مآزق سعودية متتالية: هل ينتقل التصعيد من البصرة إلى لبنان؟

روزانا رمّال

في كل مرة يترافق فيها تشكيل الحكومة اللبنانية مع تعقيدات محلية تفرض الوقائع البحث عن الأسباب المباشرة لهذه العقبات، وما يعنيه ذلك من عرقلة لمهمة الكرسي الرئاسي «السني» بالحساب الطائفي المحلي البحت أو العرفي بإطاره المعهود ليشتبك التقدير مع طبيعة الصراع الإقليمي، خصوصاً أن التسليم لنفوذ سعودي على كرسي رئاسة الوزراء اللبنانية «طبيعي» في إطار البحث بارتباطات حزبية يفرضها التعاطي السياسي لتيار المستقبل مع المملكة، وبالتالي الكرسي الأكثر قدرة على فرض الحضور السياسي السعودي «السني» مقابل التنافس الشيعي مع سيطرة حزب الله وحلفائه في مجلس النواب. النفوذ الذي يكمن غالباً في تفعيل العمل الحكومي والتشكيل السريع يظهر اليوم أن الرياض لم تعطِ الضوء الأخضر لتمرير تشكيل حكومة طبيعية تترجم نتائج الانتخابات وتصبح على هذا الأساس حكومة الوحدة الوطنية مخرجاً ملائماً لتخطي أول نتائج الخسارة لها مع أنه طرح المنتصر «إقليمياً» اي حزب الله ومع ذلك لا ضغط على حلفاء الحريري لتقليص مطالبهم، بل بالعكس تشديد في التمسك بها، ما يضع الكرسي الاول الحليف للمملكة في عداد المجمّد او المعطّل بقرار مباشر منها، لكن لماذا؟

ليست المرة الأولى التي تتمّ فيها عرقلة التشكيلة الحكومية. فكانت حكومة الرئيس تمام سلام قد انتظرت 9 أشهر لتولد والظروف تتشابه وتترابط بانتظار تطوّرات إقليمية مباشرة تؤثر على الساحة المحلية، وحينها كان الاشتباك السعودي الإيراني في سورية في أوجه والمعارك في أكبر المحافظات أكثر احتداماً من أي وقت مضى. فانتظر لبنان حتى حسمت النتيجة وولدت حكومة تشارك فيها حزب الله مع باقي الوزراء وكانت مفاجأة في ذلك الوقت المحتقن طائفياً فتخطّى لبنان القطوع وواجه التفجيرات الإرهابية بعين العقل مبتعداً عن الوقوع في الفتن الطائفية المرجوة حينها.

تأخير تشكيل الحكومة اللبنانية أكثر ما يعود بالضرر على المملكة العربية السعودية لرمزيته، وهو إذا دلّ على شيء فهو على نقاط أساسية منها:

أولاً: عدم قدرة المملكة على الحسم الإيجابي أو السلبي لولادة تتناسب مع تطلّعاتها في لبنان.

ثانياً: انتظار وترقب الرياض لنتائج تطوّرات تمنعها من اعتبار الساحة اللبنانية في عداد المكاسب السياسية، فكيف بالحال بعد تراجع حلفائها انتخابياً ليصبح المأزق السعودي الإقليمي أوضح من أي وقت مضى، لكن لبنان لا يكفي وحده كمؤشر.

نظرة مباشرة على ما يجري بالعراق توضح أكثر، عمق المشكلة اللبنانية. فالعراق الذي أتمّ الاستحقاق الانتخابي بالتوازي مع لبنان ينتظر حتى اللحظة حسن مشهد الأكثرية السياسية ليتبين أن السعودية وحلفاءها في العراق أيضاً على المحك، لأن القوى العراقية لم تتمكن حتى اللحظة من استجلاب الحسم المتمثل بـ»بيضة القبان» الجنبلاطية على الطريقة اللبنانية والتي تتمثل، حسب مصدر سياسي رفيع لـ»البناء» بالأكراد الذين يتحمّلون اليوم مسؤولية كبيرة في رسم المشهد السياسي العراقي بعد تحريره من الإرهاب وهم معنيون من نواحٍ عديدة وكانوا رأس حربة الصراع الأخير، لكن ارتباطاتهم المتداخلة مع الأميركيين والروس وانقسامهم تجعل المشهد أكثر تعقيداً وتعزز إمكانية اللجوء الى مخاطر محلية تقلب الساحة. وها هي «البصرة» تؤكد أن التعقيدات السعودية ممتدة أبعد من لبنان وأن الاحتمالات مفتوحة على تفجير الأوضاع لحسم النتائج.

