تحت رعاية «التنف» وعلى إيقاع إسقاط السوخوي… مجرزة لداعش في السويداء عون والحريري لتكليف اللواء إبراهيم بملف النازحين والتنسيق مع موسكو ودمشق
كتب المحرّر السياسيّ
بدت شحنة التفاؤل التي ضختها قمة هلسنكي التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الملفات الدولية والإقليمية، بحاجة لإجازة مع الحملة التي شنّها الديمقراطيون ومتطرّفو الحزب الجمهوري على الرئيس ترامب، على خلفية نتائج القمة، والتي تجسّدها جلسات الاستجواب المتتابعة على منصات الكونغرس لرموز إدارة ترامب، تحت شعار التحقق من أنّ الرئيس لم يقدّم تنازلات جوهرية عن المصالح الحيوية الأميركية، وأنّ الرئيس لم يفرّط بمهابة الرئاسة الأميركية، وبدا أنّ ترامب الذي استند في تفاهمات هلسنكي لدعم اللوبي الاقتصادي المستفيد من الحصة التي عاد بها في سوق النفط الصخري والغاز الصخري في الأسواق الأوروبية من جهة، ودعم اللوبي المؤيد لـ «إسرائيل» التي تبحث عن مخرج من الخيارات الصعبة أمام انتصارات الجيش السوري في الجنوب، لم يلقَ الدعم المطلوب على الأقلّ من الجانب «الإسرائيلي»، الذي كشف عن نيته خوض جولة تصعيد لتحسين شروط التفاوض حول مفهوم فك الاشتباك الذي عرضه الروس في هلسنكي، وحمله وزير الخارجية الروسي ورئيس أركان الجيش الروسي إلى رئيس حكومة الاحتلال في تل ابيب أول أمس.
المواجهة تدور بين مفهوم لفك الاشتباك يقوم على العودة لعام 2011 كما تريد «إسرائيل». يعني انسحاباً كاملاً لإيران وحزب الله من سورية وإعادة نشر وحدات المراقبين الأمميين، ومفهوم آخر عرضه الرئيس الروسي وحمله وزير خارجيته ورئيس أركانه يتضمّن تطبيق بنود الاتفاق الموقع عام 1974 سواء لجهة مناطق منع التهديد العسكري التي ينصّ عليها، والتي يحصر فيها عدم وجود قوات عسكرية تهدّد أمن «إسرائيل». وفي هذا السياق يمكن الحديث عن تراجع تموضع حزب الله وإيران، من جهة، ووقف الغارات الإسرائيلية والانتهاكات للأجواء السورية من جهة ثانية، وربط فك الاشتباك بتطبيق القرارين 338 و242 الصادرين عن مجلس الأمن وما يعنيانه من وقف إجراءات ضمّ الجولان من الجانب «الإسرائيلي» وفتح ملف الانسحاب من الجولان.
من جهة قرّرت «إسرائيل» خوض جولة تصعيد تُعيق تقدّم الجيش السوري في الجولان، فكان إسقاط طائرة السوخوي التي كانت تقصف داعش، وكان إطلاق جماعات داعش المتمركزة قرب قاعدة التنف الأميركية في البادية الشرقية لارتكاب مجزرة مروّعة في السويداء جنوب شرق سورية، وإطلاق حملة سعودية «إسرائيلية» أميركية إعلامية لإيصال رسائل لأبناء السويداء بعروض الحماية «الإسرائيلية»، والدعوات للابتعاد عن دولتهم الوطنية وجيشها والتحريض على حلفائها، بحيث بدا الموقف الأميركي متطابقاً مع الرغبات «الإسرائيلية»، فتمّ الإعلان من البيت الأبيض عن نية تأجيل القمة المقبلة مع الرئيس الروسي إلى العام المقبل بدلاً من خريف العام الحالي.
وبينما كانت مياه البحر الأحمر تشتعل بإصابة ناقلة نفط سعودية وبارجة عسكرية من نوع «لافاييت» الفرنسية تابعة للبحرية السعودية وتدمير زورق حربي سعودي بصواريخ يمنية، أعلن إثرها وزير الطاقة السعودي تعليق شحنات النفط التي تعبر في باب المندب وتتوجّه إلى أوروبا، بدا أنّ حرب ناقلات النفط بدأت في باب المندب قبل أن تبلغ مضيق هرمز، وأنّ جولة تصعيد ستشهدها ملفات المواجهة في المنطقة، قبل أن يرسو التفاوض على صيغ للتفاهمات.
