الأردوغانية: هل تنتهي سياسة السير على الحبال؟
عامر نعيم الياس
لم يتوقف الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان عن تكرار عبارة «المؤامرة الخارجية» على العقوبات الأميركية على بلاده. تلك العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خلفية توقيف القس أندرو برونسون في تركيا، والتي رفعت الضرائب على الصلب والألمنيوم التركيَين من 25 و10 على التوالي إلى 50 و20 . الرئيس التركي أكّد أنه لن يخسر هذه الحرب، لكن الاقتصاد التركي الذي يعدّ من أضخم الاقتصادات في المنطقة، والانهيار المذهل اليوم الذي فاجأ البعض، خاصةً من يقارنه بما جرى في سورية من انهيار لسعر صرف العملة خلال سنوات الحرب، طرح تساؤلاً هاماً وهو: ما الذي أدّى إلى انهيار صرف سعر العملة الوطنية التركية، وماذا عن حدود السياسة الأردوغانية الاقتصادية؟
مما لا شك فيه أنّ الانتخابات الرئاسية التركية المبكرة التي قرّر رجب طيّب أردوغان إجراءها في 24 حزيران الماضي، كانت تقف وراءها، بغضّ النظر عن الدافع السياسي، أسبابٌ اقتصادية، فمعدل التضخم في نيسان الماضي، أيّ قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية المبكرة، بلغ 10.85 ، ومن المعروف أنّ التضخم يمكن رصده من مؤشرَين: الأول، هو ضعف القدرة الشرائية للعملة الوطنية. والثاني، ارتفاع مديونية الشركات الخاصة في تركيا والتي تساهم بنحو 65 من إجمالي الناتج المحلي. لقد ساهم انتخاب رجب طيّب أردوغان رئيساً للبلاد في تشديد الأخير لقبضته على السلطة النقدية وعيّن زوج ابنته وزيراً للمالية. وهذا عاملٌ ساهم في اتخاذ العقوبات الأميركية المسار الناجع الذي سلكته اليوم، فما جرى أثّر على استقلال القطاع النقدي، وبالتالي أثار الشكوك لدى المستثمرين.
إنّ انهيار العملة التركية سبق العقوبات الأميركية، ففي العام 2011 كان كلّ 1 يورو يعادل 2.25 ليرة تركية، وفي بدايات العام 2018 فإنّ كلّ 0.96 يورو تعادل 5 ليرات تركية، كما أنّ التضخم الذي كان قبيل انتخاب أردوغان رئيساً بصلاحيات مطلقة وتحديداً في شهر نيسان 10.85 ، بلَغَ بعد انتخابه في شهر تموز الماضي 16 . وهذا أمر يقودنا إلى القول إنّ انهيار قيمة الليرة التركية يعود إلى هشاشة النظام الاقتصادي في البلاد، وربطه بالدولار. فديون الشركات التركية بالدولار، وهو ما يجعلها عرضةً لتقلبات سعر الصرف، خاصةً بعد العقوبات الأميركية. ففي الأسبوع الحالي خسرت الليرة التركية 20 من قيمتها، ومنذ أوائل العام الحالي خسرت ما إجماله 40 من قيمتها.
كما أنّ تمويل العجز أصبح أكثر تعقيداً منذ أن بدأ الاحتياطي الفدرالي الأميركي في رفع سعر الفائدة الرئيسي، وهو أمر يساهم في الاحتفاظ بالعملة الأميركية مقابل العملات الأخرى، ويزيد من كلفة الإقراض بالنسبة للشركات التركية المدينة بالدولار. وهذا يدفع المشككين في تماسك الليرة التركية إلى ترك البلاد والذهاب لتوظيف أموالهم في الولايات المتّحدة، حيث تكون العائدات أفضل.
إنّ مواقف أردوغان الحادّة في مواجهة العقوبات الأميركية، إضافةً إلى تقاعس المصرف المركزي التركي عن اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على قيمة الليرة التركية، عبر رفع سعر الفائدة وتعويض الفاقد من قيمة الليرة التركية، عاملان آخران ساهما في هذا الانهيار الذي يعصف بالعملة التركية، واستمرار المركزي على هذا الموقف، وحتى الرئيس التركي عن التحرك خارج حدود سياسته الاقتصادية، قد ينقل عدوى انهيار سعر صرف العملة إلى الأسواق المالية، وهذا يؤدّي إلى هروب كامل الاستثمارات التركية، خاصةً أنّ الانقسام السياسي ينعكس على شكل التباين والاستقطاب الاقتصادي داخل تركيا. فنحن أمام مواجهة كتلتين اقتصاديتين، الأولى، صناعية وتتمركز في الأناضول أيّ المقطع الآسيوي من تركيا، تدعم أردوغان وحزب العدالة التنمية، وتستفيد من اقتصاد الظلّ، والتوجه إلى بعض دول الشرق، خاصةً العلاقات الاقتصادية مع روسيا وإيران. أما الكتلة الثانية الاقتصادية فهي رأس المال التجاري الذي تمثّله اسطنبول، حيث للعلاقات الخارجية والترابط التاريخي بالاقتصادات الغربية سواء أوروبية أو أميركية أرجحية على العامل الاقتصادي الداخلي أيّ الاقتصاد الوطني. وهذا يفسّر التراجع الحادّ في سعر صرف العملة التركية في بلد لم تُفرض عليه عقوبات كاملة من قبل الولايات المتحدة، ولا توجد فيه حالة حرب كتلك التي تعيشُها سورية منذ العام 2011.
حشَر ترامب نظيره أردوغان في زاوية الخيارات الصعبة، فإما الاستجابة بهدوء لمطالب إدارة ترامب، أو سلوك خيارات صعبة تتطلب تغييراً جذرياً في المشهد الاقتصادي التركي، وإلا فإنّ الاستمرار في محاولة المواءمة والسير على الحبال في السياسة، كما في الاقتصاد، ستقود إلى نهاية كارثية للحقبة الأردوغانية…