ترامب ينتظر لقاء بوتين «بفارغ الصبر»: «روسيا والصين والاتحاد الأوروبي أعداء» مراوحة حكومية مستمرة… الحلحلة المسيحية غامضة… والعقدة الدرزية واضحة
كتب المحرّر السياسيّ :
تشخص أنظار العالم نحو عاصمة فنلندا هلسنكي التي ستشهد لقاء القمة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، في استعادة لمشهد ما قبل ستة عقود عندما ضمّت عام 1975 القمة التي جمعت رؤساء الدول الغربية في تتويج لتفاهم روسي أميركي سبقها بهدف الحدّ من التوترات الدولية والإقليمية التي حكمت العالم في فترة الحرب الباردة، وفيما تجمّعت لدى الرئيس الروسي معطيات العشرات من الملفات التي ستكون القمة مناسبة لتداولها، عبر لقاءات جمعته خلال الشهرين الماضيين، بقادة العشرات من دول العالم قبل استضافة موسكو للمونديال وخلاله وفي ختامه توجّها بلقاء الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون الذي حصد منتخب بلاده كأس العالم، يذهب الرئيس الأميركي إلى القمة بفارغ الصبر كما قال، بعدما كان قد أدلى بتصريحات متوترة عن توصيف المشهد الدولي، قال خلالها إن لأميركا أعداء يتقدمهم الروس والصينيون والاتحاد الأوروبي.
مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون خفض سقف التوقعات بقوله إن لا آمال كباراً تُعقد على القمة، بينما رسمت مجلة فورن أفيرز، المتخصصة بالشؤون الدولية والتي تعكس مواقف الكتل الوازنة في الكونغرس والإدارة ومجموعات التفكير الجامعية، في عدد خاص، أن القمة قد يطيح فيها كفرصة أحد سلوكين متوقعين من ترامب، التخاذل عن صناعة تسويات ممكنة بسبب الخوف من اعتراضات بعض الداخل الأميركي، وهو ما غرد بمضمونه ترامب بقوله «لو تسلمت مفاتيح موسكو سيخرج من يقول كان يجب أن يأتي لنا ببطرسبورج»، أو الذهاب إلى أبعد ما يجب مع الرئيس الروسي الحاذق والماهر في لعب أوراقه القوية.
في الطريق إلى القمة يبدو التفاهم الروسي الإيراني في خلفية المشهد بعد زيارة الدكتور علي ولايتي مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران إلى موسكو، كما تبدو «إسرائيل» في خلفية المشهد بعد زيارة بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال إلى موسكو وحديثه عن متابعة ما سيجري في قمة بوتين ترامب، من الضفة الأميركية بمطالب إسرائيلية تتصل باستعادة العمل باتفاق فك الاشتباك على حدود الجولان السوري المحتل، وبالسعي لإبعاد الحضور الإيراني ووجود حزب الله عن هذه الحدود.
بالتوازي كان الميدان السوري يسجل بدء معركة تحرير المناطق الحدودية مع الجولان، حيث يتقدّم الجيش السوري على محاور محافظة القنيطرة، بعدما أنهى ترحيل 1400 من مسلحي الجماعات التي كانت في أحياء درعا، معلناً سيطرته على المدينة التي سجلت منها أولى شرارات الحرب على سورية، فيما واصل الإسرائيليون تحرشاتهم التفاوضية رداً على التجاهل السوري لدعوات العودة لفك الاشتباك. فقالت وكالة الأنباء السورية إن غارة إسرائيلية إستهدفت موقعاً عسكرياً قرب مطار النيرب في حلب، وإن الأضرار اقتصرت على الماديات.
في العراق لا زالت الفوضى سيدة الموقف، والغموض يسيطر على المشهد السياسي، مع تواصل التظاهرات الغاضبة في مختلف المحافظات، وصعوبة تبلور الكتلة التي ستتولى تسمية رئيس الحكومة المقبل، وظهور مشاهد عنف سقط فيها المزيد من الضحايا، والمزيد من المخاطر المحيطة بحقول النفط والمرافق الاقتصادية والحكومية، ما قد يُنذر بسقوط المزيد، وتصاعد العنف، في لحظة دولية إقليمية دقيقة وحرجة، حيث يتقاسم الأميركيون والإيرانيون حضوراً سياسياً رسمياً وأمنياً علنياً في المشهد العراقي.