لبنانياً، لم يبدُ التعقيد الحكومي غريباً عن المناخ الإقليمي العائد للتصعيد، رغم التفاهم على مساعي إعادة النازحين بفصل العودة عن الحلّ السياسي وفقاً للرؤية الروسية، من دون أن تبرز اعتراضات جدية تعطل هذا المفهوم بعد، رغم وجود مواقف تنتمي لزمن ما قبل انتصارات الجيش السوري وتسليم العالم بالانتصار السوري وباعتبار عودة النازحين إطاراً مناسباً لتطبيع تدريجي مع الدولة السورية ولرفع تدريجي للعقوبات المالية من هذا الباب، لكن بعض المواقف اللبنانية بدت من زمن آخر، وكأنها لم تتلقّ الرسائل المتضمّنة في تفاهمات ملف النازحين، ولا تزال تراهن على تغييرات اللحظة الأخيرة، ولم تغيّر زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى قصر بعبدا ولقاؤه برئيس الجمهورية العماد ميشال عون هذا الانطباع، سواء بطريقة التخاطب التي استعملها في الحديث عن سورية أسوة بحليفيه في القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، أو لجهة الملف الحكومي الذي رافقت الحديث عنه موجة تفاؤل لم يرشح أيّ جديد يفسّرها، وكان التطوّر الإيجابي الذي خرجت به زيارة الحريري لبعبدا استباق زيارة الوفد الروسي الخاص بملف النازحين، والتنسيق مع حكومات دول المنطقة المعنية والتنسيق مع الحكومة السورية، بتأكيد التوافق على تولي المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم مسؤولية التنسيق في كلّ ما يتعلق بهذا الملف مع روسيا وسورية.
الحريري قدّم لعون اقتراحات للعقد الثلاث
بعد أسابيع من الانتظار المملّ الذي عاشه اللبنانيون والغموض الذي اعترى المشهد الحكومي وموجات التفاؤل «الحريرية» المتعمّدة، وبعد زيارات متلاحقة لرئيس الحكومة المكلف قادته الى أكثر من عاصمة أوروبية وسط انفراجات دولية أميركية روسية، زار الرئيس سعد الحريري بعبدا أمس، وقدّم للرئيس ميشال عون صيغاً بديلة عدة للعقد الثلاث الدرزية والمسيحية والسنية، بحسب ما علمت «البناء»، من دون الدخول في تفاصيل الحقائب والأسماء، وناقش الحريري مع رئيس الجمهورية خلال اللقاء الذي دام ساعة ونصف الساعة هذه الصيغ، الذي تخلله أيضاً نقاش في ملف المبادرة الروسية بملف النازحين.
وطلب الحريري، بحسب معلومات «البناء» من رئيس الجمهورية جواباً على مقترحاته إلا أن عون طلب من الحريري التشاور بهذه المقترحات مع الأطراف المعنية في العقد الثلاث، والعودة إليه عندما تتوافر أجوبة لديه للبناء على الشيء مقتضاه، ووعد الحريري عون بأن يبدأ فوراً مروحة مشاورات مع القوى السياسية على أن يعود إلى بعبدا خلال الأسبوع الجاري.
وقالت مصادر متابعة لمسار التأليف لـ«البناء» إن «مقترحات الحريري الذي أطلع عون عليها عبارة عن حلول وسطية يمكن أن تشكل مخرجاً لجميع الأطراف، لكنّها تنتظر موافقه نهائية، وتحدثت المصادر عن أجواء إيجابية وجدية أكثر من أي وقت، وفي حال وافقت الأطراف على مقترحات الحريري حينها يمكن الحديث عن تقدّم جدي في مسار التأليف ربما يؤدي إلى ولادة حكومية قريبة»، وتمّ الاتفاق بين الرئيسين على أنه في حال تمكّن الحريري خلال مشاوراته من انتزاع موافقة حول مقترحات العقد الثلاث سيتم الانتقال الى المرحلة الثانية والأخيرة أي توزيع الحقائب على القوى والكتل النيابية وإسقاط الأسماء عليها، علماً أن عملية توزيع الحقائب السيادية باتت معروفة أي على الكتل والطوائف الأساسية. وأوضحت مصادر بعبدا لـ«البناء» أن الأجواء إيجابية حتى الآن لكن إخراج الحكومة من عنق الزجاجة يحتاج الى تعاون جميع الأطراف. ولمست المصادر «تفاؤلاً لدى الرئيسين عون والحريري حيال تجاوب الاطراف». لكن مصادر سياسية قللت من أهمية حملة التفاؤل، ودعت الى التريّث وترقب سلوك الحريري ومضمون الصيغ التي عرضها، مشيرة لـ«البناء» الى أن أي صيغة لن تراعي الأصول ونتائج الانتخابات لن يُكتب لها النجاح.
