اجتماع باسيل الحريري ليس شكلياً لكنه ليس الحاسم
روزانا رمّال
كان هذا الاجتماع منتظراً منذ مدة، بعدما زار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري قصر بعبدا قبل أسبوعين وقيل إن تذليلاً تمّ للكثير من العقد والعقبات في طريق ولادة الحكومة، وإن الترجمة تنتظر لقاء الرئيس الحريري برئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، ليتبين لاحقاً أن عقداً تحول دون الاجتماع الذي يجب أن يحل العقد، وبدأت تتظهّر الصورة بالحملة التي استهدفت باسيل ووصفته بالعقدة. وخرج عن مصادر قريبة من بيت الوسط كلام يقول إن بيت الوسط مفتوح ومن يرغب بزيارة الرئيس الحريري سيستقبله، ليأتي الرد من مصادر التيار الوطني الحر أن الوزير باسيل جاهز لتلبية أي دعوة من الرئيس المكلف. والأمر ليس في بروتوكولات الدعوة ولا البيت المفتوح لمن يرغب من المسؤولين السياسيين المعنيين بتشكيل الحكومة. فالأمر ضمناً يعني أن الرئيس الحريري ينتظر باسيل إذا غيّر في موقفه أن يأتي ليبلغه شيئاً جديداً فيتحرّك التأليف وأن ليس لدى الحريري من جديد يقوله لباسيل كي يقوم بدعوته، والعكس مضمون في الردّ الذي قالته أوساط الوزير باسيل إن ليس لدى التيار الوطني الحر جديداً يقدّمه للرئيس المكلّف وإن كان لدى الرئيس الحريري جديد يحرّك مسار التأليف بالاقتراب من طلبات التيار الوطني الحر. فالوزير باسيل حاضر لتلبية الدعوة.
عملياً ظهر أن الإيحاء بنجاح لقاء الرئيس الحريري برئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم يكن دقيقاً. فقد ظهر من كلام الرئيس عون لأكثر من مرة أنه ينتظر تحرك الرئيس المكلف ضمن معادلتين رسمهما رئيس الجمهورية للتشكيلة التي سيوقعها طالما أن معادلات المسّ بالصلاحيات غير وارد بالتبادل، فلا رئيس الجمهورية يريد التدخل بالتأليف بدلاً من رئيس الحكومة الذي تشكل عملية التأليف صلاحية حصرية له، ولا الرئيس المكلّف بوارد التخيل أنه سيشكل الحكومة منفرداً من دون توقيع رئيس الجمهورية الذي له أن يحدّد وفقاً لصلاحياته الدتسورية المعايير التي سيفحص على أساسها التشكيلة الحكومية المقترحة من الرئيس المكلف قبل أن يقرّر أن يوقعها أو يردّها. والرئيس عون لم يخفِ معاييره، فقال علناً إن المطلوب حكومة تعكس نسبياً نتائج الانتخابات لجهة أحجام تمثيل الكتل النيابية، وأن لا تحصر تمثيل الطوائف بطرف واحد بما يمكنه من الاستئثار بالتحكم بصيغة ميثاقية الحكومة، وإلغاء شركائه في تمثيل طائفته، وأن تحترم فيها الأعراف لجهة حصة رئيس الجمهورية بحجمها ونوعية المناصب والحقائب التي تتضمّنها، وكلام الرئيس عون يعني عملياً في العقد المستعصية أمام تشكيل الحكومة، أنه لن يوقع على تشكيلة حكومية تمنح القوات اللبنانية حجماً لا يوازي تمثيلها النيابي وفقاً لمعيار يضعه رئيس الحكومة ويطبقه على جميع الكتل بعدالة ومساواة، وأن الرئيس لن يسلم للقوات لا بوزارة الدفاع التي صارت عرفاً ضمن حصة رئيس الجمهورية، خصوصاً وهو الآتي من موقع عسكري ويتولى صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأن هذه الحصة القواتية لا يمكن تضمينها منصب نائب رئيس الحكومة المجمع على تسميته من رئيس الجمهورية. أما في التمثيل الدرزي والسني فالرئيس متمسك بتمثيل اللون الثاني من نواب الطائفتين غير لون كل من تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي.