الأمين العام لجماعة «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي يتحدّث عما يجري في البصرة من حرق المقار والممتلكات العامة، معتبراً أن مَن يقوم بهذا العمل هم من أسماهم « المتحزبون» وأن المراد من كل هذا هو إشعال نار الاقتتال الداخلي الطائفي وإيقاع اصابات من قتلى وجرحى تستدرج لفتنة طائفية وأهلية، مضيفاً «لقد أعطينا توجيهات منذ اندلاع هذه الأحداث لفهمنا المشهد وغاياته أن اليوم الاول يجب التحلي بمستوى الشجاعة في تفويت الفرصة على الانقسام ليتبين مستوى الوعي وتفويت الاقتتال الداخلي، مضيفاً أن كل الصورة عبارة عن «أجندة سياسية معينة من ورائها صراع سياسي. والدليل أن مقار كتلة معينة أبداً لم تمس ومقار كتلة منافسة أحرقت وقنصليات معينة أحرقت والعكس. وإذا كان السؤال عن المواجهة ممكناً، فان الجواب اننا مستعدون للمواجهة برلمانياً وسياسياً، إذا كانت معركة سياسية ولكن إذا كان الامر تظاهرات فنحن قادرون على تحريك تظاهرات أكبر».

كلام الخزعلي واضح لجهة اعتبار حلفه أن هناك من يأخذ الأمور نحو التصعيد وتقليب المشهد لتغيير المعادلة السياسية، وأن الموضوع هو تنافس سياسي وتشكيل الكتلة الأكبر وتحالفاتها.. تتكشف طريقة معالجة الحشد الشعبي أو حلفاء يران للضغوط التي يتعرضون عليها يوماً بعد الآخر في اطر المعالجة. وهناك شبه واضح ممتدّ من العراق حتى لبنان بما يتعلق بحزب الله الذي يراهن على الحفاظ على الهدوء والابتعاد عن التصعيد منعاً لوقوع فتنة او تعزيز مشهد الانقسام، لكن هذا يأخذ نحو مخاوف جدية حيال لبنان. وإذا كان هذا الارتباط دليل المأزق السعودي في العراق ولبنان، واليوم في إدلب وهو مأزق سعودي أميركي بالمعنى الواسع. وإذا كان التصعيد هو سيد الموقف في البصرة العراقية، فهل هذا يعني ان المواجهة الداخلية في لبنان قد تكون جدية؟ ماذا عن تحذير بيان الخارجية الأميركية الأخير من الوضع الامني السيئ المرتقب في لبنان وعن احتمال وقوع تظاهرات شعبية احتجاجية؟

ربط الأمور يأخذ الى عدم نفي أي احتمال من هذا النوع. وإذا كان التهديد اليوم بالمحكمة الدولية قد أخذ أمين عام حزب الله على الدعوة الى عدم «اللعب بالنار»، فإن هذه النار التي طرقت باب البصرة بعنوان احتجاجات مطلبية غير بعيدة عن لبنان المنفجر اقتصادياً والجاهز لأرضية مماثلة بحال قرر اللاعبون الدوليون التصعيد. وفي كل يوم يزيد عن التأخر بتشكيل حكومة تأخذ الاصطفافات السياسية منحى تصعيدياً أكبر، ومنها فتح باب صلاحيات الرئاستين الاولى والثالثة على مصراعيها وأوحى تموضعاً باتجاهات ولقاءات فُهمت طائفية بين السنة والمسيحيين..

المحاولات لتفويت الفرص على سيطرة حلفاء إيران على المشهد الحكومي الإقليمي واضحة والأقوى يحسم هذا الخيار أخيراً.

اترك تعليقاً

Back to top button