واشنطن تغتال «الروح» و«الرمز» وفي لبنان شركاء؟! 2
استكمالاً للجزء الأول من متابعة القرار الأميركي وقف التمويل عن «الأونروا» وما يعنيه ذلك من نسف للقضية الفلسطينية يستحضر في لبنان ما هو أبعد من مجرد انتظار مواقف ليصل حد الشراكة الاستراتيجية مع مَن يرون أن القضية ماتت. وبهذا الإطار كشف مصدر سياسي كبير حليف للولايات المتحدة في لبنان لـ «البناء» أن مسألة تمرير تهويد القدس وتمرير صفقة القرن صار بعداد المؤكد، وأن المسألة فقط مسألة وقت، ولو طال قليلاً عازياً ذلك الى تخاذل العرب معتبراً أن الانقسام، أي الانقسام العربي صبّ في نهاية المطاف عند الضحية. وهذه الضحية هي فلسطين ولا شيء يبشّر بالخير بالمقبل من الأيام حيالها هكذا ختم المصدر الكبير..
وعلى صعيد المواقف التي لم يبرز منها أي شجب حتى الساعة من حلفاء واشنطن المحليين من دون أن يعني ذلك إمكانية استلحاق البعض صورياً، فإن الانقسام اللبناني على هذا الملف هو أخطر ما يمكن أن يُضاف إلى مشاكل البلد العالقة وأحد أوجه هذا الانقسام أو التردّد هو السكوت المفتعل أو التأخّر بإرسال رسائل مباشرة لواشنطن من قبل حلفائها حول حساسية هذا الأمر، وبالحد الأدنى طلب بعض التوضيحات من السفارة الأميركية حول مصير اللاجئين في لبنان، إذا حذت الدول حذو الولايات المتحدة الأميركية وزاد الملف عبئاً على لبنان..
هل هناك مَن يريد أن يأخذ الساحة السياسية المحلية نحو انفجار اجتماعي وأهلي مع الفلسطينيين؟ هل تركيع الفلسطينيين بغية توريطهم في أماكن النزوح هو ما يُعمل عليه؟ مَن المسؤول عن أي تداعيات في هذا الملف ولماذا لا يتقدم اصدقاء واشنطن في لبنان بدورهم بالسؤال حول هذا كله؟ ام ان الأمر لم يكن مفاجئاً وأن كل شيء يسير وفق الخطة المعمول بها المنسجمة مع صفقة القرن؟
في كل الأحوال تحرّك الدولة اللبنانية رسمياً بهذا الإطار هو أبرز ما يجب الجنوح نحوه في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الذين استخفوا مما سُمّي «فزاعة» التوطين صار اليوم أقرب للواقع والكلام لم يعد مجرد تكهنات من دون أرضية سياسية دولية وهي نسف القضية الفلسطينية بقيادة أميركية لينتهي التساؤل والتكهن.
مشكلة لبنان اليوم تتمثل بمخاطر تحوم فوق الوضع الأمني سريعاً. والمقصود أكثر البؤر إثارة للمخاطر والمشاكل والتعقيدات في لبنان وهي «المخيمات» ومسألة نسف هذه المخيمات التي بدورها تشكل رمزاً من رموز القضية ليس مستبعداً أبداً من أجل دمج الفلسطينيين في المجتمع اللبناني بدلاً من حصرهم في بقعة جغرافية واحدة، هي دليل ومعلم على حياة هذه القضية وتذكير لكل الوافدين الى لبنان من مسؤولين أجانب بـ «حق العودة».
فتح معركة فلسطينية لبنانية يصبح خطراً جدياً إذا تمّ التهاون بما يجري اليوم بشكل بطيء يشبه المسعى الأميركي بتصفية القضية. وبالتالي فإن أخذ الحذر من مغبة أخذ لبنان الى حرب مخيمات واشتباكات سيرتفع تدريجياً بكل مرة يزداد الخناق على عناصر القضية والفلسطينيين فيه، فكيف بالحال والبؤر الإرهابية تعيش ضمن هذه المخيمات وقادرة على تنفيذ أي مخطط او دور تخريبي يسند إليها من الجهات الخارجية الداعمة، والخارجية الأميركية أقرت بإعلانها التحذيري حيال رعاياها في لبنان أو ممن ينون السفر اليه، ذلك بلفت النظر الى امكانية ان تتقدم أعمال إرهابية في المخيمات وتندلع أحداث عنف في توقيت مفاجئ ضمن تحذير مفصل حيال الوضع الأمني في لبنان.
أحد الملفات القادرة على إرباك حزب الله هو الملف الفلسطيني المتداخل بالنسيج اللبناني. والمحاولات هذه كشفت عند محاولة زج اسم انتحاريين فلسطينيين في التفجيرات التي طالت الضاحية. وقد خرج الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ليحذر من مغبة اللعب على هذا الوتر بأي طريقة من الطرق. أكثر ما يثير الخوف محلياً هو الانقسام السياسي على هذه المحاذير التي عرف بها لبنان. واللافت اليوم رفع الأصوات التي تنادي بالابتعاد عن المواقف العنصرية تجاه النزوح تغطية لتمرير ملفات تشترك فيها جهات لبنانية هي نفسها التي ترفض العودة السريعة للنازحين السوريين ضمن هذا المنظار الإنساني، ليصبح الحديث عن حل شامل في المنطقة أقرب من أي وقت مضى، لكنه يخفي في طياته رغبة لدمج القضيتين معاً أي قضية النزوح الفلسطيني والنزوح السوري أو تجميدهما بانتظار الحل الشامل في المنطقة، بحيث ستوضع ملفات النزوح كلها على طاولة المفاوضات طالما أن ادارة ترامب قررت فتح الملف الفلسطيني بالتوازي مع الملف السوري أي تحريك القضية الفلسطينية.
الوطن البديل في الأردن كان أبرز ما عملت من اجله واشنطن مع الإسرائيليين. وهو الامر الذي عرض نظام الملك الأردني عبدالله الثاني للخطر. وحينها اضطر نتنياهو لزيارته واختفت الاحتجاجات الشعبية فجأة وعاد الهدوء وسحب الحديث عن إسقاط النظام الأردني. ومعروف ان الاردن اول من رفض الصفقة نظراً للعدد الكبير من الفلسطينيين الذي يقطن فيه. وما يعني ذلك من امكانية توسيع الدائرة وإبعاد اللجوء اليه. فهل بدأ العمل على خطة «ب» بعد سحب مشروع جعل الأردن وطناً بديلاً؟
الواضح والأكيد أن ترامب فتح الملف ولن يتوقف وما نقل السفارة الأميركية الى القدس واستتباعها بوقف تمويل الأونروا إلا تأكيد رفع القضية الفلسطينية الى سلم الاولويات وإن كل ما عداها في المنطقة من تسويات سيكون واقعاً ضمن الحل الشامل للقضية.