«الناتو العربي»… وفن ابتذال المصطلحات
حسن نافعة
«الناتو» مصطلح يشير إلى الحروف الأولى باللغة الإنجليزية من عبارة «منظمة معاهدة حلف شمال الأطلسي» NORTH ATLANTIC TREATY ORGANIZATION، والتي أبرمت في 4 نيسان/ أبريل 1949، ووقعت عليها 12 دولة، اثنتان منها تنتميان للطرف الأميركي من المحيط الأطلسي، هما الولايات المتحدة وكندا، والباقي ينتمي لطرفه الأوروبي.
أما الدافع الرئيسي لإنشاء حلف عسكري من هذا النوع فكان محاصرة الاتحاد السوفياتي ومنع تمدّده خارج نطاق أوروبا الشرقية.
وكانت له قيادة واضحة، تمثلها الولايات المتحدة التي بدت في ذلك الوقت على استعداد ليس فقط لوضع أوروبا الغربية تحت مظلتها النووية، وإنما أيضاً تقديم معونة مادية ضخمة لمساعدتها على الصمود في وجه الفكر الماركسي وسدّ الثقوب والثغرات الاقتصادية والاجتماعية التي أحدثها الدمار الناجم عن الحرب العالمية الثانية مشروع مارشال .
أما «الناتو العربي»، والذي كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة فمصطلح غامض يُقال إنّ الهدف منه هو إقامة تحالف على غرار «الناتو الغربي» بين الدول التي تشعر بالقلق من تمدّد النفوذ الإيراني وتسعى لمحاصرته واحتوائه.
لكن مَن هي الدول المرشحة للانخراط فيه؟ وإلى من ستؤول قيادته؟
وهل هو تحالف دفاعي على غرار «الناتو» الحقيقي في طبعته الأصلية، أم تحالف هجومي، على غرار طبعته الحالية التي تتسم بالميل نحو التدخل وأخذ زمام المبادرة؟
وهل سينشأ التحالف المرجو من خلال معاهدة دولية تصدّقها البرلمانات وتحدّد حقوق وواجبات الأطراف المشاركة، أم سيبقى في حالة سيولة وغير محدّد الهوية؟
تلك وغيرها أسئلة لا تزال حائرة يلفها الغموض وتحيط بها الأسرار من كلّ جانب، فتعالوا نحاول معاً فك طلاسمها والتعرّف على ما قد يعترض تشكيل التحالف المزمع من عقبات.
فالحديث المتداول يتعلّق بتحالف تقوده الولايات المتحدة وتشارك فيه دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن. غير أنّ هذا الطرح لا يمكن أن يكون دقيقاً لسببين:
الأول: صعوبة جمع دول مجلس التعاون الخليجي داخل حلف عسكري في ظلّ الحصار المفروض حالياً على قطر، وأيضاً في ظلّ ما تُبديه كلّ من الكويت وسلطنة عُمان من الحرص على النأي بنفسيهما بعيداً عن سياسة المحاور والأحلاف.
والثاني: تعمّد هذا الطرح إغفال «إسرائيل» كطرف مرشح بقوة للمشاركة في هذا التحالف، إنْ لم يكن لقيادته.
لذا، تشير دلائل عديدة إلى أنّ «الناتو العربي»، إنْ قدر له أن يتشكل أصلاً، فسيقتصر على دول الحصار الأربع، أيّ السعودية والإمارات والبحرين ومصر، إضافة إلى «إسرائيل» والأردن.
ولأنّ الولايات المتحدة في زمن ترامب لا تبدو مستعدّة لتحمّل اية أعباء مالية في مشروع سياسي أو عسكري من هذا النوع، فالأرجح أن تكتفي بالإشراف الفني والمعلوماتي، على أن تتحمّل السعودية والإمارات عبء التمويل.
أما القيادة الفعلية، أيّ الميدانية، فالراجح أن تعهد بها الولايات المتحدة إلى «إسرائيل»، وكيلها المعتمد والموثوق به في المنطقة. ويصعب بالطبع تصوّر أن يأخذ تحالف عسكري من هذا النوع شكلاً دفاعياً.
خصوصاً بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب المنفرد من الاتفاق الخاص ببرنامج إيران النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران، وهي خطوات تمهّد لمواجهة شاملة قد تُستخدم فيها كلّ الوسائل، بما في ذلك احتمال الصدام المسلح.
يُضاف إلى ذلك أنه يصعب تصوّر تشكيل هذا التحالف استناداً إلى معاهدة دولية يصدّق عليها الكونغرس الأميركي لأنّ الولايات المتحدة لم ولن تتعامل بهذا المنطق أبداً مع الدول العربية. ومن ثم فالأرجح أن يأخذ التحالف شكلاً مرناً وقابلاً للتأقلم مع مختلف الأنواء والأهواء التي تتسم بها تفاعلات المنطقة.
خلاصة القول إننا بصدد عملية هدفها الأول والأخير إدماج «إسرائيل» في المنطقة، تحت شعار مواجهة الخطر الإيراني. أما الغاية النهائية من هذا الإدماج فمزدوجة: تصفية القضية الفلسطينية واستنزاف ما تبقى من ثروات العرب.
لذا فإنّ استخدام مصطلح «الناتو العربي» يدخل ضمن فنّ ابتذال المصطلحات الذي تجيده الولايات المتحدة.
كاتب وباحث مصري