تطويع دروز سورية!؟

روزانا رمّال

لا تزال لعبة الأقليات في المنطقة تستسيغ جنوداً مجهولين للترويج لسياسات، أو أفكار، لم تعد صالحة مع تقدم عمر الأزمات في المنطقة، بعد توضح الصورة أكثر، الاقتراب تدريجياً نحو مسلمات محددة منها ظاهرة التطرف التي تظهر، وتغيب كل ما أراد مشغلوها إرسال رسالة من هنا، أو هناك فصارت مسألة الدولة الإسلامية المزعومة عبارة عن خيالات كاتب او روائي هوليوودي لا علاقة لها بتأسيس دولة لافتقادها مقومات العيش أولاً، لعجز المجتمع الدولي على تأمين شرعية لها ثانياً، وثالثاً، الأهم نبذ شعوب المنطقة لهذا المفهوم بالكامل كما بدا من العراق، سورية، بؤر إرهابية في أكثر من دولة لم تتمكن من الانخراط بالمجتمعات أو التموضع فيها لتركيز حضورها الايديولوجي، وتطويره. فبقي المال هو المتحكم بعمر وطول أمد هذه الدويلة، بقي الإمداد أقوى من العقيدة التي قوبلت بالرفض.

تعود التفجيرات من بوابة السويداء التي صودف أنها درزية ، لكنها ليست صدفة أنها في المنطقة الأكثر حساسية بالنسبة للاعبين، المهتمّين بالشأن السوري أبرزهم إسرائيل ، إيران، حزب الله، تعود معها أفكار، وطروحات تعيد المشهد الى اوائل الحرب في سورية اي لعام 2011، حيث كان المتهم الأول بالنسبة للمعارضين السوريين، المجتمع الدولي في دعم الإرهاب هو الرئيس السوري بشار الاسد، ربما كان حينها مفهوماً بعض الغبار، انعدام الرؤيا التي أحيط بها هؤلاء الذين أعاد كثر مراجعة مواقفهم عند بيان، استبيان شكل الثورة التي كانت جبهة النصرة، أحد أشكالها، مسماة ثواراً قبل وقت قصير.

جبهة النصرة هذه على سبيل المثال، خاضت الدبلوماسية الدولية حرباً ضروس لتثبيت حضورها على الحدود الاستراتيجية في سورية. لهذا السبب كانت محاولة تلميع صورتها موضوع جذب، ردّ في مجلس الامن الدولي حيث عارضت الولايات المتحدة أكثر من مرة مشاريع قرارات، انعقاد جلسات كناية عن اقتراحات لمندوب روسيا الراحل فيتالي تشوركين يدين فيها هذه الجبهة حتى لوحظ التمسك الغربي الكبير بحمايتها حتى بدأ انحلال هذا الجذب تدريجياً إثر خسارة النصرة اغلب نقاطها الاستراتيجية الحدودية مع تركيا وغيرها. بمعنى آخر رفعت الدول الكبرى الغطاء عنها بعد خيبة الأمل التي مُنيت بها بهزيمتها مساحات ميدانية مهمة.

أكثر الدول المعنية بجبهة النصرة هي لبنان ، ربما يفيد هنا التذكير بأمر أساسي جداً، هو أن اولى عمليات جبهة النصرة بدأت في لبنان، كانت تدعى حينها النصرة، الجهاد في بلاد الشام أول عملية نفذتها هذه الجبهة كانت اغتيال الرئيس الأسبق الشهيد رفيق الحريري، حينها احتار العالم بمنفذها الذي اعترف بشكل طبيعي بالعملية. كثر الذين رفضوا الشريط المسجل، باعتبار الأمر متعلقاً بمجموعات تطرف مدفوعة من جهات خارجية، ومصرّون على اعتبارها تمثيلية للتغطية على المتهم الأساسي الدولة السورية . المفارقة هي أن هذه الجهات نفسها تصدق اليوم كل ما بثته مجموعات التطرف من اعترافات، ما نشرته من فيديوات على وسائل التواصل الاجتماعي منها حرق طيار أردني على يد داعش مثلاً، منها إعدام جنود لبنانيين اختطفوا على يد جبهة النصرة وغيرها. خلاصة هذا ان ما كان غير ممكن تصديقه سابقاً صار اليوم طبيعياً ومقبولاً.

بالعودة الى السويداء، التفجيرات الإرهابية المؤلمة التي طالت الطائفة الدرزية تبدو فكرة تركيز الاتهام على الدولة السورية في هذه العمليات تحمل نوعاً من تجاهل حقيقة أساسية، هي أن الأكثرية من بين دروز سورية مؤيدة للرئيس السوري بشار الاسد منذ بداية العمليات العسكرية على كافة الأراضي، والمحافظات على قلة امتدادهم. وبقاء الحصة الاكبر في الجنوب إلا أن أكثر ما لفت في هذه الحرب تمسك الدروز بمنطق التأييد للنظام السوري، بل وكل ما يقوم به الجيش السوري من عمليات عسكرية، حتى أن البعض أيّد القتال الى جانب هذا الجيش. فلماذا تطويع هذه الطائفة؟

هل لأجل الإبقاء على الوجود الإيراني على الحدود، فرضه على الدروز، كما يُطرح؟

تشبيه بسيط بين عملية داعش في السويداء وأحد تفجيرات الضاحية الجنوبية في بيروت يكشف طريقة تفكير هذه المجموعات. حينها كان المطلوب الضغط على حزب الله، تقليب هذه البيئة عليه، لم يكن ممكناً بالنسبة لأي لبناني اعتبار أن حزب الله هو الذي استهدف بيئته الحاضنة ، هنا بيت القصيد.

يشكل عدد كبير من دروز سورية بيئة حاضنة، مؤيدة للجيش السوري، لوجود إيران او حزب الله او روسيا بعد أن ذهب كبار هذه الطائفة بعيداً في تأييد الرئيس السوري بشار الأسد. هذا التأييد الذي يعني استسلاماً لإرادة الاسد بالنسبة للإسرائيليين الذين يرفضون بالكامل إبقاء ايران في المنطقة هو العكس تماماً بالنسبة اليهم بعد أن صار الأسد بالنسبة اليهم رمزاً من رموز القادة القوميين الكبار.

إسرائيل أكثر المتضررين من تماسك الموقف على الحدود، أكثر مَن يشعر بالضغط، وبالحاجة الى استهداف الأبرياء لتقليب الموقف أياً كان، بغض النظر عن صوابيته، ليس هذا منطق الجدل او الطرح على عكس النظام السوري الذي صار أكثر ارتياحاً ، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من إعلان انتصاره فكيف يكون تطويع المؤيّد ، الذي يشبه تأكيد المؤكد أحد أهداف إيران، سورية، حزب الله أو روسيا؟

أما داعش و مشغلتها ، التي لم توفر طائفة، لم تتقصّد الدروز، قد استهدفت سنة، شيعة، مسيحيين من دون رحمة.

ربما يجب البحث أكثر عن هوية أكثر قلقاً، حرجاً، ضغطاً، أكثر من يصول ويجول من العاصمة موسكو وإليها لأجل الجنوب السوري، فربما يكون نتنياهو .

اترك تعليقاً

Back to top button