدا: متمسّك بموقفي ولن أتراجع
وكان رئيس الجمهورية قد واصل أمس، مساعيه لتثبيت التهدئة الإعلامية وتحضير الساحة السياسية لتسهيل مهمة تأليف الحكومة، فبعد لقائه جعجع، التقى أمس، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في قصر بعبدا.
وإن كانت زيارة جنبلاط الى بعبدا تحمل معاني إيجابية في الشكل على صعيد العلاقة بين بعبدا والمختارة بعد الفتور الذي شابها خلال مرحلة الانتخابات النيابية وعقب تصريح جنبلاط الشهير بأن «العهد فاشل»، إلا أنّه لا يمكن تحميلها أكثر مما تحتمل حكومياً لا سيما أن اللقاء لم يتعد في مضمونه أكثر من تثبيت وحدة الجبل وتهدئة الجبهة الإعلامية على خط بعبدا وميرنا الشالوحي كليمنصو وتهيئة الأرضية الملائمة لإعادة إطلاق جولة جديدة من المفاوضات والمشاورات لولادة طبيعية آمنة للحكومة بعد عودة المعنيين بالتأليف الى لبنان من إجازاتهم الخاصة، لا سيما الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس المجلس النيابي نبيه بري والوزير باسيل، وتجنّب الولادة الفجائية والقسرية أو القيصرية، كما أشار القيادي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش.
ولم يَقُل جنبلاط في تصريحه بعد اللقاء مع عون الذي دام ثلث ساعة، ما يوحي بحل العقدة الدرزية، لا سيما وأنهما لم يدخلا في تفاصيل التأليف وبحصة الاشتراكي، لكن رسائل جنبلاط كانت كافية بفصل علاقته مع عون عن علاقة حزبه والتيار الحر، ومن جهة أخرى التمييز بين توافقه مع عون على الهدنة والحوار وبين التنازل عما يعتبره الاشتراكيون حقهم في التمثيل الدرزي في الحكومة.
وحافظ جنبلاط على سقف مواقفه السياسية وفي مسألة التشكيل، بقوله إنه لن يتراجع عن كلمته بأن العهد فاشل، لكنه استدرك الأمر، وقال إنه لا يشمل كل العهد في إشارة الى الوزير باسيل. ولم يغادر رئيس الاشتراكي بعبدا من دون توجيه رسائل إلى باسيل، حيث ردّ جنبلاط على سؤال عما إذا كان عون قد أحاله الى باسيل كما فعل مع جعجع، بالقول: «أكتفي بلقاء عون»، ما يعني رفضه اللقاء مع باسيل.
وقال جنبلاط بعد اللقاء «في كل جلسة ألتقي فيها الرئيس عون، ألمس حرصه الشديد على وحدة الجبل خصوصاً ووحدة لبنان. وأطلب شخصياً من الرفاق والمناصرين تخفيف حدة اللهجة، والتفكير كما الرئيس عون، بحل المشاكل الكبرى الأساسية ومنها سبل تخفيف العجز ووضع خطة إنمائية من أجل خلق فرص عمل، ويبدو أنه تم البدء بوضع مثل هذه الخطط». واشار رداً على سؤال وعما اذا كان لا زال مصراً على تسمية الوزراء الدروز الثلاثة في الحكومة، أجاب «نعم، لانه نتيجة الانتخابات، اعطانا التصويت الشعبي والسياسي هذا الحق. قد نسقط كلنا في الانتخابات المقبلة».
وبعد اللقاء سجّل خرق للهدنة الجنبلاطية العونية، حيث دعا اللقاء الديموقراطي بعد اجتماعه الأسبوعي برئاسة النائب تيمور جنبلاط في كليمنصو، «المعنيين الى تذليل العقد وإزالة العقبات، وإقلاع البعض عن أسلوب المماطلة ومحاولة فرض معادلات تضرب وحدة المعايير وتهدف الى محاصرة بعض القوى السياسية وتحجيم دورها وفِي مقدمها اللقاء الديمقراطي. ويدعو اللقاء إلى احترام نتائج الانتخابات وتوحيد المعايير ومراعاة حجم التمثيل الحقيقي للقوى والأحزاب». فردّ النائب زياد أسود في تصريح عبر مواقع التواصل الاجتماعي قائلاً: «نتائج الانتخابات أعطتك وزيرين ونقطة على السطر، ولن يُلغى أحد بعد اليوم في الجبل».
