سلامة أمام وفد نقابة الصحافة: الليرة ثابتة ولا انهيار
زار وفد من نقابة الصحافة ضمّ النقيب عوني الكعكي وجورج صولاج وجورج بشير وفيليب أبي عقل، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وكان عرض للأوضاع المالية والاقتصادية.
بداية ألقى الكعكي كلمة قال فيها: «نعتز بشخصية تعمل على الحفاظ على البلد، وفخر لكلّ لبنان ان يكون عندنا رياض سلامة، الذي قرع الجرس له في وول ستريت. واليوم نحن في أصعب المراحل، والجميع في انتظار رأيكم للاطمئنان الى الوضع العام.
بدوره شكر سلامة وفد النقابة «لأنكم تنقلون الى الرأي العام نظرتنا العلمية والموضوعية، فنحن لا ندخل في أيّ طرح لا يكون مدعماً بالأرقام والوقائع».
ولفت إلى أنّ لبنان «مرّ خلال السنوات الأخيرة بظروف دقيقة، وبالأخصّ منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ثم حرب 2006 والأزمة الاقتصادية العالمية، ونعرف انّ كلّ ذلك ترك تراكمات لا يمكننا تجاهلها، لها أثر على الاقتصاد اللبناني وعلى الوضع المالي. وهناك وضع عالمي متأثر بالوضع في المنطقة، ولبنان يتحمّل نتائجه من خلال قوانين العقوبات التي صدرت، وكلكم تعرفونها».
استقرار سعر الصرف
وقال: «أمام كلّ هذا الواقع مهمة مصرف لبنان هي الحفاظ على استقرار صرف الليرة واستقرار التسليف وسلامة القطاع المصرفي والمساهمة في ملاءة الدولة. وتعرفون أنّ 69 من الودائع في المصارف اللبنانية هي بالعملات الأجنبية وأساساً بالدولار. والجزء الأكبر من التسليفات، أيّ 80 بالعملات الأجنبية. ولا يمكننا عندما نقوم بمقاربة للأوضاع المالية والاقتصادية أن نتجاهل التاريخ، لأنّ هذه الأمور تؤثر على معنويات المستثمر والمستهلك. والبنك المركزي عندما يضع سياساته وأهدافه يرتكز على الواقع اللبناني، والواقع النقدي ليس معزولاً عن الوضع العام للبلد».
أضاف: «الاقتصاد اللبناني يموّل بعملة غير عملة لبنان، والمقاربة التي يقوم بها مصرف لبنان للمحافظة على الاستقرار النقدي يجب أخذها في الاعتبار. فكلّ من يتكلم عن تصحيح يجب أن يعرف أنني مهما قمت بتصحيحات في موضوع النقد، إذا لم نستطع استقطاب دولارات إلى لبنان فلن نستطيع الوصول إلى الغاية التي نرتجيها، أيّ أننا سنصل إلى وضع لن نغيّر شيئاً في كلفة الإنتاج في البلد لأنها مدولرة. وسترتفع الفوائد لأنّ المخاطر زادت، ويكون الوضع الاقتصادي ازداد سوءاً ولم نكتسب شيئاً. فالكلّ يحسبون معاشاتهم ومصروفهم وتكلفتهم بالدولار، والتسعير للبيع بالدولار.
وأمام هذا المشهد، هناك مطلب وطني ورسمي يؤيده مصرف لبنان للمحافظة على استقرار سعر صرف الليرة، لأنّ معظم اللبنانيين مداخيلهم بالليرة اللبنانية، وأيّ تغير في سعر صرف الليرة او إضعافها يفقر هؤلاء المواطنين، ولا تتحقق مكاسب اقتصادية في المقابل. ومصرف لبنان يعمل دائماً ليكون عنده احتياطات بالدولار الأميركي، ولذا لا يكون استقرار صرف الليرة شعاراً، إنما يكون مبنياً على وقائع وأرقام».
