المبعوث الأميركي يتجرّع السمّ على تخوم البصرة وسليماني يعتلي السرج في بغداد…
محمد صادق الحسيني
معلومات مؤكدة تثبت أنّ اللواء قاسم سليماني أحبط انقلاباً أميركياً كاد يمسك بخناق العراق الأسبوع الفائت، عندما تمكّن من تحييد الأكراد بجناحيهما الرئيسيين وإقناع السنة بغالبيتهم بأنّ مصلحتهم الوطنية تكمن في بغداد لا في واشنطن.
إذ كادت الكتلتان الكبيرتان المنتصرتان الكردية والسنية في انتخابات العراق أن تسلّما توقيعاتهما النهائية للعبادي الغارق حتى أذنيه في اتفاق أميركي طويل الأمد يخرج العراق من محور المقاومة، مقابل ضمان ولاية ثانية له، لولا وصول الجنرال سليماني على عجل للعاصمة العراقية بغداد.
لقد كانت ليلة أشبه بليلة زحف داعش والغبراء على أربيل! حيث كانت إرادة المبعوث الأميركي تقضي بالتهديد والوعيد واستخدام القوة عند اللزوم: إما العبادي او خراب البصرة، ولما فشل الانقلاب الأبيض الذي خططوا له في ظلمات السفارة وفشل العبادي في انتزاع الغالبية البرلمانية بقوة التهديد الأميركي أطلق الأميركيون العنان لعملائهم ليلة حريق البصرة الطويل!
لكنّهم نسوا انّ الحشد الشعبي يكمن لهم هناك ومن بوابة الشهداء بالمرصاد، إذ كانت الخطة استدراج عملاء السفارة وسيدهم الأميركي للعب بالمكشوف بأوراقه البائدة منها والحديثة العهد. وهكذا كان الإحباط الثاني لمخطط الفتنة العراقية العراقية على ارض الفيحاء…
لكنها ليست كالفتن التقليدية التي عرفتها ساحات الحرب الناعمة بيننا وبينهم. كان خيارهم هذه المرّة في العراق، الفتنة الشيعية الشيعية والتي قرّرت واشنطن اللجوء اليها بتشجيع الراعي «الإسرائيلي» ودفع مفتوح من البقرة الحلوب…
من إيران إلى لبنان إلى العراق إلى اليمن ودائماً سورية التي تتقدّم بكلّ تؤدّة واطمئنان في الحرب العالمية على الإرهاب كانت مشاريع الحروب والفتن العرقية والمذهبية والطائفية المتنقلة تتساقط أمامهم، فما كان من المستكبر والعنجهي الأميركي المتقهقر إلا إعلان استنكافه لنتائج صناديق الاقتراع العاكسة موازين تحوّلات الميدان!
وفي ما يخصّ البداية التي أرادوها من العراق تحديداً فقد أكدت المصادر الوثيقة الصلة بالشأن العراقي لنا بأنّ عجز الأميركي عن الحصول على ما يريده من صندوق الاقتراع هناك، هو الذي دفع به لتبني مشروع الانقلاب الأبيض الناعم على العملية الديمقراطية بسلاح الفتنة الشيعية الشيعية هذه المرة، ولكن بظاهر إصلاحي وباطن هدام تنفذه على الأرض بقرته الحلوب!
مصدر دبلوماسي واسع الاطلاع في بغداد قال لنا: انّ ما جرى ويجري في العراق إنما هو مخطط أميركي سعودي لإحراق كلّ العراق وليس البصرة وحدها. والأمور تتجه فيما لو نجح المخطط نحو التصعيد والفلتان أكثر وانتقال الحريق الى النجف الأشرف وكربلاء وسائر المحافظات العراقية.
والهدف هو الانتقام من العراق في حشده المقدّس وشعبه المحتسب، بعد رفضه الابتعاد عن محور المقاومة، وتمنّع المرجعية الرشيدة عن ترك العراق لقمة سائغة للمعسكر الأميركي السعودي «الإسرائيلي».
