هل لدى الحريري رهانات جديدة؟
د. وفيق إبراهيم
انتهاء قمة هلسنكي بين الرئيسين الروسي بوتين والأميركي ترامب، على نتائج إيجابية في الشرق الأوسط والثروات والالتزامات الاقتصادية.. وهذا يعني الاتفاق على حل لمصلحة الدولة السورية برئاسة الرئيس الأسد. واقتراب سيطرة الدولة على كامل حوران ومناطق القنيطرة المحاذية للجولان المحتل.. وإصرار روسيا على إعادة الأوضاع في تلك المنطقة على أساس فض الاشتباك المنفذ في 1974، واستعداد الجيش السوري لمهاجمة إدلب شمالي البلاد.
ماذا تعني هذه المتغيرات؟
تعني إعادة السيادة للدولة على معظم أراضيها، بما فيها شرق الفرات، حيث يقوم الكرد بتسليم الدولة السورية السدود والجسور وبعض المواقع المهمة، تمهيداً لحل نهائي يُعيد كامل الشرق إلى الدولة في الغرب، والدليل أن الكرد يقتسمون حالياً عائدات الغاز والنفط مع الدولة.. تمهيداً للاتفاق على إدارة المناطق.
هذا التقدم للدولة السورية يدفع إلى السؤال عن أسباب عرقلة تشكيل حكومة الرئيس المكلف سعد الحريري. لقد كان متوقعاً عدواناً إسرائيلياً كبيراً على سورية ولبنان، يؤدي فوراً إلى انكسار دور حزب الله وتراجع إيران وتقهقر الدولة، لكن هذا لم يحدث بناء على موازانات قوى شعرت فيها إسرائيل أنها قد تتورط في حرب تستطيع فتحها، لكن وقفها يصبح أمراً صعباً.
لقد ترقب قسم من اللبنانيين هجوماً أردنياً مدعوماً من الأميركيين على درعا ولم يحدث، لأن عمان أقفلت حدودها وأعادت النازحين من حيث أتوا، إلى منطقة درعا، ليس بطيب خاطر بل بموازنات قوى مستجدّة أصبحت فيها غرفة الموك أثراً بعد عين. على المستوى السياسي يبدو حلفاء الحريري الإقليمي في مواقع لا يُحسدون عليها. السعودية تكاد تفقد معظم نفوذها في سورية والعراق واليمن، كذلك دورها في لبنان لم يعد قوياً ويكتفي بعروض إعلامية للقاءات ضعيفة يقوم بها السفير السعودي في ربوع لبنان.
الفرنسيون بدورهم الرعاة الجدد للحريرية لا يجدون حلولاً سحرية تتجاوز موازين القوى السائدة في لبنان ومحيطه. وهذا وضع صديق الرئيس الملكي محمد بن زايد الذي يعجز عن أي شيء لا يوافق عليه المعلم الاميركي ـ الإسرائيلي.
عسكرياً، الوضع ليس لمصلحة حلفاء الحريري، وسياسياً تمكنت قمة هلسنكي من تنصيب روسيا قوة كونية تشارك في إنتاج القرار الدولي والتعامل مع الأزمات المندلعة، والمراهنة على تعويض خيبات الأمل السعودية في اليمن والعراق تراجعت. فها هي معارك الساحل الغربي تكسر حدة الهجوم السعودي ـ الإماراتي المدعوم دولياً، واضطرابات العراق لن تصل حدود تغيير سياسي محتمل لا أحد يتوقعه، لأنه جزء بسيط من قوة شعبية لا تزال توالي الحكم القائم.
العجيب أن كل هذه التطورات لا تهرّ شعرة واحدة في مفرق الرئيس المكلف المدعوم من رؤساء الوزراء السابقين الذين أكدوا له رفضهم تكليف أي منهم، إذا أراد رئيس الجمهورية معاقبة الحريري على تأخره في التشكيل.
والدعم الثاني الذي يحظى به فمتجسّد في الموقف السعودي الذي لا يزال مصراً على الإمساك بأكثرية الحكومة المرتقبة أو ينتظر على الأقل إشارة أميركية حول طبيعة المرحلة المقبلة، استناداً إلى مجريات قمة هلسنكي، لكن وصول التعليمات الجديدة يحتاج إلى وقت، ما يجعل الرئيس المكلّف مرتبكاً ليست لديه إجابات واضحة.