الموجودات بالعملة الأجنبية
وأشار إلى أنّ «البنك المركزي عنده 44 مليار دولار موجودات بالعملات الأجنبية، والسوق اللبنانية ليس فيها عملات لبنانية، اذا أردنا تحويلها كلها الى الدولار فكلّ المصارف اللبنانية قيمة الموجودات فيها بالليرة اللبنانية حتى 2020 لا تتعدّى 15 الى 16 مليار دولار. لذلك ترون في هذه المعادلة أنّ مصرف لبنان متحكم بسعر صرف الليرة، وكلّ الكلام عن خطر يصيب سعر صرف الليرة، هو كلام لا يستند إلى أسس رقمية، ومن هنا أعود لأقول إننا هنا اليوم ليس لنساير، وأنّ الليرة اللبنانية ثابتة، وثابتة باستمرار. نحن لا نتكلم عن شيء غير مدعم بالأرقام، والذين يتكلمون عن انهيار الليرة أو التراجع في سعر الصرف على ماذا يرتكزون؟»
وأوضح أنّ «مقاربة مصرف لبنان للأوضاع النقدية تستند إلى نمط السوق أيضاً، وقد ارتفعت الفوائد في لبنان، لكنها ارتفعت بشكل مقبول، ولم يكن ممكناً ألا ترتفع لانها ارتفعت عالمياً وفي المنطقة كلها. وإذا أراد لبنان أن يتجاهل ويقف ضدّ هذا الجو يخسر جاذبيته في استقطاب الودائع، واليوم كلّ المؤسسات الدولية تؤيد هذه المقاربة لانها تعتبر أنّ عنصر القوة هو الاستقطاب، ونحن عندنا قطاع مصرفي متين ومستوف كلّ الشروط التي وضعت في مؤتمر بازل 3، وقد طبقنا معايير المحاسبة الدولية كلياً، ولدينا سيولة مالية مرتفعة، ما يعني أنه عندنا مؤسسات مالية سليمة، والنظام المالي عندنا لا يعاني قلة سيولة أو مخاطر مالية معينة، وإذا أخذنا التسليفات نجد انّ القطاع المصرفي قد سلف القطاع الخاص 60 مليار دولار، أيّ أكثر من الناتج المحلي، غير انّ الديون المشكوك في تحصيلها ما زالت بالنسبة نفسها التي رأيناها في السنوات الماضية، وهي 3 ونصف في المئة من المحفظة الائتمانية، وفي أسوأ الحالات يمكنها الوصول إلى 4 ، وهي نسبة يستطيع القطاع أن يسيطر عليها».
وشدّد على «أنّ مصرف لبنان موجود في القطاع المصرفي، وهذه واجباته، أن يحافظ على قانون النقد والتسليف، وعلى المصارف حتى يلبّي مهمته المحدّدة في المادة 70 من قانون النقد والتسليف، والتي هي للمحافظة على الاستقرار التسليفي. وما من اقتصاد يستطيع أن ينمو ويتطوّر إذا لم يكن عنده قطاع مصرفي سليم. كما تكلمنا عن العملة، وإذا لم يكن هناك عملة ثابتة تتراجع الثقة وترتفع الفوائد. فإذا لم يكن القطاع المصرفي سليماً، من أين يأتي بالأموال حتى يموّل الاقتصاد؟ نحن سياستنا واضحة ولن نقدم على إفلاس مصارف، ولأجل ذلك هذه السياسة مدعومة بقرار رسمي، عبر قانون موجود في المجلس النيابي هو قانون دمج المصارف، وهذا القانون قد أقرّ لأنّ هناك قراراً رسمياً في لبنان بأننا لا نريد ان نرى إفلاسات».
ولفت إلى أنه «منذ ظهور سياسة عدم إفلاس المصارف، نمت الودائع بشكل لافت وصارت تساوي أكثر من ثلاث مرات ونصف مرة الناتج المحلي. وعلى صعيد الدولة، على مصرف لبنان أن يقيس دائماً مداخلاته مع الدولة تبعاً لأهدافه وإداراته للسيولة التي يضعها في السوق، وهنا نؤكد أنّ السيولة التي نطرحها في السوق لا يمكنها ان تكون مفتوحة على كلّ الجهات، فعندما يضطر مصرف لبنان الى أن يضخ سيولة يكون مساهماً في ملاءة الدولة نظراً الى العجز في الميزانية، فلا يعتبر ذلك حدثاً عابراً ويضخ سيولة في غير أماكنها».
أزمة الإسكان
وتناول أزمة الإسكان، فأشار إلى «أننا وضعنا رزمة مالية في 2018 ولكن حصل طلب على الأموال أكثر بكثير مما وضعنا، فقد وضعنا مبلغ 500 مليون دولار وكان الطلب بقيمة 800 مليون دولار كقروض سكنية، واتفقنا مع المصارف على تلبية الـ 800 مليون دولار، على أن تتحمّل هي كلفة مبلغ الـ 300 مليون، وفي الوقت نفسه يعود مصرف لبنان ويدخلها في رزمة 2019، وصدر تعميم في هذا الأمر وتمّت تلبية كلّ الطلبات، كما انّ الطلب يتوقع ان يترفع أكثر، لذلك تحتاج العملية الى تنظيم ووضع أهداف وسياسة للاسكان، وهذا ليس من صلاحية مصرف لبنان».
