فعل «الكيمياء» بين نتنياهو وترامب

روزانا رمّال

في الوقت الذي تتطور فيه الاحداث الدولية والإقليمية بشكل متسارع لا تزال الملفات الاكثر تعقيداً تلوح في أفق الغرف السياسية الدولية القادرة على فضّ الاشتباك الكبير بالمنطقة والإسراع في الدخول بساعة صمت للسلاح لصالح السياسة وأهلها إلا انه في كل مرة تتقدّم هذه المساعي منذ مرحلة الثنائية الأميركية الروسية الأكثر إنتاجية «كيري لافروف» حتى اللحظة لا تنفك الملفات تفتح بشكل متعاقب بدون إمكانية الفصل، لهذا تبدو التعقيدات مترابطة والحلول على «القطعة» مع احتمالات التعديل حتى.

السؤال عن وضع صفقة القرن نصب الأعين طبيعي ومشروع، في الوقت الذي كان لا يزال فيه العالم العربي يلملم ذيول ما سُمّي بالربيع العربي. وفي الوقت الذي تستعد الدول الإقليمية للمباشرة باحتساب ما كان لها وما صار عليها من تبني هذه المشاريع، صارت لزاماً عليها متابعة شؤون النازحين الفلسطينيين فجأة وما عصف بالقضية الفلسطينية فجأة وما حل بها من تدهور درامي على مرأى ومسمع كل المعنيين والمتأثرين بتطوراتها والبدء بالبحث في أسباب قطع الولايات المتحدة الأميركية المساعدات عن الاونروا التي لطالما أغاثت النازح الفلسطيني في محنته. وقبل كل هذا نقل الأميركيين سفارتهم الى القدس واعلانها عاصمة لـ»إسرائيل» ووقف تمويل المستشفيات الفلسطينية في القدس. واليوم قرار الإدارة الأميركية الجديد القاضي بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن الذي اعتبرته الحكومة الفلسطينية «إعلان حرب على جهود إرساء أسس السلام في المنطقة، وإعطاء ضوء أخضر للاحتلال الإسرائيلي في الاستمرار بتنفيذ سياساته الدموية والتهجيرية والاستيطانية ضد الشعب الفلسطيني وأرضه».. اما منظمة التحرير فقد اعتبرت ان هذا القرار هو نفاق أميركي وانحياز صارخ لحكومة الاحتلال الإسرائيلية اليمينية المتطرفة وانه لن يثنيها عن التصدّي لصفقة القرن وعن مساعي القيادة الفلسطينية في التوجّه الى المحكمة الجنائية الدولية لمعاقبة «إسرائيل» على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني وسياساتها المستمرة والدائمة بانتهاك القانون الدولي الإنساني والقرارات الدولية واستهتارها بالموقف الدولي المساند للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.

لكن اللافت للنظر أن كل هذا أخذته واشنطن على عاتقها بالريادة والقيادة وتمريره كأمر واقع امام أعين حكومات العالم ليصير السؤال حول شكل العلاقة الأميركية الإسرائيلية في هذه الأيام بديهياً، وعن مستوى التطور الطارئ والسؤال المرتبط ايضاً بمدى إمكانية هذا التنسيق الكبير على ان ينسحب على باقي الملفات، خصوصاً تلك المتعلقة بإيران، وبالتالي إمكانية ان تستفيد الولايات المتحدة الأميركية قدر الإمكان من الصراع السعودي الإيراني في المنطقة وتسعيره خدمة لـ»إسرائيل» خصوصاً أن الرياض لا تمانع أي تقاطع بالمصالح مع «إسرائيل» تحقيقاً للهدف، حتى ولو كان الأمر تهديداً لعملية السلام برمّتها. فالسعودية التي تبدو عاجزة عن إنقاذ الفلسطينيين الذين استندوا إليها، خصوصاً منظمة التحرير وفتح والحكومة وكل مرافقها الشرعية هي اليوم بحكم المتفرّج أو العاجز والمشارك بالنسبة للكثر ممن اعتبروا صفقة القرن اليوم ما هي إلا جواز سفر يمرّ تدريجياً بختم سعودي، على الرغم من التصريحات العلنية الرافضة الآتية من الرياض وباقي دول الخليج لاعتبار وحيد هو استحالة تمرير أي موقف من هذا النوع الخطير بدون «غطاء» عربي والثمن هو «محاربة إيران»!

كل هذه التساؤلات كان قد أجاب عليها الكاتب الاسرائيلي «يوري أفنيري» المعادي لسياسة نتنياهو والذي رحل منذ أقل من شهر في احد مقالاته الهامة التي تحدث فيها عن «الحظ» الكبير الذي يتمتع به نتنياهو هذه الأيام وأنه بالنسبة للإسرائيليين أقوى رؤساء الحكومة وأكثرهم قدرة على التماسك وحماية صورة «إسرائيل»، متسائلاً عن هذا الحظ الذي ترافق واياه حتى قدوم رئيس على غرار شخصية وطباع الرئيس دونالد ترامب ليحكم الولايات المتحدة الأميركية وتكتمل لعبة الحظ والكرة التي تكبر يوماً بعد الآخر. وأضاف افنيري ان الوضع الجيد الذي يتمتع به نتنياهو محلياً يجعل كل خصومه السياسيين في أضعف مراحلهم. واليوم كل شيء يمرر بسلاسة لصالح الدولة الصهيونية لكن هذا اي «الحظ « لن يدوم طويلاً، حسب الكاتب وسوف ينقلب على نتنياهو.

بالواقع إن الكيمياء التي تجمع الرجلين بن يمين نتنياهو والرئيس دونالد ترامب كبيرة جداً وهم على توافق مهني وسياسي وعائلي وايديولوجي حول أهمية حماية الدولة العبرية وتكريس يهوديتها على أرض فلسطين. الأمر الذي لم يكن الرئيس الديمقراطي باراك اوباما يشاركه بها وجعل العلاقة مع نتنياهو في أسوأ مراحلها من تاريخ العلاقة بين واشنطن وتل ابيب، إذ كان الرئيس الأميركي السابق اوباما يواظب على وصف نتنياهو «بالمتعجرف» ولا يستسيغ التعامل معه، ما جعل الأميركيين حينها يتقدمون باتجاه تفاهم تاريخي مع إيران وهو الاتفاق النووي مع الدول الخمس زائداً واحداً الذي أتى ترامب لنسفه والانسحاب منه من الجهة الأميركية بطلب إسرائيلي حثيث.

الكيمياء التي تجمع بين ترامب الجمهوري ونتنياهو ليست وحدها القادرة على تجميع كل عناصر التقدم نحو دفن عملية السلام وتمويت القضية الفلسطينية وتخدير العرب إنما تهديدات يتعرّض لها ترامب محلياً منذ ان تسلم زمام الرئاسة تتعلق بمحاسبته وسحب مهامه لصالح نائب الرئيس مايك بنس، بما يتعلق بذيول العلاقة مع روسيا وتدخلها في إنجاحه بالانتخابات الرئاسية لتجتمع الكيمياء الممتازة وباقي العناصر على فلسطين وأهلها على مرأى ومسمع من الدول العربية كلها وترتفع اثرها قضية شيطنة إيران وحلفائها بالمنطقة الى أعلى المستويات من العراق لليمن ولبنان مع فتح الاحتمالات للمواجهة كافة.

اترك تعليقاً

Back to top button