لبنانياً، استمرت حال المراوحة في الشأن الحكومي، ولم تسجل معطيات جديدة توحي بتحقيق أي تقدم جدي، وسط غموض حول الصيغة التي تمت لحلحلة العقدة المسيحية بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بعد حسم تمثيل القوات بأربعة وزراء والتيار وتكتل لبنان القوي ورئيس الجمهورية بعشرة، فقالت مصادر قواتية إن نائب رئيس الحكومة سيكون من حصتها بعد حسم الحقيبتين السياديتين المسيحيتين من حصة التيار ورئيس الجمهورية. وقالت مصادر التيار إن نائب رئيس الحكومة لم يمنح للقوات ولا يزال موضع تجاذب، بينما قالت مصادر متابعة إن البطريرك بشارة الراعي قاد مسعى لتسمية نائب رئيس بالتوافق بين التيار والقوات يتبناه رئيس الجمهورية من حصته هو رجل الأعمال نجاد عصام فارس.
مع غموض الحلحلة المسيحية سجل المزيد من الوضوح في العقدة الدرزية، حيث استمر السجال بين اللقاء الديمقراطي والتيار الوطني الحر، وبات واضحاً عنوان التجاذب بربطه بمنح اللقاء الديمقراطي القدرة التعطيلية الميثاقية بحصوله على كامل حصة الطائفة الدرزية أو منعه من ذلك بحرمانه من هذه الحصرية. وأكدت مصادر اللقاء الديمقراطي تمسكها بكامل الحصة الدرزية مخيّرة العهد بين نجاح ولايته الرئاسية أو التمسك بعقدة الميثاقية الدرزية.
«الاشتراكي» لعون: «الولاية» أم «الميثاقية»؟
أسبوع جديد أُضيف الى الأسابيع الماضية ولبنان من دون حكومة، فيما ترتفع الأصوات المحذرة من التداعيات السلبية المترتبة عن التأخير في تأليف الحكومة الجديدة. أما الرئيس المكلف سعد الحريري الذي أجرى جولة مفاوضات جديدة شملت مختلف القوى السياسية في عطلة نهاية الأسبوع، فلم يتمكن عبرها من إحداث خرق في جدار المواقف الصلبة لا سيما في موقف الحزب التقدمي الاشتراكي الذي لا يزال يتمسك، وفق المعلومات بكامل الحصة الوزارية الدرزية ورفض التنازل من حصته لتوزير النائب طلال أرسلان، كما لا يزال يرفض العروض الوسطية المطروحة عليه من قبل الحريري.
في المقابل يتمسك الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل بتوزير أرسلان بهدف نزع الميثاقية الدرزية من يد رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط وتحرير حكومة العهد الأولى كما يسمّيها عون من القبضة الجنبلاطية إذا نال الاشتراكي الحصة الدرزية كاملة، بحسب ما أشارت أوساط عونية لــ»البناء».
وإذ برزت مؤشرات أولية لحل العقدة القواتية من خلال موافقة القوات اللبنانية المبدئية على 4 وزراء من بينهم حقيبة خدمية أساسية ونائب رئيس مجلس الوزراء، بحسب مصادر قواتية لـ»البناء»، فإن العقدة الأساسية تتركز في إطار عملية شدّ الحبال بين عون وباسيل مع جنبلاط الذي بدأ يخيّر رئيس الجمهورية بين فشل عهده أو حكومة بتمثيل جنبلاطي كامل، ورأى النائب وائل أبو فاعور ، أن «العقدة الحقيقية هي عند رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «، سائلاً: «هل يريد أن تكون الولاية الرئاسية ناجحة أم لا؟»، معتبراً أن الكرة في ملعب رئيس الجمهورية حيث عليه الحوار مع « التيار الوطني الحر » بطريقة مختلفة. موضحاً أن «كل الصيغ التي يُقال في وسائل الإعلام أنها طرحت علينا لم تُطرح ولا نقبل بأن تُطرح»، مؤكداً الإصرار على تسمية الوزراء الدروز الثلاثة من قبل الاشتراكي ». في المقابل شدد الوزير جبران باسيل على أن «الحكومة ستشكل بمعالم معروفة لن يتغير منها أي شيء وستحترم إرادة الناس التي عبّرت عنها في الانتخابات التي انتظرتها تسع سنوات، وستكون هناك حكومة تكريس الثقة». وأشار باسيل في مجال آخر، الى ان «الطرق بين لبنان وسورية، سورية والعراق، وسورية والأردن ستفتح وسيعود لبنان إلى التنفس من خلال هذه الشرايين البرية، كما ستعود الحياة السياسية بين سورية ولبنان».
