بولتون وباتروشيف والتفاهمات غير المعلنة
ناصر قنديل
– خلال أيام مضت كان التحضير للاجتماع الذي ضم مستشاري الأمن القومي الأميركي جون بولتون والروسي نيقولاي باتروشيف وتخللتها مواقف عالية السقوف من الجانبين الروسي والأميركي، طرحت تساؤلات عن مبرر اللقاء في ظل هذا التنافر والتباعد، الذي بلغ حد تحذير بولتون لموسكو من مسعى إعادة الإعمار في سورية من دون خروج إيران منها، وقابله رد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بمطالبة القوات التي لا تحظى برضا الحكومة السورية الشرعية بمغادرة سورية، لينكشف أمر آخر هو أن سورية موضوع التجاذب الأبرز الذي سيحضر على طاولة المحادثات.
– بعد نهاية اللقاء في جنيف خرج بولتون وباتروشيف يتحدثان عن مضمون اللقاء فذكرا الفشل في إصدار بيان مشترك، وبرر الجانب الروسي بلسان باتروشيف هذا الفشل بعدم الموافقة على ذكر عدم التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية من دون ذكر رفض التدخلات الأميركية في شؤون الدول الأخرى، بينما تحدّث بولتون عن إصرار إدارته على تصعيد العقوبات على إيران، لكن الجانب الروسي قال إن أي اتهامات لم توجّه له حول الانتخابات الأميركية في اللقاء. والجانب الأميركي قال إن البحث لم يتطرّق للعقوبات الأميركية على إيران، وإن الروس لم يطلبوا استثناءهم من العقوبات.
– أغلب القضايا التي وردت في المواقف الإعلامية للفريقين بعد اللقاء صدر عن فريق منهما على الأقل ما يكفي للإشارة إلى أنه لم يتمّ بحثها في اللقاء، بل وردت كعناوين مبدئية تبرر الحاجة للتعاون، أو كمواضيع لا بدّ من تناولها إذا تمّ التوافق على الحاجة لإصدار بيان ختامي، وحساسيتها عند كل من الفريقين تستدعي صياغة يصعب التفاهم على مفرداتها، لكن الجملة المفيدة التي وردت في ختام اللقاء هي التوافق على تفعيل قنوات التنسيق السياسية والأمنية والعسكرية بين الحكومتين الأميركية والروسية، وهو ما فشلت لقاءات سابقة في بلوغه، ما يعني أن تفاهماً عميقاً قد تحقق رافقه إطلاق قنوات التنسيق، مع وجود مصلحة بإبقاء الغموض محيطاً بالتفاهمات.
– تجاهل الوضع في سورية في الكلام الصادر عن الفريقين بعد اللقاء، بعدما كان العنوان السوري هو محور الاشتباك قبل اللقاء، لا يترك مجالاً للشك بكون التفاهم كان محوره سورية، والتنسيق ستكون عنوانه سورية، والجملة المفتاحية التي تدلنا على طبيعة التفاهم هي القول بأن الاجتماع جاء لترجمة تفاهمات قمة هلسنكي التي جمعت الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين. ومعلوم أن أبرز التفاهمات التي خرجت بها القمة تطال سورية. وفي سورية تتضمن التفاهمات دعماً لمحادثات جنيف التي ستستأنف الشهر المقبل برعاية أممية بين الحكومة والمعارضة، والتأسيس للانسحاب الأميركي من سورية، وإطلاق خطة لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم.
– ثمة جملة مفيدة أخرى في ختام اللقاء أوردها باتروشيف ويمكن أن تشكّل جدول أعمال مستويات التنسيق بين الطرفين، تقول بتقديم مقترحات عملية روسية للجانب الأميركي ستتم دراستها، ويمكن الاستنتاج هنا أنّها مقترحات تطال عودة النازحين بما لا يربطها بالحل السياسي من جهة، وفقاً للطلب الروسي، ولا يربطها بخطة إعادة الإعمار من جهة مقابلة، وفقاً للطلب الأميركي، بل وفقاً لصيغة تجعل عودة النازحين تنطلق لتلاقي في منتصف الطريق الحل السياسي وإعادة الإعمار، كما يمكن الاستنتاج بالتوافق على مناقشة خطة روسية تنسجم مع الطلب الأميركي بعدم الانسحاب من سورية ليتسلّم الإيرانيون مواقعهم بعد هزيمة داعش، والموقف الروسي الذي لا يرى الانسحاب الإيراني واقعياً وممكناً من سورية، ليحصر البحث بطبيعة التمركز العسكري والأمني في المناطق التي ينسحب منها الأميركيون، بما يلاقي الدعوة للحل السياسي، وهو هنا بين القيادات الكردية والدولة السورية، وقد بدأت خطوات التفاوض الأولى، ويمكن أن ينتهي بتسلّم الجيش السوري وحده مسؤوليات الأمن في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، ويتمركز فيها الأميركيون، بينما تبدأ قبل ذلك معارك إنهاء داعش في مناطق السيطرة الأميركية والكردية، وتنطلق عملية تطهير جسر الشغور ومحيط إدلب عسكرياً، على طريقة جنوب سورية، بدعم روسي إيراني للجيش السوري، من دون حملة أميركية تستهدف العملية، وصولاً لحل متزامن مع تركيا وأميركا لتسلم الجيش السوري باقي مناطق إدلب وشرق الفرات وانطلاق عناوين حكومة موحّدة ضمن مشروع الحل السياسي الذي يجب أن ينطلق من جنيف ويفترض أن ينتهي بدستور وانتخابات.