وكان لافتاً توقيت الحريري زيارته الى بعبدا بعد سفر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل الى الولايات المتحدة وذلك للإيحاء بأن الحريري هو مَن يؤلف الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية في محاولة لاستبعاد باسيل عن مشهد التأليف ولو ظاهرياً وإعلامياً، لا سيما أن أي لقاء لم يجمع الحريري بباسيل منذ وقت طويل، رغم أن عون نصح الحريري بعقد هذا اللقاء.
ومن بعبدا انتقد الحريري باسيل، ملمحاً الى أنه أساء في تصريحاته لرئيس الحكومة ولدوره في عملية التأليف. وكان لافتاً أيضاً أن زيارة الحريري جاءت بعد أيام على انعقاد القمة الأميركية الروسية في هلسنكي وبدء انعكاساتها على المنطقة لا سيما في ملف النازحين السوريين. فهل حركة الحريري المستجدة بالملف الحكومي هي أيضاً من «بركات» القمة؟
وجدّد الحريري تفاؤله بولادة الحكومة في وقت قريب، وأكد من بعبدا العلاقة الجيدة مع رئيس الجمهورية، مشيراً الى أن «أي كلام حول خلاف بيني وبين فخامة الرئيس غير موجود لا في قاموسي ولا في قاموس فخامة الرئيس. فنحن نعمل ونتعاون لمصلحة البلد وسنكمل في هذا الطريق».
بري يُحذّر
وجدد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بحسب ما نقل زواره عنه لـ«البناء» تحذيره من «الانعكاسات السلبية على الوضع الاقتصادي جراء التأخير بتأليف الحكومة، لا سيما أن الوضع المالي يحتاج الى مواكبة حكومية لا سيما الاستحقاقات المالية الداخلية والخارجية مؤتمر سيدر وإقرار الموازنة العامة الذي حذّر وزير المال علي حسن خليل من أن تأخير الحكومة سيُعيدنا الى العمل بالقاعدة الاثنتي عشرية حيث قدم خليل أمام النواب شرحاً للواقع الاقتصادي والمالي في البلد».
وقال رئيس المجلس خلال لقاء الأربعاء في عين التينة: «إن ما يواجهه اللبنانيون اليوم من ازمات اجتماعية وخدمية ناتج من أسباب عديدة أبرزها عدم تطبيق القوانين، لأن تطبيقها يشكل المدخل الاساسي لمكافحة الفساد». كما وضع النواب في اجواء اقتراحات القوانين التي ستكون على جدول اعمال المجلس في المرحلة المقبلة، والمتعلقة بإنشاء مجالس إنمائية في عكار والبقاع. وعن تشريع زراعة الحشيشة لاستعمالات طبية، نقل النواب عن بري انه تسلم عدداً من الدراسات واطروحات الدكتوراه تتعلق بهذا الموضوع، على أن يتابع درسه وربطه ايضاً بإنشاء ادارة على غرار ادارة حصر التبغ والتنباك».
وكان لافتاً حضور وفد تكتل الجمهورية القوية لقاء الأربعاء للمرة الأولى وضم الوفد النواب ألان عون وسليم عون وسيمون أبي رميا ما يُعدّ إشارة ايجابية للعلاقة بين التيار الوطني الحر والرئيس بري.
وأبدت مصادر نيابية استغرابها الشديد للمسار الذي يسلكه التأليف منذ التكليف وتساءلت عن الأهداف الكامنة خلف إصرار رئيس الحكومة المكلف على إشاعة أجواء تفاؤلية غير واقعية ولا تترجم في الواقع الحكومي، ولفتت لـ«البناء» الى أن «العقد لازالت مكانها ولم تحل لا سيما العقدة المسيحية، حيث لم يتم التوصل الى حل وسط يرضي الطرفين الى جانب صعوبة حل العقدة الدرزية، حيث إن موافقة الحريري على توزير النائب طلال أرسلان من الحصة الدرزية سيضعه في موقع الإحراج إذ سيكون مجبراً حينها على تمثيل أكثر من ثلث النواب السنة الخارجين عن تيار المستقبل». ولفتت الى أن «الحريري يراهن على لعبة الوقت لدفع رئيس الجمهورية للموافقة على مطالب القوات واستبعاد تمثيل النواب السنة من خارج المستقبل والاكتفاء بمبادلة وزير سني محسوب على رئيس الجمهورية مقابل وزير مسيحي للحريري».