إنّ محاولات التشكيل الحالي للحكومة اللبنانية ترتدي شكل صراع عميق بين العونية السياسية والحريرية السياسية على خلفية استئثار الحريريين، ومنذ 1992 بنفوذ كبير في الإدارة اللبنانية، داء على حساب الحصة المسيحية، لذلك فالوزير جبران باسيل يتحرّك بهذه الخلفية من دون أن يعلنها ويكاد يسيطر بقوة الأعراف على التفاعلات الإدارية والسياسية في البلاد.
يتضح أن رهانات الحريري تكاد تنتهي الواحد تلو الآخر، إلا أنه لا يبادر إلى تشكيل الحكومة وفق أحجام الفائزين، فيصر على نصف عدد مقاعد الحكومة، بما لا يتناسب مع حجم حزبه المستقبل وحلفائه في القوات اللبنانية وآخرين.
أما أطرف ما قيل إنها من رهانات الحريري فتتعلق بهجوم متوقع تشنه السعودية و إسرائيل والإمارات على إيران بدعم سري إيراني، وهذا ينهي سلسلة الممانعة المؤيدة لطهران من اليمن إلى لبنان.
لكن مراقبين متعمّقين بالحالة الحريرية يعتقدون أن الرئيس المكلف تلقى معلومات أميركية ـ فرنسية صادق عليها السعوديون وتفيد بأن الفوضى المندلعة في إيران لن تستقيم أكثر من ثلاثة أشهر، تسقط بعدها الدولة على أساسات عرقية وطائفية ومذهبية، فيحظى البلوش عند حدود باكستان بكانتون عرقي خاص لهم، وكذلك الأذريون القريبون من تركيا وعرب الأحواز قرب العراق والكرد، فلا يتبقى إلا نحو 45 في المئة هم فرس إيران وينتشرون في وسطها، هذا ما يترقبه الرئيس الحريري لينهي تشكيل حكومته على أساس انفجار الجمهورية الإسلامية.. لكن هذا الأمر قد يتطلب وقتاً طويلاً لا تتحمله الأوضاع في لبنان.. لذلك يواصل الرئيس المكلف المراهنة عليه مع تقويم عناصر رهان أسرع قد تعطي نتيجة فورية. وأولها الرفض الغربي لتولية حزب الله وزارات تتطلب التعاون مع الخارج الغربي بما فيها وزارتا الصحة والزراعة. والإصرار على التزام لبنان بالقرارات الأميركية الخاصة بمقاطعة إيران. وهذا من شأنه توفير مناخات تمنع تشكيل حكومة بالسرعة التي يريدها حزب الله وحلفاؤه، وتخلق ستاتيكو قد يُسهم بانفجار الأوضاع الداخلية على مستوى اقتصادي وتالياً اجتماعي وسياسي، لا شك في أن لبنان في عنق زجاجة ضيقة على مقاساته وخروجه منه يتطلّب عملية قيصرية قد تفجّر الزجاجة بالذين في داخلها.
لذلك يرجّح أن ترتفع الأصوات الغربية والخليجية المنددة بمشاركة حزب الله في الحكومة، وذلك بعد خسارة كل الرهانات الواحد تلو الآخر، حتى أن بعض الاقتصاديين أصبح يخشى من تفجير متعمد للوضعين الاقتصادي والاجتماعي في بعض أنحاء لبنان للضغط على حزب الله الذي يستعجل التكليف طلباً للاستقرار. فهل يراوغ الرئيس المكلف حتى ترتفع أصوات بضرورة تكليف سياسي آخر للتشكيل؟ ضبطت السعودية معظم رؤساء السّنة السابقين.. لكن هناك الكثير من النواب السّنة خارج النصاب الحريري يقبلون بأداء هذا الدور مثل النائبين عبد الرحيم مراد وفيصل كرامي وآخرين.
فهل تصل الأمور إلى هذا الحد؟
يمكن أن تتجاوزها بالاتفاق بين أمل ـ حزب الله مع التيار الوطني الحر ومستقلين مسيحيين وسنة ودروز.. لإخراج لبنان من الأسر السعودي ـ الأميركي، والبدء بدعم الاستقرار الاقتصادي الفعلي على قاعدة تمثيل كل القوى كما يشترط الدستور ويشير العرف.