دفعة جديدة من النازحين إلى سورية السبت
في سياق آخر، وبعد إعلان الأمين العام لحزب الله دخول الحزب على خط معالجة أزمة النازحين السوريين وتعيين لجنة لهذا الغرض برئاسة النائب السابق نوار الساحلي، أعلنت اللجنة أمس، استعدادها «لقبول طلبات الإخوة النازحين السوريين الراغبين بالعودة الطوعية إلى وطنهم، في مختلف المناطق اللبنانية». وتوقعت مصادر مطلعة على الملف أن يُبدي النازحون التعاون مع مبادرة حزب الله، وأن ترتفع أعداد النازحين الذي سيسجلون أسماءهم للعودة بالآلاف، وأشارت لـ«البناء» الى أن «الدور الذي يلعبه الحزب في سورية والحضور الميداني والعلاقة الممتازة التي تربطه بالدولة السورية يشكل ضمانة للنازحين للعودة الى بلدهم».
وقال رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لـ«لبناء» إن «مبادرة حزب الله تصبّ في الاتجاه نفسه الذي عملنا عليه، وتتكامل مع جهودنا كبلدية عرسال مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لتوفير الأجواء الملائمة لإعادة النازحين». ودعا الحجيري كل النازحين في لبنان لا سيما الموجودين في مخيمات عرسال الى «التجاوب مع مبادرة الحزب»، ورأى في بيان وزارة الخارجية السورية خطوة جدية وإيجابية للتعاون مع أي جهة لبنانية في سبيل عودة النازحين، داعياً الحكومة السورية الى «توفير ما يحتاجه النازحون فور عودتهم الى سورية من خدمات ومسكن لما يشجعهم على العودة».
وبعد نجاح الأمن العام بإعادة نحو 300 نازح، علمت «البناء» أن «الأمن العام بصدد إعادة نحو 500 نازح كدفعة ثانية السبت المقبل ضمن الـ3 آلاف نازح الذين سجلوا أسماءهم للعودة». ونقلت مصادر متابعة لعودة النازحين لـ«البناء» أن «النازحين الذين عادوا الى سورية يعاملون أفضل معاملة وتقدم لهم الحكومة ما يحتاجونه». ولاحظت المصادر بأنه «وبعد قرار الخارجية اللبنانية بحق مفوضية شؤون النازحين عدلت بسلوكها وتوقفت عن ممارسة الضغوط على النازحين وتخويفهم من العودة»، مشيرة الى أن «صلاحية المفوضية تنحصر في الشؤون الإنسانية وليس بحدود السيادة اللبنانية».
واعتبرت مستشارة وزير الخارجية جبران باسيل لشؤون النازحين، علا بطرس، أن لروسيا دوراً مهماً يمكن أن تقوم به في تأمين عودة النازحين السوريين المقيمين في لبنان، بالنظر إلى كونها لاعباً أساسياً في سورية من خلال مساهمتها في إعادة الأمن والاستقرار والنهوض بهذا البلد».
وفي حديث إلى وكالة « سبوتنيك »، لفتت بطرس، إلى أن «العودة الآمنة للنازحين السوريين ستكون بنداً أساسياً في البيان الوزاري المرتقب للحكومة اللبنانية قيد التشكيل حالياً»، مشدّدة على أن «ذلك يشكل مدخلاً لإزالة الكثير من المعوقات السياسية الداخلية، التي تحول دون الإسراع في العودة، بعدما بات اللجوء السوري عنصراً ضاغطاً على لبنان اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً».
من جهته، أكد السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي أن «التنسيق بين لبنان سورية بشأن النازحين قائم وأنا أنسق مع وزارة الخارجية والأمن العام بتوجيه من رئيس الجمهورية ميشال عون »، مشدداً على أن «مصلحة لبنان أن يكون التنسيق أكبر بين الحكومتين اللبنانية والسورية وأن يخرجوا من المكابرة، لأنها ليست لمصلحة لبنان ولا النازحين ولا سورية».