لبنان يتجاوز قطوع المحكمة الدولية… وتقرير الادعاء يثير السخرية القانونية توقّعات بتنشيط اتصالات تشكيل الحكومة قبل نهاية الشهر بتعديل المسودة الحريرية
كتب المحرّر السياسيّ
وضعت واشنطن في التداول بين حلفائها في أوروبا والخليج مشروعها للحل السياسي في سورية، ونص البند الأول على «الأهداف السياسية» وتضمن 6 شروط تتعلق بـ«عدم رعاية الحكومة السورية للإرهاب أو توفير ملجأ آمن للإرهابيين» و«إزالة جميع أسلحة الدمار الشامل» و«قطع العلاقات مع النظام الإيراني وميليشياته» و«عدم تهديد الدول المجاورة» و«توفير ظروف لعودة اللاجئين في شكل طوعي بانخراط للأمم المتحدة» و«محاسبة ومطاردة مجرمي الحرب» أو التعاون مع المجتمع الدولي، بينما نصّت الوثيقة على 6 مبادئ، الانخراط مع الأمم المتحدة إزاء الإصلاح الدستوري، بينها أن تناقش الإصلاحات «صلاحيات الرئيس بحيث تعدل لتحقيق توازن أكبر لضمان استقلال السلطات المركزية الأخرى والمؤسسات المناطقية»، وربطت الوثيقة عمليات إعادة النازحين وإعادة الإعمار بشراكة الأمم المتحدة، وانطلاق المسار السياسي، لكن اللافت في الوثيقة التي تختلف عن المقاربتين الروسية والسورية في عدد من النقاط، أنها لم تتضمن اي إشارة لدعوات أميركية سابقة لرحيل الرئيس السوري، ولم تربط الحل السياسي ببحث مستقبل الرئاسة السورية، ما وصفته مصادر متابعة تسليماً مسبقاً بانتصار الرئيس السوري، رغم حملة التصعيد والتهديد التي تتصل أميركياً بالمعركة حول إدلب.
في توقعات معركة إدلب نشر معهد واشنطن تقريراً يتحدّث عن خوض المعركة على مراحل، معتبراً أنه «سيكون من الأسهل على الجيش السوري الاستيلاء على سهل الغاب والمناطق المنخفضة حول جبل الزاوية، حيث يمكن للقوات الجوية والمدرعة أن تسحق دفاعات المتمرّدين. وبعد ذلك، يمكن أن تتلاقى القوات السورية الآتية من الغرب مع تلك القادمة من أبو الظهور للاستيلاء على معرة النعمان، الأمر الذي يؤدي إلى تجزئة جيب إدلب إلى نصفين، أما المتمرّدون الموالون لتركيا في الجنوب فسيجدون أنفسهم محاصرين ومجبرين على الاستسلام، وربما مع عرض للجوء إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا مثل عفرين أو جرابلس».
وقال التقرير إن المرحلة الثانية ستكون إدلب والمرحلة الثالثة ستطال الشريط الحدودي مع تركيا، حيث يمكن أن يؤدي ذلك لتأزم العلاقات التركية الروسية وتقديم فرصة لواشنطن لترميم العلاقة بأنقرة، متوقعاً في النهاية انتصار الجيش السوري وروسيا، مرفقاً خرائط بيانية للتوقعات والمراحل.
لبنانياً، انتهت عملياً حتى شهر شباط المقبل الوظيفة السياسية للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعدما أنهى الادعاء العام في المحكمة تقريره ومناقشاته ومرافعاته، وتسبب الادعاء بإضعاف مهابة المحكمة وصدقيتها، ما سيفرض على القضاة تبني بعض النقاط التي سيثيرها الدفاع، كما تتوقع مصادر قانونية متابعة لاسترداد بعض الصدقية التي تعرّضت للسخرية مع بيان الإدعاء الذي كان يفترض أن يضع مقدمة مفصلة تشرح سياق التحقيق، بمناقشة كل الفرضيات السياسية والجنائية، وأبرزها أن يكون الاغتيال موجهاً لفتح حرب استنزاف ضد سورية وحزب الله، بالتمهيد للسيطرة السياسية على لبنان وإخراج سورية ومحاصرة حزب الله عبر توجيه أصابع الاتهام نحوهما، ومناقشة هذه الفرضية قبل اعتماد الفرضية التي تنطلق من تبنٍّ مسبق لاتهام حزب الله وسورية، ومن واجب الادعاء كان أن يناقش قضية شهود الزور من الزاوية الجنائية لما تثيره من شبهة كافية للتحقيق في دور مَن صنعهم ورعاهم في عملية الاغتيال، طالما أنه سعى لأخذ التحقيق باتجاهات مفبركة، ووفقاً للمصادر القانونية، جاء الاعتماد على دراسات لتحرّكات الشبكات الهاتفية أقرب للعبة الكترونية بات معلوماً أنه بمستطاع خبراء تقنيين عاديين فبركتها، ومَن فبرك شهود الزور يفعل ذلك مجدداً، بينما لم يحمل الادعاء أي جديد على مستوى تقديم دليل مادي واحد يمنح صدقية للاتهام.
