من واشنطن سابقة دبلوماسية سعودية خطيرة باتجاه محكمة الحريري؟

روزانا رمّال

هو ليس سفيراً عادياً من سفراء المملكة العربية السعودية لا موقعاً ولا كنية. فهو حد أبناء الملك سلمان بن عبد العزيز، والأخ «الشقيق» للأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، يشغل منصب سفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة الأميركية، وقد عيّن « بأمر» ملكي في 22 نيسان 2017 سفيراً للسعودية في واشنطن هو «خالد بن سلمان..».

وفي الوقت الذي ينتظر فيه اللبنانيون بريبة تأخير التشكيلة الحكومية بين تراشق التهم والتهم المتبادلة تبرز أعمال المحكمة الدولية التي أخذت حيزاً من اهتمام أصحاب الخلاف السياسي بشقيه القديم والجديد قوى 14 و8 آذار ويرتفع منسوب التصريحات المتشنجة ويسند الملف وتأخيره الى انتظار لتطور خارجي ما مرتبط بالعراق أو سورية وما وراءهما من حسابات المحاور، يطلق السفير السعودي في واشنطن خالد بن سلمان تعليقاً على تويتر في سابقة خطيرة لمن يصنّفون دبلوماسيين لا يفترض استصراحهم من دون موافقة وزارة الخارجية التي ينتمون إليها. وبحالة الدبلوماسي الشاب خالد بن سلمان فإن موقفه ليس الا موقف دولته ومرجعيته السياسية. وهي ليست وزير الخارجية عادل الجبير بطبيعة الحال، بل شقيقه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي. فالدبلوماسي الأمير المنضمّ الى القوات الجوية الملكية السعودية كـ «طيار» قام بمهام جوية ضد تنظيم داعش كجزء من التحالف الدولي.. كما قام بمهمات في أجواء اليمن كجزء من عملية عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل تحت أمرة أخيه ولي العهد ليُعيّن لاحقاً في مكتب وزير الدفاع أي شقيقه بعد انتهاء مهام الطيران ليصبح بعدها ذلك مستشاراً مدنياً رفيع المستوى في وزارة الدفاع السعودية عند انتهاء خدمته العسكرية. قبل أن ينتقل في أواخر عام 2016، إلى الولايات المتحدة ويعمل مستشاراً في سفارة المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة كما تنشر سيرته العملية.

كلام السفير السعودي حيال لبنان جاء على محكّ الأزمة ليؤكد طبيعة الموقف السعودي من جهة والضغط السياسي على القوى المحلية المؤيدة لها، أبرزها تيار المستقبل بالمسألة في قوله «بعد 13 عامًا من اغتيال الرمز العربي الكبير الرئيس الشهيد رفيق الحريري – رحمه الله – وباسل فليحان ورفاقهما، جدّدت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اتهامها لأربعة أعضاء مما يُسمى بحزب الله، ولا يزال قاتلوه أحراراً مستمرّين في اختطاف سيادة وعروبة لبنان، ورهنه في أيدي نظام طهران».

وتابع: «على المجتمع الدولي أن يتكاتف لتحميل قاتلي الشهيد الحريري – رحمه الله المسؤولية، ومعاقبتهم، ووضع حد لسلسلة الاغتيالات السياسية التي دأبت أنظمة الغدر والدمار على استخدامها في تدمير أوطاننا، ونشر الفوضى فيها».

كلام إبن سلمان يقرأ كلاماً تحريضياً بامتياز ليس لجهة موقف السعودية المعروف من حزب الله، إنما لجهة تعميق الانقسام في الشارع اللبناني وإرخاء أجواء دعم لأي فتنة قد تنجم عن قرار يؤيد الموقف السعودي من القضية. وهذا من شأنه التأثير على عمل المحكمة وتسييسها من جهة، ومن شأنه أيضاً التأثير على عائلة الحريري والضغط باتجاه تقبل نتيجة من هذا النوع، لطالما حاول الحريري الحديث بشكل إيجابي لا يعرف أي نوع من مفردات الثأر والتوعد التي تحدث عنها إبن سلمان. وهو إبن الرئيس رفيق الحريري الأولى ببث التهم.

اللافت في هذا الإطار نسف السعودية أي نوع من معايير الاحترام لسير المحاكم الدولية وللأمم المتحدة ومفاهيمها، لأن الإيحاء باتهام أي جهة من الجهات قبل صدور النتائج إنما يعني انتهاكاً صارخاً لعمل المحكمة الدولية وعدم احترام النتائج والحكم عليها مسبقاً.

الأخطر على الساحة المحلية هو ما يُخفيه كلام إبن سلمان في طياته. وهو ارتهان لبنان في المرحلة السياسية الحالية إلى إيران. وهو تلميح الى كلام اللواء العسكري قاسم سيلماني بأن هناك 74 نائباً أفرزتهم الانتخابات النيابية الاخيرة وهم حزب الله وحلفاؤه أي ان المرحلة السياسية التي تعتبر بالنسبة للسعودية هزيمة محلية، ربما تأخذها نحو شرعنة التصعيد في لبنان بشكل تلقائي. وهذا ما يأخذ البلاد نحو احتمالات وخيارات واسعة الأفق.

عرقلة تشكيل الحكومة في ظل أعمال المحكمة الدولية هي محاولة سعودية حثيثة اليوم باعتبار أن ورقة المحكمة ممكن التأسيس عليها لتهديد إيران من خلال القضية. وبالتالي فإن الضغط على المحكمة الدولية أميركياً صار طبيعياً بتوحّد الهدف، وهو استهداف النظام الإيراني كما يصرّح بولتون وتعزيز ملفات الإرهاب وتأطيرها باتجاهه ولبنان حيث أحدثت إيران وحلفاؤها انتصاراً سياسياً هو ساحة مناسبة لهذا الأمر.

ربما يكفي كلام صادر عن العائلة المالكة السعودية للاعتراف بالهزيمة السعودية محلياً، إلا ان هذا يعني فتح أبواب التعنت السياسي الكبير من قبل حلفائها. فلا شيء يبرر عند السعوديين تسليم البلاد لانطلاق عجلتها بشكل طبيعي أو انطلاق عهد «سيطرة حزب الله» السياسي وإمساكه بزمام الأمور. وكل تأخير يصبّ في هذه المصلحة طالما لم يحدث حتى اللحظة أي خرق إقليمي يؤدي الى إطلاق عملية التشكيل.

السابقة الدبلوماسية من خالد إبن سلمان بما يتعلّق بموقف حول المحكمة الخاصة بالحريري وإطلاقه موقفاً باتجاهها يؤكد متابعة المملكة الجدية لأعمال المحكمة. وهذا إذ يعني شيئاً أو يدل عليه، فهو متابعة واهتمام سعوديان بالقضية من أجل الاستثمار السياسي.

اترك تعليقاً

Back to top button