احتجاز الحريري مستمرّ هذه المرة سياسياً..
روزانا رمّال
على الرغم من أن الرئيس المكلف سعد الحريري لم يتمكّن من «بق البحصة» المخصّصة للحديث عن تداعيات أزمة الاحتجاز التي أكد توصيفها كذلك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي لعب بدوره دوراً مباشراً لإخراج الحريري من الأزمة الكبيرة، بعد استنفار رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير خارجيته كل العلاقات والقوى الدولية، إلا أن شيئاً من تلك المرحلة لم يكشف بعد حتى اللحظة بما يعني موقع الحريري وموقفه الحقيقي، لكن اللبنانيين الذين لا يزالون يتساءلون عن هذه الخطيئة السعودية بحق لبنان ولا يزالون أيضاً يترقبون مواقف الحريري منذ عودته الى لبنان، فما الذي تغيّر؟
مشكلة الاحتجاز بشقيها السياسي والمالي انعكست سلباً على تيار المستقبل المتخبّط أصلاً بالحاجة المالية لتأمين موسم انتخابي ناجح، بدأت ترخي بظلالها بشكل اوضح بعد نتائج الانتخابات وكأن الحريري خيّب آمال المملكة محلياً. وهي خيبة مختلفة الرؤى والأهداف عما أنجزه الحريري لصالح الوحدة الوطنية والمصلحة العليا التي منحت لبنان فترة هدوء واستقرار سياسي وأمني ونفسي انعكس إيجاباً على مختلف الأصعدة. وما الصفقة الرئاسية وإعادة تكليف الحريري بعد الانتخابات من قبل خصومه الذين لم يعرقلوا هذه التسمية بل دعموها وإن لم يصوّتوا مباشرة، أي نواب حزب الله. وبالتالي فإن الحريري صار مطلباً وطنياً وقد أدركت المملكة ذلك من دون أن تتقدم الى الامام من أجل الدفع باتجاه تقوية موقعه.
أفرد الحريري مساحة هامة للتركيز على تجاوزات في تيار المستقبل، ومنها ما هو جدّي ويتعلق بخلافات حول إدارة العملية الانتخابية ومنها أيضاً السياسي، وتم عزل كثر من الأسماء المعروفة داخل التيار. وحاول الحريري إحداث تغيير واضح يظهر للسعودية أنه فعلاً يتوجه نحو تعديل سياسته الداخلية والخارجية، خصوصاً أن بعض من تمّ عزلهم كانوا على علاقة جيّدة بحزب الله في إطار التعاون والتنسيق وبعض الطروحات المستقبلية ما أزعج المملكة.
كل هذا ليس مستغرباً، إلا أن المستغرب ان بعد سلسلة المتغيرات التي أجراها الحريري والوقوف عند مطالب المملكة العربية السعودية بإعادة العلاقة مع رئيس حزب القوات اللبنانية نظراً لما فيها من ضرورة كعلاقة استراتيجية تراها المملكة في لبنان، وبعد أن قبل الحريري أن يقف أيضاً عند مطالب الحلفاء. وهم حلفاء المملكة بالدرجة الاولى وأعطاهم المهلة الكاملة كي يستفيدوا قدر الممكن من التفاوض السياسي القائم للاستحصال على ما يعوّض هزيمة الانتخابات النيابية التي راحت لغير صالح حلفاء السعودية، كما قرأتها بلسان اللواء الإيراني قاسم سليماني 74 نائباً، وأفرزت حيّزاً لنشر هذا المنطق الإيراني في وسائل إعلامها… كل هذا لم يشفع للحريري لتنطلق عجلة التشكيل ويحصل على لقاء واضح ومباشر مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حتى اللحظة يحسم فيه ضرورة انطلاق العجلة الحكومية في لبنان، لاعتبار أساسي وهو أن الحريري حليف الرياض هو الوجه الأول والأخير القادر على إيجاد فرصة سعودية محلية بعد كل إخفاقاتها في المنطقة. وهو للمرة الأولى يُنتخَب ويكلف لبنانياً بدون «منّة» سعودية أو تفضل على عائلة الحريري لأن الأوضاع السياسية أتت خارج الحسابات.
السؤال المطروح اليوم هل لا يزال الحريري محتَجز الموقف رغم فك الاحتجاز الجسدي؟ هل صار الحديث اليوم عن عجز واضح لانطلاقة التشكيلة الحكومية بعد أن كان الظنّ هو العكس تماماً بوجود الانسجام الكبير بين الرئيس عون والرئيس الحريري حيث استبشر اللبنانيون خيراً وتوسموا عهداً مغايراً؟
أين ستصبح مشاريع مكافحة الفساد والإنماء الموعود وكل ما تشابكت المصالح فيه بين الحريري وعون أملاً بعهد أكثر إنتاجية؟
الحديث السياسي صار مرتبطاً بالتطورات الخارجية أكثر من أي يوم مضى، وبدخول تحذير أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بما يتعلق بالرهان على المحكمة الدولية فتقلب الأوراق المحلية بانتظار ان يفرج الخارج عما يحضر للبنان. وإذا كان هذا التحذير جديداً من نوعه الا انه اكثر ما يعني فيه الأميركيين والسعوديين الذين قرروا المواجهة من بوابة اليمن والهزيمة في سورية من لبنان ضمن سلسلة القيود على حزب الله.
بالعودة للحريري، فإن لا شيء يُوحي بفك الأسر «السياسي»، بل إن الارتهان لمصالح حلفائه صار مضاعفاً أي النزول عند مصلحة القوات والاشتراكي ومن دون أن تُفرد مساحة لحضور تيار المستقبل في لبنان. وهو التيار الذي صار يعتمد على الحريري فقط من أجل إعادة النهوض من جديد وإثبات الحضور في الساحة السنية، هذا من جهة ومن جهة اخرى بعد ان ساهم القانون النسبي بإسناد مقاعد مسيحية من حصة المستقبل في القانون القديم. وهذا كله يعني تراجعاً وتآكلاً سياسياً في التيار.
ما لا تريد السعودية الاعتراف به اليوم، هو أن الحريري هو فعلاً حاجة وطنية بالنسبة للبنان بمعزل عن مصالحها وأن الأفرقاء خصوصاً حزب الله أكثر المؤيدين لتعاون حكومي معه الأمر الذي يعني أن الحريري أفسد كل مجال للخلاف والاختلاف الفئوي والطائفي مع هذا الحزب ولم ينجح في استجراره لخلاف داخلي عقيم هو لا يريده بالأصل.
وحده الحريري قادر على الخروج وإخراج نفسه من عنق الزجاجة وإخراج الوطن الذي ينتظر الحساب السعودي في المنطقة، ومعه لبنان، ليصبح السؤال الجدي عن النأي بالنفس مطروحاً فعلاً، وإذا كان اللغط دائراً حول هذا المفهوم، فإن اللبنانيين كل اللبنانيين مستعدّون للترحيب به اليوم وترجمته حكومياً ورفع الأيادي الخارجية عن التشكيلة، إيرانية إن وجدت كي يقف المطالبون عند حدود النقيضين أو سعودية.
احتجاز الحريري السياسي مستمر، وكذلك عرقلة حركته السياسية واحتجاز انطلاقة العهد معه..