قالت المصادر القانونية إن هشاشة تقرير الادعاء يفسر التفاعل الباهت لبنانياً مع أعمال المحكمة، كما يفسر عقلانية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، الذي تقول مصادر على صلة بالملف الحكومي إنها تتوقع عودة الاتصالات بين الحريري ورئيس الجمهورية للتداول بتعديلات للمسودة الحكومية التي قدّمها الحريري، قبل نهاية هذا الشهر طالما أن مداولات المحكمة ستنتهي خلال الأسبوع المقبل، وما بقي منها سيكون مخصصاً للدفاع، والرد على بيانات الادعاء.
هل ينجح الحريري بإقناع القوات؟
لم تخرج عملية تأليف الحكومة من دائرة المراوحة، إذ لم يشهد بيت الوسط أيّ حركة سياسية لافتة على خط تذليل العقد الثلاث أمام ولادة الحكومة الجديدة، وسط ترقب للخطوات التي سيقوم بها الرئيس المكلف لتزخيم المشاورات مع حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي يليه لقاء مرتقب مع رئيس الجمهورية قبل سفر الأخير الى نيويورك.
ويدور حراك الرئيس سعد الحريري المتوقع خلال الأيام القليلة المقبلة حول نوعية الحقائب، وليس على توزيعها، بحسب ما قالت مصادر مطلعة في تيار المستقبل لـ»البناء»، مشيرة إلى أن «الحريري لا يستطيع تعديل الحصص، لكنه سيحاول مع القوات ايجاد مخرج للحصة القواتية كأن تنال 3 حقائب ووزارة دولة لكن السؤال أي حقائب ستنال؟ إذ إن القوات لن تقبل بالحقائب التي يفرضها عليها التيار الوطني الحر، وبالتالي أي تنازل عن الحقيبة الرابعة سيقابله تعويض بنوعية الحقائب الثلاث كحقيبة سيادية أو أساسية كالاتصالات أو الطاقة». وتضيف المصادر أن «الرئيس المكلف قدم أكثر من صيغة الى رئيس الجمهورية، لكنه رفضها نزولاً عند رغبة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالسيطرة على الحكومة»، متسائلة عن مدى جدية التيار بالتنازل عن وزير كي تصبح حصته مع الرئيس عون 10 وزراء»، ووصفت المصادر «العلاقة بين الرئيسين ميشال عون والحريري بالعادية».
وقد رفع رئيس جهاز الإعلام والتواصل في» القوات الللبنانية» شارل جبور سقف المطالب، مشيراً الى أنه «من حق القوات اللبنانية الطبيعي أن يكون لها 5 مقاعد وزارية وحقيبة سيادية». وأشار جبور، في حديث تلفزيوني، الى أنهم «يحاولون إحراج القوات لإخراجها من الحكومة »، منوّهاً إلى أن «القوات قدّمت التسهيلات الممكنة واللازمة والجانب الآخر هو وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل الذي يجب ان يقدم التسهيلات». وأشار الى ان «الكرة اليوم بملعب رئيس الجمهورية ميشال عون »، موضحاً ان «القوات يمكنها التفكير جدياً بالرباعية اما من خلال حصولها على حقيبة سيادية ام حقيبة الطاقة وخارج ذلك لا يمكن للقوات ان تفتح باب التفاوض مجدداً».
في موازاة ذلك، تحدثت معلومات عن دخول فرنسي على خط الأزمة الحكومية عبر مبادرة سيحملها الى لبنان قريباً مبعوث الرئيس الفرنسي، وفي السياق استقبل الرئيس سعد الحريري أمس، السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه وبحث معه المستجدات والعلاقات الثنائية.
