أميركا وحلفاؤها لا يحتاجون مبرّرات لضرب سورية!
محمد ح. الحاج
يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مكرّراً لازمته إنّ بقاء الرئيس بشار الأسد خطأ يجب أن لا يحصل، ماكرون لا يسمع صوت السوريين ولا صوت الفرنسيين القائل إنّ بقاء الأسد يقرّره الشعب السوري وليس العملاء، كما يقرّر الفرنسيون بقاء ماكرون، شعبيته في أدنى حالاتها وربما عدوى التهديد بعزل ترامب تنتقل إلى باريس كما هي في تل أبيب، إذاً… الهروب إلى افتعال الحروب وسيلة الثلاثي للبقاء وكأنهم يحققون نصراً لشعوبهم هي بالأصل لا تبحث عنه.
لم يكتم الرئيس الأميركي التزامه بخدمة غايات السعودية ومعها الصهاينة، يخدمهم لقاء المال، وقد كان يلوّح بالانسحاب من الشمال السوري عندما بادرت السعودية إلى تقديم مائة مليون دولار، ليس للسوريين هناك كما ادّعت، بل لتغطية نفقات القوة الأميركية وربما زيادة معداتها وانتشارها مع وعد سري بمبالغ أخرى. ترامب أيضاً يعتمد على الخبث البريطاني والتحريض الصهيوني، والوعد بمشاركة فرنسية لإضفاء الصفة الدولية على العدوان المفبرك، والذي تنظمه وتقوم به الخوذ البيضاء البريطانية ومنهم حوالي سبعمائة من رعايا دول الخليج الأعرابي تمّت إعادة تدريبهم ونقلهم إلى الشمال السوري إضافة إلى آلاف آخرين موجودين قبل ذلك يقودهم ضباط من جنسيات مختلفة أغلبهم من الصهاينة أو من جنسيات مزدوجة.
عداء الرئيس الأميركي للدولة السورية ليس قائماً على معرفة أو شخصانية مبدئية، بل هو التزام موروث وارتباط بموقف صهيوني جذري، يتجاهل المصالح الأميركية التي لا تتأثر كثيراً بوجود موقف أعرابي ممالئ، كما لن تكون هناك خسائر وأعباء مالية طالما تقوم الأنظمة الأعرابية بالتسديد ثمناً لحماية نفسها من شعوبها ومن التطورات المرتقبة والمتسارعة. تحقيق المصلحة الصهيونية تقوم به القوة الأميركية وحلفاؤها، والثمن مدفوع، وإذا ما نظرنا إلى المواقف الدولية يمكننا معرفة أنّ أغلب الدول اكتشفت الحقيقة، حقيقة المسرحيات الكيميائية، وأنّ هذه الدول لا تكتم معرفتها، إلا أنّ التحالف ليس مهتماً بهذه المواقف بسبب ضمانته لأمرين هامّين، الأول عدم أهمية الرأي العام الدولي بعيداً عن الداخل الغربي، الأمر الثاني هو السيطرة الإعلامية التامة على هذا الداخل وضخّ المزيد من الأكاذيب يجعله يصدق إلى حدّ الصمت أو يشكك بالإعلام الآخر باعتباره معادياً كما تصوّره الميديا المتحالفة والمسيطر عليها صهيونياً.
لماذا المسرحية إذاً…؟
في عالم الغرب تتأثر الشريحة الأوسع بالمشاهد التي تتضمّن معاناة إنسانية، وهنا تعمد دول الغرب لإخفاء ومنع ظهور نتائج عمليات قواتها في أية منطقة وفي حال تسرّب شيء منها تسارع إلى القول إنها نتيجة خطأ يتمّ التحقيق به، أو تقول إنه بفعل الغير وستقوم بالردّ عليه، لقد تضامن الغرب مع مشاهد المسرحيات السابقة وسارع إلى تصديق الدعوى بأنّ الجيش السوري هو من قام بذلك، في ذات الوقت لم يحاكم هذا الرأي العام أو يقارن الأقوال والحقائق المنشورة، ومنها ما أعلنته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من خلوّ سورية من هذا السلاح، وأيضاً لم تصل إلى مسامعه ما نشر عن تسريب هذا السلاح عبر تركيا واستخدامه من قبل العصابات، وحدهم المحللون والمتابعون الغربيون يعرفون الحقيقة وهؤلاء في صفّ حكوماتهم ومصالحهم، ونعلم أنّ دول الغرب رفضت نتائج التحقيقات الروسية أو حتى المحايدة في هذا الشأن.