وفي هذا السياق فقد أكد مصدر استخباري متابع للشأن العراقي بأنّ الاتفاق الذي كاد ان يطيح بالعملية السياسية العراقية الاسبوع الفائت هو ما يلي:
1 ـ اتفق رئيس الوزراء العراقي الحالي مع الأميركي والبريطاني المخابرات أن يقدّموا له الدعم لتوليه رئاسة الحكومة العراقية المقبلة مقابل أن يعمل على دمج العراق في المخطط الأميركي الرامي لمواجهة إيران في العراق بشكل خاص، وفي المنطقة بشكل عام.
2 ـ قطع لهم وعداً بأن يقوم، في حال توليه رئاسة الحكومة، وبصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، بإبعاد الحشد الشعبي عن الحدود العراقية السورية.
3 ـ كما تمّ الاتفاق بينه وبين الأميركيين على تسليم أمن الطرق الدولية بين العراق وكلّ من الأردن وسورية لشركات أمنية أميركية، وذلك لضمان إنهاء سيطرة الحشد الشعبي على طرق الإمداد من إيران الى سورية.
4 ـ قدّم له الأميركيون وعداً بتحييد داعش في العراق بالتوازي مع الخطوات التي ينفّذها العبادي في مواجهة إيران.
في المقابل يجزم المصدر الآنف الذكر بأنّ الحلف الأميركي البريطاني لن يستطيع فرض شروطه المتعلقة برئاسة الحكومة العراقية المقبلة ورئيسها، وذلك بسبب إمساك القوى الحية والمقاومة في العراق بتلابيب المجتمع والدولة، بالإضافة الى تطويقها العاصمة بغداد بأحزمة عدة قادرة على وأد أي تحرّك معادٍ لطموحات الشعب العراقي!
هذا كما يجزم المصدر نفسه بأنّ المتابعين للشأن العراقي من الإيرانيين باتوا ممسكين بأغلبية خيوط اللعبة السياسية في العراق وأنّ مَن سيعتلي السرج هناك في النهاية كما يقولون لن يكون سوى الجنرال الحاج قاسم سليماني وليس المبعوث الأميركي بريت ماكغورك.
أيضاً يعتقد المصدر جازماً بأنّ الحاكم المقبل للعراق لم يعُد بقوة جواز السفر الأجنبي الثاني الذي يحمله، كما كان قد خطط بريمر وإنما بجواز سفره الأول وهويته الوطنية العراقية، لا سيما أنّ النتيجة النهائية للصراع على المنطقة قد حُسمت نهائياً لصالح تحالف محور المقاومة.
وإذا كان ثمّة في الغرب مَن يفكر بالانقلاب على العملية السياسية بعد شعوره بالخذلان والإحباط من العراقيين، فإنّ عليه أن يعلم أنّ صبر نحو عقدين من الزمن على انتهاكاته، بات اليوم أقوى من أن يقبل بانقلاب أبيض ناهيك عن انقلاب عسكري، وقادر على تسلم السلطة مباشرة بأيدي رجال عملوا وأعدوا لمثل هذا اليوم!
وكلّ الشواهد والقرائن والإشارات المتحرّكة بين بغداد والنجف الأشرف وبالعكس، تشير إلى قرب انتهاء عملية إحباط الانقلاب الناعم الأميركي الأول الذي بدأ بإقالة رئيس الحشد الشعبي ولم ينته بالبصرة تماماً، وأنه لم يبقَ سوى عملية التظهير المطلوبة ووضع اللمسات الأخيرة على نجاح عملية استعادة زمام المبادرة من «الانقلابيين» الذين خسروا مقام كتابة الرواية بعد أن أضاعوا شرف تذوّق شهد الولاية.
اعقروا الجمل الأميركي في بغداد يرتاح العراق، العراق كله.
بعدنا طيبين، قولوا الله…