انهيار «لحد 2»

روزانا رمّال

بين الحديث عن وساطة روسية وتدخل مباشر مع المسلحين أدى إلى اعلان الفصائل المسلحة في جنوب سورية توصّلها إلى اتفاق مع السلطات السورية بضمانات روسية، حول بدء تسليم أسلحتها الثقيلة في ريف درعا السورية، وبين انهيار المسلحين الذين انتظروا أكثر من سبع سنوات مع مشروع عقيم تستعيد الأزمة السورية زخمها من منظار التحوّل السياسي الكبير الذي تعيشه المنطقة مع ما يسعى إليه الأميركيون والإسرائيليون الى «ذرّ الرماد» في العيون وإزاحة العين عن الحدث السوري الكبير بإشغال المنطقة بالضغط الواسع على إيران والتهديد بنسف الاتفاق النووي بالكامل عبر الضغط على الاوروبيين وفتح أزمة نفطية عالمية. يُضاف اليها تحويل المعركة وصبّها نحو طهران لما من شأنه إعادة تعديل الرؤيا وحَرْف النظر عن الانتصار الكبير في سورية من ضمن أهداف الضغط السياسي على إيران.

الحدث في الجنوب السوري هو إسقاط توجّه إسرائيلي بالسيطرة على الحدود واستبدالها بالجيش الحر الذي عرفت به الأزمة ببداياتها قبل ظهور جبهة النصرة وداعش والجيش الحر الذي شكّل الجزء الثاني الشبيه بـ «جيش لحد» في جنوب لبنان. وهو الجيش المنشق أصلاً عن الجيش السوري. وهو الذي كان من المفترض أن يقلب المشهد ويؤسس أرضية كتائب متعدّدة تجمع مجدداً تحت إطار جيش سورية الجديد بعد إسقاط النظام، كما كان مفترضاً. هذا الجيش الذي انشقّ جزء كبير منه عبر إغراءات مالية لأصحاب رتب رفيعة وانسحابات فردية عاد وتبعثر مع مشروعه الأساسي بعد أن كشف حلفاء الرئيس السوري عن نية الانضمام معه الى الحرب. فكان أن انضم حزب الله وإيران وروسيا وصارت آمال هذا الجيش أبعد.

احتلال الجنوب اللبناني قرابة عشرين عاماً يكاد يكون المثل الأوضح لجهة الاهتمام الإسرائيلي بالحدود في شتى حروبها. والإبقاء على احتلال الجنوب اللبناني باهظ الثمن وقع ضمن تجاذبات داخل الجبهة الإسرائيلية أخذت الكثير من صقورها نحو الانكفاء أو بالحد الأدنى الابتعاد عن فكرة الانسحاب قدر الممكن حتى أُجبر ايهود باراك وزير» الدفاع – الحرب» الإسرائيلي آنذاك للانسحاب تحت ضغط عمليات المقاومة المتتالية التي ضاق بها الجنود الإسرائليون ذرعاً حتى سموا جنوب لبنان «أرض الجحيم».

بالواقع، فإن هذا الجحيم قد بدأ فعلياً لحظة الانسحاب الإسرائيلي الذي كلّف توسيع نفوذ حزب الله من لبنان لسورية وصولاً الى العراق واليمن. الأمر الذي يعني الكثير والذي أكد أن مسألة الحدود هي الأقدر على تقويض الحركات المقاتلة وضبط أي نوع من أنواع المقاومات.

الحدود الشمالية مع سورية رئة «حزب الله». وهي مثال آخر على أهمية الاحتفاظ بمداخلها ومخارجها احتفاظاً بنقاط القوة خلال المعارك. وعرف ان اهتماماً بالغاً من القيادة السورية وحزب الله بنقطة المصنع اللبنانية التي كانت محطّ عناية كبرى لئلا تغلق أثناء الأزمة وكان ذلك.

من الجنوب السوري بداية القصة، ومنها النهاية. من درعا الشرارة ومنها وداع المؤامرة. هكذا يصف السوريون فرحتهم بعودة الجنوب السوري تدريجياً، لكن هذا الجنوب الذي يشكل قلقاً عند الإسرائيليين وحده سيكون محط أنظار الأيام المقبلة في ما يتعلق بوجود إيران فيه إلا أن المؤكد يبقى فرط عقد مشروع إنشاء جيش لحد ثانٍ بشكل نهائي في تلك المنطقة، تماماً كما سقط هذا المشروع بعد عشرين عاماً في جنوب لبنان.

8 أعوام تكفلت بردّ البقعة الجغرافية الواقعة عند حدود الدولة السورية مع الكيان المحتل لهضبة الجولان. ومن الجهة المقابلة تمكّن الجيش السوري من بسط سيطرته على معبر نصيب. وهو معبر تجاري حيوي لكل من الأردن وسورية ولبنان والعراق «جنوب درعا» الذي يضمّ أيضاً محافظتي القنيطرة والسويداء.

الاتفاق الأخير يقضي بتسليم الإرهابيين أسلحتهم مقابل فض النزاع والانسحاب، لكن الأهم في الجزء المتعلّق بمحافظة القنيطرة، حيث يسيطر الإرهابيون التكفيريون سيبقى الأبرز. وهو ما أكدته كاميرات الرصد وتحرّكات الأجهزة العسكرية الإسرائيلية في الساعات الماضية التي عكست قلقاً كبيراً وإرباكاً واضحاً من ردود فعل محدودة تعني الاستسلام لأمر واقع جديد من دون تطوير أو تصعيد المشهد حتى اللحظة، لأن شيئاً لن يكون مطمئناً لجهة فرض الجيش السوري سيطرته من جديد مقابل الوجود الإيراني حزب الله في تلك المنطقة.

الوجود الإيراني والقلق الإسرائيلي منه لا يزال الطرح الأوحد. وهو يخضع لتمسك سوري رسميّ على أساس أنه موجود بموافقة دمشق، خلافاً لقوى عسكرية أخرى ولدول أحضرت طواقمها العسكرية من دون تلك الموافقة.

انهيارات الجنوب السوري التدريجية تغلق صفحات ولادة جيش منشق كان من المقدَّر له الحياة بحراسة منافذ «إسرائيل» مشابهة لتلك التي عاشها جيش انطوان لحد في جنوب لبنان. وكان مقدراً أن تبقى هذه الصيغة سنوات طويلة كما بقي الجنوب اللبناني أسيراً للسلطات الأمنية الإسرائيلية، في ما يُسمّى تأمين المدى الحيوي لـ«إسرائيل» وبسط سيطرتها الأمنية على المنافذ والمعابر الاستراتيجية.

اترك تعليقاً

Back to top button