المسرحية في حال إتقانها وكثرة ضحاياها، وإنْ كان تمثيلاً، ستتكفل بمجابهة الأصوات التي تنادي وتطالب بوقف العدوان على الشعب السوري، على العكس عملية التضليل الغربي تؤيد عبر مشاهد المسرحية الادّعاء بأنها تدافع عن الشعب والمدنيين بشكل عام وليس عن تنظيمات أساسها القاعدة تعمل في خدمة الاستخبارات الغربية وما ترسم له من خراب في دول المنطقة.
قلة في الولايات المتحدة الأميركية يرفعون الصوت مستنكرين العمليات الحربية الغربية في المشرق ويعلنون عن نتائجها الفعلية، إلا أنّ السواد الأعظم يهاجمهم ويتهمهم بمعاداة السامية وهذه نتيجة نجاح الميديا المعادية، أما في فرنسا وبريطانيا فكلّ من الحكومتين تشكل ذيلاً تابعاً للإدارة الأميركية وهذا ما تقوله غالبية الشعبين البريطاني والفرنسي، وتبرّر الحكومتان تبعيتهما بالعمل للمصالح الوطنية التي لا تتحقق إلا بالمشاركة في العدوان على الشعوب.
لم يعد مهماً أبداً للإدارة الأميركية ولا للتحالف الغربي معرفة شعوب العالم بأنّ عملياتهم تقوم على الخداع والكذب فحتى الشعب الأميركي يعلم أنّ أغلب طاقم الإدارة على مذهب الرئيس ترامب يمارسون الكذب والتضليل بذريعة المصالح الأميركية واستمرار الثراء ودون ذلك الفقر للجميع كما يصرّح الرئيس، ويبقى أن هذه الإدارة لم تفقد تأييد أغلبية الشعب الأميركي لسياستها الخارجية العدوانية فهو شعب تربّى على هذه المزاجية عبر تاريخه الطويل ومنذ نشأته.
استكمل الجيش السوري استعداداته، واتخذ قراره بالتحرير والقضاء على الإرهاب، ويُقال إنّ القيادة استجابت لتوسّط روسي بتأجيل الساعة الصفر لأيام معدودة بطلب من جهات خارجية تقول إنها تعمل على تسوية فلا تكون الحرب ودون معرفة نوع أو تفاصيل التسوية، وما مصير عشرات آلاف عناصر العصابات، الغرباء منهم أو السوريين الذين رفضوا وما زالوا التسوية ومنهم المضرجة أيديهم بدماء الأبرياء والمطلوبون للعدالة، والسؤال هل تقبل الدولة السورية عودتهم دون تطبيق القانون… أمر مشكوك فيه.
يبقى الرهان على الموقف السوري والقدرة على التصدي للعدوان سواء جاء محدوداً أو شاملاً، وعلى موقف ودعم الحلفاء وإمداد جيشنا بالقدرات الدفاعية الجوية، وبرأيي الخاص لا يمكن الرهان على صدام روسي أو إيراني مع الدول المعتدية خارج نطاق المعركة ومحدودية الأرض السورية، وإلا انقلب الصدام حرباً عالمية تجرّ إليها الكثير من الدول على الضفتين ولن يكون ذلك في مصلحة السلام العالمي الذي لا يأخذه الغرب بالاعتبار مستهتراً بدول العالم الأخرى ومتناسياً أنّ زمن القطب الواحد قد ولى وإلى الأبد، وعلى الولايات المتحدة قبل غيرها إدراك هذا الواقع والامتناع عن تنفيذ المخططات المأجورة حتى لا يتحوّل الجيش الأميركي إلى قوات مرتزقة… بنادق، وطائرات وصواريخ وبوارج للإيجار!