تفادى المعترضون على كلام رئيس الجمهورية التصادم معه وتحدّثوا عن الإجماع على موقع رئاسة الجمهورية وحرصهم عليه، وتجاهلوا أن مشكلتهم معه وأنهم يسعون عملياً إلى إصابة الموقع ويحاولون تحجيمه فخرجت في التداول نظرية عنوانها أن الوزير باسيل يخوض معركة رئاسة الجمهورية مبكراً من بوابة الحكومة الجديدة، فاضطر رئيس الجمهورية للرد على هذه النظرية معتبراً استهداف الوزير باسيل مفتعل لكونه يتقدم على سائر السياسيين، وأن حكومة العهد الأولى هي المطروحة في التداول والتعطيل يستهدف العهد.
جاء اجتماع الوزير باسيل برئيس المجلس النيابي نبيه بري ليقول إن مساراً جديداً يفتح في مقاربة الأزمة الحكومية يسقط الرهان على التنافر بين رئيس المجلس ورئيس التيار الوطني الحر، ويجمع دون إعلان الأغلبية النيابية التي كانت أقلية في المجلس السابق والممدّد له، ليسأل ضمناً الرئيس المكلف بلغة الرموز، كيف يستوي أن يتمثل فريق كان يمتلك ستة وخمسين نائباً بالحجم ذاته بعدما صار يتمثل بأربعة وسبعين نائباً، فيما يحافظ الفريق الذي كان يتمثل بواحد وسبعين نائباً بحجمه في الحكومة بعدما صار يتمثل في المجلس النيابي الجديد بأربعة وأربعين نائباً؟
لم يحتج الحريري للكثير كي يتلقى الرسالة ويلاقيها بينما رئيس المجلس لم ينتقل بعد إلى موقع المطالبة بحصة أكبر للفريق الذي يمثله، رغم مطالبات حلفائه في هذا الفريق بذلك، بمن فيهم حزب الله والمكوّنات الحزبية الأخرى كالقوميين ومعهم النواب من الطائفة السنية، طالما أن تمثيل تيار المردة محسوم. فبادر الحريري لزيارة الرئيس بري وطال الاجتماع الذي استبق فيه الحريري أي حركة جديدة تضم بري وباسيل طالباً مساعدة بري في تليين مواقف القوات والاشتراكي ليتمكن من ملاقاة باسيل في منتصف الطريق.
مصادر تابعت اجتماع باسيل مع الحريري تؤكد أن أهم ما تحقق في لقاءي باسيل مع بري سابقاً والحريري لاحقاً هو إعادة تأسيس الثقة والرغبة بالتعاون، والاعتراف المتبادل بأن الرئيس المكلف كزعيم للأقلية النيابية التي تضم المستقبل والاشتراكي والقوات ورئيس المجلس النيابي الأقرب لزعيم الأغلبية النيابية التي تضمّ ثنائي أمل وحزب الله وباقي الثامن من آذار والتيار الوطني الحر معاً، ورئيس تكتل لبنان القوي كرئيس لأكبر كتلة نيابية، وهي الكتلة الأقرب لرئيس الجمهورية، يشكلون الثلاثي الذي يجب أن يستولد الحكومة الجديدة سياسياً، طالما أنها دستورياً من صلاحيات الرئيس المكلف وحده.
بعد الثقة ونية التعاون والاعتراف المتبادل بالأدوار، تقول المصادر برزت نية الاعتراف بالأحجام، وعدالة توزيع المقاعد الحكومية والحاجة لفاعلية في التحرّك نحو الصيغة النهائية للحكومة، فصار القول إن الاجتماع لم يكن شكلياً ولكنه ليس الاجتماع الحاسم.