وإذ سجلت الأيام القليلة الماضية التزاماً شبه تام بالهدنة على جبهة معراب ميرنا الشالوحي، بعد دخول الكنيسة المارونية على خط التهدئة ورأب الصدع وانقاذ المصالحة، إلا أن النار لا تزال تحت الرماد وفق مصادر متابعة للعلاقة بين الطرفين، في ظل عدم تحديد أي موعد للقاء بين باسيل ورئيس القوات سمير جعجع حتى الآن، حيث تبدي القوات امتعاضها من تدخل باسيل في عملية التأليف وفي رفض وقبول مطالب وحصص الأطراف الأخرى. وغمز النائب وهبه قاطيشا من قناة رئيس التيار الوطني الحر بقوله «من أن يدخل فريق غير مخول التدخل في تشكيل الحكومة ، وعلى التشكيل أن يكون سرياً ولنترك للرئيس المكلف ورئيس الجمهورية تشكيل الحكومة بهدوء». وشدّد قاطيشا على أن «القوات اللبنانية حريصة على رئاسة الجمهورية أكثر من الذين يجلسون في أحضان العهد»، لافتاً الى ان لا يتمنى «أن يكون للوزير باسيل وكالة من الرئيس عون للتكلم عنه».
الحريري: حكومة بنسختها الحالية
وبحسب معلومات «البناء» فإن آخر العروض التي قدّمها الرئيس الحريري للأطراف هو صيغة حكومية جديدة بنسخة الحكومة الحالية مع بعض التعديلات الطفيفة، كما لو أن الانتخابات لم تجر وبذلك يضع حزب الله والرئيس عون بين خيارين أحلاهما مر: إما حكومة بشروط جعجع وجنبلاط وإما لا حكومة. وفي سياق ذلك، رأى مصدر في 8 آذار بأن مطالب القوات والاشتراكي ليست سوى الواجهة السعودية لتعطيل ولادة الحكومة، إذ إن «السعودية لا تريد الاعتراف بنتائج الانتخابات النيابية الجديدة، كما أن الرئيس المكلف يسعى الى كسب ود ورضى المملكة وشرطها لذلك تحقيق مطالب جنبلاط وجعجع في الحكومة»، وأشار المصدر لـ «البناء» الى أن «دفش الاشتراكي والقوات من قبل السعودية يأتي استكمالاً لمحاولات السعودية لتعطيل العهد منذ أزمة احتجاز الحريري الذي كان هدفها إسقاط العهد في مهده بالضربة القاضية لولا حكمة الرئيس عون وحزب الله والالتفاف الوطني حول الرئيس الحريري»، واذ تنقل أوساط سياسية عن الحريري امتعاضه وحيرته في الواقع تسأل: هل يتمرد الحريري على المملكة ويشكل حكومة بناءً على نتائج الانتخابات؟ وماذا لو لم يستطع الحريري تحدي السعودية؟ ما هو مستقبل الحكومة ولبنان؟
وتشير مصادر في فريق المقاومة الى «أن الرئيس عون وحزب الله والبلد لن ينتظروا الحريري لأربع سنوات، فحزب الله بحسب المصادر «لا يريد حرق المراحل ويعطي الوقت الكامل ولا يتدخل في عملية التأليف ويترك الأمر ليأخذ مساره القانوني والدستوري ويترك لعون ادارة المرحلة، وسهل قدر الإمكان، والعقدة ليست عنده»، أما الرئيس عون بحسب مصادر «البناء» فإنه «كلف لجنة من خبراء دستوريين وقانونيين لإعداد دراسة حول أزمة التأليف ووضع رؤيتهم لذلك للبناء على الشيء مقتضاه».
في غضون ذلك، يصل الى لبنان خلال ساعات مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، حسين جابري أنصاري، في زيارة يُفترض أن يلتقي خلالها المسؤولين اللبنانيين، ويعرض معهم المستجدات المتسارعة إقليمياً ودولياً.
ورأى نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الى أن «الحكومة اللبنانية المقبلة لها دور مركزي في الاقتصاد والشؤون الاجتماعية وكل تأخير في تشكيلها يفاقم من الخطر ويساعد على المزيد من الاحتضار»، مضيفاً «علينا أن نشكل الحكومة مستفيدين من نتائج الانتخابات النيابية كمعيار عادل، وأن نسهل التأليف بالمرونة المناسبة لأن الحكومة ليس قطعة جبنة يتقاسمها البعض على حساب الوطن». وشدد نائب الأمين العام لحزب الله على أنه يجب أن تبقى البوصلة موجهة ضد «إسرائيل» كي لا تتمكن من رسم حدودها، ولكي نزرع الخطوات المناسبة لإنهاء هذا الاحتلال وإعادة الارض إلى أصحابها، وفي كل الأحوال ليكن معلوماً أن صفقة القرن لن تمر ولو اجتمع العالم بأسره حولها، لأن هناك مقاوما فلسطينيا ومقاوما عربيا ومقاوما إسلاميا، وفي النهاية النصر للحق وللأرض وللإنسان الشريف، وقد أثبتت التجربة بأننا انتصرنا عندما وقفنا وسنظل واقفين لننتصر دائماً.
على صعيد آخر، يترأس رئيس مجلس النواب نبيه بري صباح اليوم اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس، كما يترأس اجتماعاً آخر لكتلة التنمية والتحرير.