عمران الزعبي يتحقّق من النصر ويرحل

ناصر قنديل

– خلال ثلاثة عقود كانت عمر تعارفنا وصداقتنا التي بدأت للتوّ بحرارة ولم تنتظر الزمن لتترسّخ، كان الصديق والحبيب والأخ عمران الزعبي مثقفاً مناضلاً قومياً مؤمناً بفلسطين، التي كانت مدخل معرفتي به عبر ترؤسه لجنة حقوقية سورية تدافع عن قضيتها، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي. وخلال هذه السنوات الطوال كان لعمران نصيب من كل زيارة إلى دمشق، مئات اللقاءات، محورها قضايا الأمة، عنوانها سورية والرئيس الراحل حافظ الأسد الذي عشقه وجعل كلماته رنين هاتفه، إلى الرئيس بشار الأسد الذي وهبه عمران الثقة والحب والولاء بلا شروط. فعرف المكانة التي سيُكتب لسورية عبرها تاريخها الحديث المجيد. وكانت المقاومة حباً لا ينقطع، وقلقاً لا يطمئن. وبقي سؤاله الأول في كل لقاء عن سيد المقاومة، الذي كان لعمران نصيب من أحاديث تشرّفت بها معه حول سورية، وعندما أنقل لعمران بعضاً مما قال تغرورق عيناه بالدمع فيض حبّ وأمل وثقة.

– في قلب الحرب على سورية اختاره الرئيس بشار الأسد عضواً في اللجنة الدستورية التي صاغت دستور سورية الجديد، ثم وزيراً لحربه الإعلامية. وكانت الدولة والحزب في سورية يفتقدان لساناً يدافع عن حقها، وعن دمها النازف، وعن مظلوميتها، حتى كاد الرئيس يكون وحده صوت سورية ولسان الدفاع عنها. فنجح عمران بجدارة في أن يكون صوت سورية المحارب، بلا كلل وملل أو وجل، حتى إحراق السفن مع كل من تمادى وتطاول على سورية ومقام جيشها ورئيسها، واستحلّ دماء أبنائها. وهذا الاستحقاق يُجمع عليه الذين يقولون إن عمران الزعبي انتقل بالإعلام السوري خطوات إلى الأمام والذين ينتقدون أداء الإعلام السوري في عهده وزيراً، وينتقدونه معه، لكنهم يُجمعون على جدارته بلقب وزير الإعلام الحربي لسورية، وقبل أن يتولى الوزارة وخلالها، كانت مساهماتي في الخطاب الإعلامي والحرب الإعلامية، وكانت فرص لتعاون عبر شبكة توب نيوز ولاحقاً عبر جريدة البناء التي أحبَّها وشارك في الكتابة على صفحاتها.

– في المهمة التي تولاها بعد وزارة الإعلام كنائب لرئيس الجبهة الوطنية التقدمية، بثقة كان يفتخر بها منحه إياها الرئيس بشار الأسد كرئيس للجبهة. فبذل جهده ووقته ليكون أهلاً لها، وينهض بالجبهة التي عانت الكثير من الغياب خلال سنوات. فأقام ورش العمل والمناقشات الفكرية، وشغل باله وبال كل صديق للبحث عن أفكار تطويرية وإعداد أوراق للنهوض، وعقد مؤتمرها فرحاً بالإنجاز، وعرفه قادة الأحزاب الشريكة في الجبهة، وأحبّوه وتشاركوا معه همومها. وكان للحزب السوري القومي الاجتماعي نصيب عنده من العقل والقلب، فأحبّه القوميون وأحبّهم، وميّزوه وميّزهم، وعادت معه الجبهة تستعدّ للحضور وتتهيأ للدور.

– رغم كل الحب لكل سورية وكل بقعة منها بقي لجنوب سورية مكانة القلب في قلب عمران. وكان حزنه كبيراً لما شهده الجنوب ودرعا خصوصاً. كما كانت ثقته كبيرة بأن الصورة الحقيقية للجنوب ودرعا ستظهر بوطنية صافية وقومية نظيفة، ولم يقطع صلاته بأهل الجنوب ودرعا وعشائرهما. وهو إبن العائلة الكبيرة فيهما، وكان يردّد أن حجم الثقل الذي يلقيه الدور الأميركي الإسرائيلي السعودي التخريبي، لن يتيح تظهير صورة الجنوب السوري إلا عندما يدخل الجيش فاتحاً، ويشغل باله أن يطمئن لدنو تلك الساعة، ولشراكة حلفاء سورية لجيشها في تلك اللحظة، التي كان يراها تقترب ويبشر بها القاصي والداني، حتى جاءت وتدحرج النصر أمام الجيش العربي السوري، الذي أحبّ بلا حدود، ورأى معه كتفاً إلى كتف مقاتلي المقاومة، ومستشاري إيران، وفي السماء نسور الجو السوريين ومعهم رفاق الحرب والدرب حلفاءهم الروس، فجاءه الخبر، الجيش السوري يقترب من المعبر الحدودي مع الأردن وتدنو لحظة إعلان النصر الكبير، فأغمض قلبه ونام.

– ليس سهلاً أن نخسر أصدقاء ورفاق درب وقضية وأخوة قلب وحبّ، وليس سهلاً أن نعيد بناء صداقات تحتلّ ما تمكنوا منه في العقل والقلب والوجدان، بما بقي من العمر قياساً لما كانوا في ما مضى قبل أن يمضوا في طريق الرحيل، لذلك مكانُك باقٍ في القلب يترك فراغاً بارداً لا تملؤه إلا حرارة ابتساماتك تلمع أمام العين كلما ذكرك العقل أو اللسان. وها هي سورية التي جمعتنا تمضي إلى النصر وتختلط مع نصرها دمعتُنا بفرح النصر بدمعتِنا على رحيلك المفاجئ.

اترك تعليقاً

Back to top button