وإذ اعتبرت المصادر أن العقد الداخلية وتمسك الأطراف بمطالبها أحد عوامل تأخير التأليف لم تستبعد التأثير الخارجي، إذ لا يزال بعض الداخل يراهن على تطورات إقليمية ودولية تنعكس على الساحة الداخلية»، موضحة أن «كما رفض البعض خطة رئيس الجمهورية ووزير الخارجية لحل أزمة النزوح، وعاد ورضخ للحل بعدما توفر القرار الدولي الأميركي الروسي، سيسارع هذا البعض الى الرضوخ في مسألة الحكومة عندما يأتي الضوء الأخضر الخارجي».
وأعرب رئيس الجمهورية عن أمله في أن يتم تشكيل الحكومة في وقت قريب «للانطلاق بالمعالجات اللازمة على الأصعدة كافة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي الذي سيُعطى الأولوية في الحكومة العتيدة مع مكافحة الفساد وملف النازحين السوريين في لبنان».
موفد بوتين في بيروت اليوم
في غضون ذلك، يصل إلى بيروت اليوم الوفد الروسي الدبلوماسي – العسكري الذي يضمّ الموفد الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ألكسندر لافراتييف ونائب وزير الخارجية سيرغي فرشينين وعدداً من ضباط الأركان في القيادة المركزية للجيش الروسي، ويلتقي رئيس الجمهورية ويسلّمه رسالة من الرئيس الروسي تتناول المبادرة الخاصة بالنازحين، والرئيس الحريري، ويتألف الوفد من 14 دبلوماسياً وعسكرياً.
وأكدت مصادر «البناء» على تطابق الرؤية بين رئيسَيْ الجمهورية والحكومة إزاء المبادرة الروسية واتفقا خلال لقائهما أمس، على توحيد الموقف من هذه المبادرة أمام الوفد الروسي، ويُعقد اليوم في بعبدا اجتماع موسّع بين رئيس الجمهورية والوفد الروسي بحضور الحريري ووزير الدفاع وقائد الجيش ومدير عام الأمن العام وقادة الأجهزة الأمنية وممثل عن وزارة الخارجية بسبب غياب باسيل. وكما علمت بأن هناك اتجاهاً رئاسياً الى تكليف اللواء عباس ابراهيم كموفد من لبنان للتنسيق مع اللجنة الروسية والسلطات المعنية في سورية.
وانتقدت أوساط نيابية مكابرة رئيس الحكومة إزاء ملف النازحين ورفضه التواصل مع الحكومة السورية مشيرة لـ«البناء» الى أن «الرئيس المكلف وحكومته ملزمون بالتواصل مع الحكومة السورية، لأن المصلحة الوطنية ومصالح المواطين تفرض ذلك وليس مصالحه السياسية والشخصية وخوفه من ردة الفعل السعودية»، وقالت: «إن كان الحريري لا يريد التواصل المباشر مع سورية، فعلى الحكومة المقبلة أن ترسل موفدين من وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية للتفاوض مع سورية بشأن النازحين والمصالح الاقتصادية المشتركة، فلماذا يحرم الرئيس المكلف استفادة لبنان من فتح معبر نصيب والعمل على إعادة تفعيل حركة الترانزيت بين لبنان وسورية والأردن ما يمكن لبنان من التخفيف من حجم أزمته الاقتصادية». وأشارت المصادر الى أن المبادرة الروسية تحاكي المضمون نفسه للخطة التي قدمها الرئيس عون ووزير الخارجية.
وفي زيارة تحمل دلالات هامة على ما ستكون عليه العلاقة بين لبنان وسورية عقب تشكيل الحكومة الجديدة، وصل وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال حسين الحاج حسن الى دمشق، تلبية لدعوة من نظيره السوري محمد مازن علي يوسف، للمشاركة في معرض لإعادة إعمار سورية وفي مؤتمر لرجال الأعمال. وأوضح الحاج حسن «ان الزيارة للبحث في الامور الاقتصادية ولتطوير العلاقات على مختلف الصعد التجارية والتبادل وحركة النقل والبحث في مسألة إعادة إعمار سورية ومشاركة اللبنانيين فيها، خصوصاً ان سورية استعادت معظم الأراضي وانتصرت على الارهاب». وقال: «إنها فرصة لا بد ان يغتنمها اللبنانيون ايضا لتهنئة سورية بهذا الانتصار والبحث في مجالات إعادة الاعمار ومشاركة لبنان فيها، والبحث أيضاً في مسائل تخص الاقتصاد ومسائل وقضايا مشتركة، منها التجارة والعلاقات على صعيد فتح الحدود البرية بين سورية والأردن، الأمر الذي يتيح الفرصة أمام تشجيع وتفعيل التصدير اللبناني عبر سورية إلى الأردن ومنها الى دول الخليج».