رسائل روسية و«إسرائيلية»… وبعض اللبنانيين كومبارس
ناصر قنديل
– فيما تبدو المنطقة فوق صفيح ساخن من باب المندب، حيث تتوقف شحنات النفط والناقلات بعد صواريخ يمنية استهدفت ناقلة وبارجة ودمّرت زورقاً حربياً للسعودية، وتتوقف الملاحة الجوية في مطار أبو ظبي بعد غارة لطائرة يمنية بدون طيار. وتتبادل واشنطن وطهران التهديدات حول إقفال مضيق هرمز، تنجح موسكو بتحييد وجود إيران وحزب الله من طاولة التفاوض حول سورية، وتتقدّم بصيغة لتطبيق فكّ الاشتباك لم يستطع الرئيس الأميركي رفضها، وقد تلقى عرضاً روسياً مغرياً لتقاسم سوق النفط والغاز في أوروبا، تتيح لمنتجي النفط الصخري والغاز الصخري من الأميركيين الذين استثمروا ملياراتهم فيه ولم يجدوا له سوقاً، أن يضخوا بعضاً من الإنعاش في الركود الاقتصادي الأميركي، والعرض الروسي الذي لا يردّ يضع «إسرائيل» بين قبول التساكن مع بقاء إيران وحزب الله ضمن الخطوط التي يتيحها فك الاشتباك، واستبدال فتح ملف ضمّ الجولان بملف الانسحاب منه، فتتفاهم واشنطن و«إسرائيل» على تجميد التفاهم، وتردّ «إسرائيل» بإسقاط طائرة سوخوي سوريّة كانت تسهدف مواقع تنظيم داعش على حدود الجولان، وهي تعلم أنها لا تتحمّل دخول جولة مواجهة مفتوحة عسكرياً، ولا تستطيع فعل ما يمنع سيطرة الجيش السوري على ما تبقى من مواقع داعش في الجنوب، فتختار رسالتها الدموية في السويداء لتقول إنه من دون التورّط في حرب يمكن لـ «إسرائيل» تخريب النصر السوري الروسي الإيراني، بتحريك خلايا داعش، ولو سقطت مواقع التنظيم عسكرياً، والقيام بمذابح تشبه مذبحة السويداء، في مواقع سورية عديدة، وإذا أرادت سورية وروسيا وإيران صيانة النصر السوري فعليهم التحدث مجدّداً مع «إسرائيل» بعروض جديدة، وواشنطن جاهزة لتلقي العروض.
– تردّ موسكو على «إسرائيل» باستحضار عاجل للتوافق الآخر حول سورية الذي شهدته قمة هلسنكي، وهو الفصل بين عودة النازحين السوريين إلى بلادهم وبين الحلّ السياسي الذي يحتاج وقتاً وجهداً، وربما المزيد من الانتصارات حتى ينضج وفقاً للرؤية الروسية السورية. فلا تنتظر موسكو الردّ الأميركي على مشروعها التفصيلي، وتبدأ وفودها بزيارة الدول المعنية، وموسكو تعلم أنّ الملفّ على أهميته الإنسانية له بعد سياسي لا يقلّ أهمية، وهو إيجاد مبرّر موضوعي للمتورّطين في الحرب على سورية دولياً وإقليمياً للانفتاح على الدولة السورية سياسياً وأمنياً ومالياً من باب إنساني يمكن تبريره مع حفظ ماء الوجه، كاعتراف ضمني تدريجي بالتأقلم مع نصر الدولة السورية، والطبيعي أنّ إطاراً بهذا الحجم يعرض على طاولة هلسنكي بين رئيسي الدولتين العظميين، لم يتمّ غبّ الطلب تلبية لغربة رئيس الحكومة اللبنانية المأزوم بعلاقته مع السعودية، والمتعثر في تشكيل حكومته الجديدة، لإيجاد مخرج لأزمته مع سورية، وكي تتمّ العودة من دون التحدث مع الحكومة السورية، ولا يعقل كيف يصدّق البعض أنه في دولة كروسيا ومع زعيم كالرئيس بوتين يمكن الحديث عن فرضية خيالية كصياغة مبادرة استراتيجية نوعية تقدّم على طاولة التفاوض مع الرئيس الأميركي، مهمّتها فك أزمة شخصية لورطة الرئيس الحريري في تجنيبه التحدّث مع الحكومة السورية، وتأمين بديل له لعودة النازحين.
– جاء الوفد الروسي الكبير إلى بيروت واجتمع بالرؤساء والأمنيين وقال كلاماً واضحاً، لسنا بديلاً عن الحكومة السورية، والتحدث مع سورية الرسمية شرط لنجاح أيّ خطوة من خطوات عودة النازحين، ومهمة روسيا عدا عن الدور اللوجستي في العودة وطمأنة العائدين، هو فتح القنوات للتواصل بين الحكومتين اللبنانية والسورية، وأنّ موسكو تنتظر هيئة لبنانية حكومية ذات صلاحيات كافية للتنسيق مع الهيئة الروسية الموازية، لترتيب اجتماعات ثلاثية روسية لبنانية سورية. وخرج وزير شؤون النازحين، المنتمي لجناح متطرف في العداء لسورية في تيار رئيس الحكومة، يقول على قناة «العربية» إنه لا بدّ من التحدث مع الدولة السورية، وهذا قدرنا إذا أردنا عودة النازحين، ورغم ذلك يستمرّ بعض البسطاء في تصديق أكذوبة الحديث عن قناة روسية لحلّ أزمة النازحين بديلاً من التحدث مع الحكومة السورية، وبكلّ خفة يخرج مسؤولون في أحزاب سياسية يتحدثون عن انتصاراتهم في ملف النازحين على الذين كانوا يقولون إن لا حلّ إلا بالتحدث والتعاون مع الحكومة السورية.
– بعض اللبنانيين يهوى لعبة الكومبارس، وقد تقاعد عن الدخول في لعبة الكبار، فيرقص على دماء شهداء السويداء، أو يتسلى بقضية عودة النازحين، ولا يرى في الأمر أكثر من كيف يمكن التجريح بالدولة السورية، أو تحقيق انتصارات بهلوانية إعلامية، ولو كذبته الوقائع بعد أيام أو ساعات، بينما المعارك الكبرى تدور في مكان آخر، ويربحها الكبار الذين لا ينصتون لما يرد على المسرح من أقوال للاعبي أدوار الكومبارس.