وأكد أنّ «القروض المدعومة الباقية مستمرة ولم تنته، أيّ القروض التي لها علاقة بدعم السياحة والزراعة والصناعة والبيئة والقطاعات المنتجة ما زالت قائمة، ولا يزال السوق يستعملها. فالقطاع المصرفي في لبنان وخارج لبنان، اذا لم يكن عنده مصارف في الخارج تعمل معه يتعطل، ونظام الامتثال الذي وضعناه لاقى قبولاً وارتياحاً عند المصارف المماثلة. وثمة رزمة مالية لمصرف لبنان لم تحدّد قيمتها بعد، فنحن سنبقى داعمين للوضع الاقتصادي، وهذا من ضمن سياستنا لضخ السيولة، وسنرى في ضوء موازنة الدولة للعام 2019 كم يمكننا ضخ سيولة دون ان تخلق تضخماً. فالقصة تعود للإمكانات، ونحن نتمنى أن يكون لكلّ لبناني منزل خاص به، وفي الأساس من خلال الدعم الذي قدمناه لقطاع الإسكان، ولد 130 ألف منزل للبنانيين، وكلّ ذلك حصل من خلال السياسة النقدية التي قمنا بها، وآخر 13 شهراً تمّ دعم ما يساوي مليارين و300 مليون دولار من القروض السكنية. مصرف لبنان لا يدير ظهره لهذا الموضوع، بل هو موجود، ولكن عليه ان يكون منطقياً مع نفسه ومع حماية الصورة المالية الأكبر.
فالعملية تحتاج الى انضباط في هذا القطاع ومقاربة واقعية اكثر من ناحية الفوائد».
العقوبات ومؤتمر «سيدر»
وأكد «أننا استطعنا إيجاد الآليات المناسبة التي لا تضرّ لبنان ولا اللبنانيين وتتوافق مع القوانين التي تصدر خارج لبنان من قوانين عقوبات وغيرها، وبهذه الطريقة استطعنا أن نحافظ ليبقى لبنان منخرطاً في الصيرفة العالمية. وانتم تعرفون اليوم أن ذلك عمل يتطلب جهداً كبيراً، والضغوطات المالية والاقتصادية هي التي تقرّر الحرب الحقيقية، وبالرغم من كلّ هذه الصعوبات استطاع لبنان بفضل هذا النظام الامتثالي الموجود وبشهادة الجميع ان يبقى مستمرا».
وقال: «ثمة مؤسسات دولية تتابع وضع لبنان وتعطي رأيها ونظرتها المستقبلية للبنان، وتقول إنّ الوضع ثابت وتعلل ذلك الثبات بوجود وضع نقدي متين، وتطالب بإصلاحات حتى يكون عندنا وضع مالي متين، ومن هنا نقول ليس فقط مصرف لبنان من يؤكد متانة الوضع المالي، بل المؤسسات الخارجية أيضاً».
واعتبر سلامة أنّ دور الإعلام «أساسي يساهم في تكوين نظرة الرأي العام وتدعيم الثقة بالبلد، والمواضيع الأخرى لا يمكنني أن أتطرّق إليها حتى لا ندخل في التجاذبات الموجودة في لبنان، ومصرف لبنان أحد أعمدة قوته بعده عن السياسة، وأيّ كلام في أيّ موضوع يتمّ تفسيره على أننا نتدخل في الأمور السياسية، ونحن نعمل لمصلحة كلّ اللبنانيين، وهيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الاموال تكافح الفساد عندما يمرّ في القطاع المصرفي، وقد اتخذت مبادرات قام بها مصرف لبنان منها إلغاء مصارف وتجميد حسابات لمصارف مشتبه فيها».
وأكد «نحن لسنا متجاهلين لهذا الوضع، وهذا من ضمن ما تكلمنا عنه، أيّ نظام الامتثال الذي وضعناه والذي يأخذ في الاعتبار موضوع الفساد، فإذا أردنا الحفاظ على الاستقرار التسليفي وعلى التحويلات، يجب أن نأخذ ذلك في الاعتبار. ونحن نعتبر مؤتمر «سيدر» مفيداً للبنان، لأنه وضع أموالاً بكلفة منخفضة من أجل إعادة تكوين البنية التحتية، فبدون بنية تحتية لا اقتصاد منتجاً ولا نمو اقتصادياً».
وأشار إلى أنّ «دور مصرف لبنان غير محدّد بالنسبة الى المؤتمر، والدور الأساسي للحكومة اللبنانية، اذا كانت الحكومة تريد لمصرف لبنان ان يقوم بأيّ دور، هي من يحدّد ذلك. وإذا نظرنا الى الدين الموجود في السوق، نرى أن ما يحكى عنه رسمياً هو بحدود 80 مليار دولار، لكن الدين السوقي يجب ان تحسموا منه ما هو خارج السوق، فيكون دين لبنان اقل من هذه القيمة، وربما يصل إلى 50 ملياراً، كما أنّ الناتج المحلي في لبنان لا يعبر تماما عن النشاط الاقتصادي لانه ليس كلّ الاعمال تخضع للفوترة. فالناتج المحلي هو أكثر من 53 مليار دولار، وثمة تقديرات تراوح بين 60 و70 مليار دولار، وإذا حافظنا على جو من الثقة تتدنى الفوائد».
وختم مؤكدا أنّ «لبنان يستطيع تمويل نفسه ولكن بكلفة أعلى، وليس هناك انهيار، بل المطلوب حسن الإدارة لمصلحة لبنان».