عهد التميمي النجمة و«الكارثة»..

روزانا رمّال

لن تكون قصة أسر «عهد التميمي» من قبل الاحتلال الإسرائيلي وإطلاق سراحها قصة عادية من قصص أسر الفلسطينيات مستقبلاً لكل ما تحمله من استثنائية كادت تطيح بصورة الكيان المرتبك أمام المجتمع الدولي. فكم هي المرات النادرة التي احرجت فيها «إسرائيل» أمام العالم لهمجيتها.

ليست صور الدماء غالباً وحدها ما يحفظ في ذاكرة الرأي العام العالمي. وليس الدم وحده قادراً على تحريك المنظمات الدولية والانسانية وتغيير قواعد اللعبة. وعهد التميمي ونضالها بالعيون والشفاه والصوت والروح والقلب دليل، لكن الظلام الذي يحيط بالإسرائيليين حيال أطفال فلسطين كان وحده أكثر مَن أوقع تل ابيب بخطر تصدُّع صورتها امام كل من تعاطف معها من عواصم العالم. وهو الأمر الذي التفتت اليه صحف «إسرائيل» وكبار خبرائها لحظة أسرها، فكانت ان سجلت الكاميرات الصفعة الكبيرة على وجه الجندي الإسرائيلي التي كانت بالواقع صفعة لـ»إسرائيل» بأكملها وانتشر المقطع بشكل كبير ومعه الغضب بين المتطرفين الإسرائيليين وقيادات كبيرة من الجيش الإسرائيلي، عقبتها مطالبات صارخة بمعاقبة الفتاة الشابة لما في ذلك من عامل ردع لشبان من جيلها كي لا يتكرّر هذا المشهد مجدداً، وهو مشهد إهانة الجيش الإسرائيلي.

كل شيء سار بعكس ما سعت إليه القيادات الإسرائيلية، خصوصاً أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع المستنفر داخلياً أمام المستوطنين الذين ارتفعت حدة اشتباكاتهم المباشرة مع الفلسطينيين بشكل كبير كيف بالحال الأراضي المحتلة كانت تتحضر لنقل السفارة الأميركية اليها وتغلي على وقع تدنيس قوات الاحتلال أسبوعياً المسجد الأقصى وتهدد بالمزيد حتى وصول التلويح بصفقة القرن أوجه!

من ناحية عهد، فإن كل شيء سار بشكل لافت وحمل المتظاهرون المناصرون للقضية الفلسطينية في كل عواصم العالم صورها ونشرت حملات دعائية وطرقية تتغنى بجمالها وبشعرها الذهبي وعيونها الملوّنة حتى صارت نجمة عالمية، بحسب هارتس الإسرائيلية التي اعتبرت عهد التميمي «الكارثة» على الدعاية الإسرائيلية!

خرجت عهد من السجن مع والدتها بعد قضاء ثمانية أشهر في سجون الاحتلال الإسرائيلي الى المكان نفسه التي صفعت فيه جندياً اعتدى علىيها بالقرب من باحة منزلها في قرية النبي صالح في الضفة الغربية المحتلة… خرجت عهد وخرج معها وابل من العنفوان والكبرياء على الكيان الغاصب. فإن شيئاً لم يهدئ روعها وشيئاً من تلك القضبان لم يحني ظهرها ولا تزال تلك الجميلة تعد بالكثير. هذا فحوى كلام الفتاة التي سابقت عمر النضج وتفتّحت على مسؤولية تعليم الأطفال كيف يكونون أسياداً وأحراراً في ظل الاحتلال بالوقت الذي يتنافس فيه حكام الدول العربية على الذل والهوان ودفع الأموال العربية ووهب الثروات النفطية الى الولايات المتحدة الأميركية كرهائن حقيقيين وأسرى محكوم عليهم بالمؤبد!

وحدك عهد التميمي «حرة»..

تتحدث معاهد الدراسات الإسرائيلية منذ أسر عهد عن «صورة» «إسرائيل» المهتزة، وتشرح كيف تحوّلت الفتاة الصغيرة «ظاهرة» أحرجت «إسرائيل» في الوقت الذي لم تتمكن فيه منظمات دولية القيام بذلك وكيف تحولت مادة خبرية على رأس وسائل الإعلام حول العالم، ورمزاً للمقاومة والكفاح الذي تبذل «إسرائيل» جهداً للتخفيف من عناصر تأجيجه لدى الجيل الجديد ليتبين بحالة عهد أن شيئاً من هذا لم يكن ممكناً إنجازه إلا ان المستوطنين الذين يجدون فيها خصماً على صغرها اكتشفوا عن صراع حيوي ينتابهم عند كل طلوع فجر وغروب شمس. فلا شيء مستقر في الأراضي المحتلة وكل شيء مهتز في مكونات الكيان وأهله ما رفع منسوب الحركات اليهودية المتطرفة خلال السنوات الماضية أكثر من أي وقت مضى.

عهد التميمي فعلاً «كارثة» على الدعاية الإسرائيلية، حسب وصف الصحيفة الصهيونية لها. ففي الوقت الذي ضغطت فيها منظمات يهودية متطرفة لعدم إطلاق سراحها، وجدت القيادة الإسرائيلية أن الإمعان في الاسر يستجلب المزيد من الضغوط والتساؤلات التي تصعّب على «إسرائيل» مهمة التقدم أكثر باتجاه مقبولية تطمح اليها لدى الجوار وترويج دعاية السلام الممكن والمرجو منذ عقود مع طموح مضاعف اليوم بتمرير صفقة القرن او التأسيس لها من دون إزعاج. وهي الخطة «الانسيابية» التي يعمل عليها بهدوء تماماً كما مر ملف نقل السفارة الأميركية بصمت شعبي عربي واضح. أما من جهة صورة الكيان فإن المظلومية التي تدعيها «إسرائيل» غالباً من اجل استعطاف الدول الكبرى، خصوصاً تلك المؤيدة لتعزيز فرص تمكين الدولية اليهودية، اهتزت لحظة أسر الفتاة «القاصر» بما تعارض مع كل الأعراف الدولية، خصوصاً أن مسألة التصنيفات الدولية لجهة معاملة الأطفال وحماية حقوق الانسان، خصوصاً القاصرات، في المنطقة العربية تتكفل بنسج صورة كاملة عن الجهة المقصودة وبالبقاء على عهد سجينة تخسر «إسرائيل» ما تبقى من ماء وجه أمام المساندين والمؤيدين حقوقياً. كل هذا بسبب الجاذبية التي تمتّعت بها عهد والتي أدارت انظار العالم كله نحوها. فهي طفلة كاريزمية من الدرجة الأولى. وفي هذا العصر تشكل أحد عناصر الترويج اللافتة لوجه مشرق عن المقاومة بدون أي تأويلات أو شوائب.

اترك تعليقاً

Back to top button