مشكلة الكرد السوريين هل تحلّها سورية مع تركيا أم مع الكرد أنفسهم؟

د. عصام نعمان

تكاد سورية تنهي، بالقتال أو بالمصالحات، مشكلة جنوبها الذي تقاسمته الفصائل المسلحة. روسيا تساعد سورية بالقتال كما بالمصالحات التي تغني عن الاحتراب. أميركا «ساعدت» سورية أيضاً بوقف دعمها للفصائل المسلحة. الأردن ساعد أيضاً بوقف نقل الرجال والعتاد عبر حدوده تفادياً لتدفق اللاجئين السوريين إلى أراضيه. «إسرائيل» تقبّلت على مضض، أو هكذا تظاهرت، بعودة القوات السورية الحكومية الى الأراضي المحيطة بالجولان المحتلّ، بل أخذت تدعو للعودة الى التزام اتفاق فصل القوات بينها وبين سورية الموقّع سنة 1974.

هذه التطورات والإنجازات ما كانت لتتحقق لولا اتصالات وتفاهمات تمّت وراء الستار بين روسيا وأميركا، بعضها بعلم سورية وموافقتها، وبعضها الآخر ما زال طيّ الكتمان. لماذا؟ لأنّ بعضها كان مجرد تمهيد وبعضها الآخر بقي مرهوناً بالمحادثات التي ستجري بين الرئيسين الأميركي والروسي في قمة هلسنكي في 16 تموز/ يوليو الحالي.

سؤال آخر يُطرح: الى أين ستتجه القوات السورية بعد إنهاء مشكلة الجنوب السوري؟ هل تتجه إلى تحرير محافظة إدلب في الشمال الغربي، حيث جبهة «النصرة» وحشد من الفصائل الأخرى المتحالفة والمتصارعة معها أم إلى محافظات الرقة والحسكة وشرق دير الزور في الشمال الشرقي حيث تسيطر قوات سورية الديمقراطية «قسد» التي تدعمها الولايات المتحدة بقواتها المتمركزة هناك؟

الأرجح أن تتوجّه القوات السورية الى تحرير محافظة إدلب أولاً حيث لتركيا فصائل موالية ولروسيا وجود عسكري غير بعيد منها. الأفضلية ستكون لتحرير إدلب لأنّ دمشق تحظى بدعم واضح من موسكو في كفاحها لاستعادة وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني. كما تحظى ـ على ما يبدو ـ بتأكيدٍ من روسيا بأنّ تركيا لن تُحرجها بدعم أعدائها في إدلب، خلال معركة تحريرها، شريطة أن تردّ دمشق «الجميل» بدعم أنقرة في حملتها ضدّ الكرد السوريين من أنصار حزب العمال الكردستاني التركي في الشمال السوري والمتعاونين مع أميركا في محافظتي الرقة والحسكة.

من الصعب التكهّن، الآن، بمضمون موقف تركيا وأميركا وروسيا حيال مسألة اعتزام سورية تحرير إدلب من أعدائها. ربما يصبح الجواب جاهزاً بعد قمّة ترامب بوتين في هلسنكي. ذلك كله يدفع إلى الواجهة بمسألة سيطرة سورية على محافظتي الرقة والحسكة كبديل عملي من التوجّه إلى إدلب.

صحيح أنّ للحكومة السورية وجوداً عسكرياً وإدارياً في بعض نواحي الحسكة، لكن السيطرة تبقى بيد «قسد» المدعومة من أميركا. دمشق لن تتعاطى، إذاً، مع واشنطن بشأن الكرد، لكونها تعلم أنّ أميركا لن تتعاطف معها، لأنّ القصد من وجود قواتها في شرق سورية التنف وشمالها الشرقي الرقة هو للضغط عليها بغية حمل إيران على سحب قواتها من أراضيها. لا يبقى أمام دمشق، والحالة هذه، إلاّ الاستعانة بأصدقائها الروس، فماذا تراه يكون موقف موسكو؟

ثمة تقارب كبير حدث في الآونة الأخيرة بين أنقرة وموسكو لدرجة أنّ الأخيرة قرّرت تزويد الأولى بمنظومة للدفاع الجوي من طراز S-400 بالرغم من عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي. موسكو لن تتخلى طبعاً عن دمشق وستدعم موقفها بشأن عودة محافظتي الحسكة والرقة الى سيادتها، لكنها تفضل لهذه الغاية أن تضغط على أميركا وليس على تركيا.

إزاء هذه الملابسات والتحديات ستجد سورية نفسها، كما الكرد السوريين، أمام خيار آخر أجدى وأنفع: أن تتوصل دمشق وقادة الكرد السوريين غير المتعاونين مع دول أجنبية والحريصين على البقاء ضمن الوطن السوري الى تسوية سياسية متوازنة تصون بأسسها وأحكامها وحدة البلاد في ظلّ سلطة مركزية، كما تصون حق الكرد في مواطنية متساوية مع إخوتهم الآخرين في الوطن وتكفل حقهم في ممارسة إدارة محلية يحميها الدستور والقانون، وذلك في إطار نظام ديمقراطي يحقق مساواة جميع المواطنين أمام القانون.

آن الآوان للوطنيين بين الكرد، وهم الغالبية، كي يحولوا دون قيام قلةٍ منهم بدور «تكسي الدول» الأجنبية الطامعة بأراضي سورية ومواردها. كما آن الأوان للقوى الوطنية المتعقّلة في سورية كي تجترح مقاربة وطنية ديمقراطية في التعاطي مع الكرد تكفل عودتهم الى حضن الوطن في إطار دولة مدنية ديمقراطية.

وزير سابق

اترك تعليقاً

Back to top button