واغتنم رئيس مجلس النواب نبيه بري تهنئته المنتخب اللبناني بفوزه على المنتخب الصيني في كرة السلة، للحديث عن الملف الحكومي، فقال: «هي روحية العمل كفريق واحد والجهد الجماعي دائماً تثمر انجازات، مبروك للبنان هذا الإنجاز.. وحبذا لو نقارب أزمتنا السياسية الراهنة التي تكاد تدخل مرحلة الاستعصاء بالروحية والجهد الرياضيين نفسهما، حتماً عندها سنضيف إنجازاً للبنانيين وهو إنجاز بات مطلباً ملحاً لكل اللبنانيين، ومن الجريمة بمكان الإخفاق في إنجازه».
رهانات على المحكمة وإدلب!
غير أن لا بوادر حلحلة محلية ولا مؤشرات خارجية تشي بقرب ولادة الحكومة، إذ إن فريق 14 آذار لم يكِلُّ من الرهانات على أحداث إقليمية ودولية تنعكس لمصلحته في الداخل عبر تغيير في موازين القوى، وهذه الرهانات تتمثل اليوم في المحكمة الدولية والحرب المرتقبة في إدلب، علّ الحدث الأول يستدرج تدخلاً أميركياً وأممياً عبر مجلس الأمن الدولي للضغط على لبنان وحكومته لتسليم المتهمين الواردة أسماؤهم في المحكمة، فيسبب حرجاً كبيراً لحزب الله فيعمد الى التنازل مكرهاً في تركيبة الحكومة وسياساتها الخارجية، والثاني أن تستدرج الحرب العسكرية السورية والروسية والحلفاء على الإرهاب في إدلب عدواناً أميركياً عسكرياً على سورية.
وفي تماهٍ واضح مع المشروع الذي يُخفيه تحريك ورقة المحكمة الدولية تُذكر مصادر مستقبلية بأن «المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري أُنشئِت عبر قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع»، وتشير لـ»البناء» الى أن المحكمة بعد أن تصدر أحكامها النهائية ستعود الى مجلس الأمن لاطلاعه على ما توصلت اليه وتساءلت المصادر: ماذا لو أصدر مجلس الأمن قراراً يقضي بتنفيذ هذه الأحكام والطلب من الحكومة اللبنانية ذلك فهل يمكنها أن ترفض؟ وما هي التداعيات على المستوى الداخلي إن رفضت؟
في المقابل حذر مصدر مطلع في 8 آذار من أن المحكمة الدولية تشكل استمراراً للعدوان الخارجي على لبنان والمقاومة بعد انتصار محور المقاومة في سورية على الإرهاب والمشاريع الأميركية، مشيراً لـ»البناء» الى أن «لبنان قد يتحول ساحة تعويض لأميركا وحلفائها عن الهزيمة في سورية وغيرها من الساحات في المنطقة». ودعا المصدر جميع القوى الوطنية والحية في لبنان الى «الاستعداد لمواجهة المشروع الجديد الذي تحمله قرارات المحكمة على كافة المستويات السياسية والأمنية والعسكرية»، موضحاً أن الولايات المتحدة تريد إبقاء لبنان ساحة توتر وتهديد بالفتنة المذهبية لابتزاز حزب الله متسائلاً: «لأي هدف تنشِئ أميركا سفارة لها في لبنان بكلفة ملياري دولار؟ ولماذا تقوم بكل هذا الاستثمار في الجيش اللبناني؟». كما حذّر المصدر من «تحريك الارهاب النائم من جديد والعنصر الفلسطيني والنازحين السوريين في لبنان لتخريب الوضع الداخلي»، ورأى المصدر أن «الرئيس الحريري رغم موقفه الأخير من المحكمة، لكنه يخدم هذا المشروع من خلال المماطلة الفاضحة بتأليف الحكومة لإبقاء الساحة الداخلية مكشوفة سياسياً حتى يأتي الإيعاز الخارجي»، لكنه حذر من أن «لا مصلحة للحريري بالانخراط في هذا المشروع إذ لم يبق له غير رئاسة الحكومة بعد خسارته الأغلبية النيابية وموقعه في السعودية بعد احتجازه في تشرين الثاني الماضي وبعد تراجع قدرته المالية»، ودعا الى «أخذ تحذير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على محمل الجد».
وقال أحد المعنيين مباشرة بالمحكمة الدولية لـ»البناء» إن «المحكمة بُنيت على باطل منذ تأسيسها وحتى منذ تأسيس لجنة التحقيق الدولية. وبالتالي ما بُني على باطل فهو باطل»، وذكر بكلام رئيس المحكمة خلال سماع شهادة النائب اللواء جميل السيد دايفيد راي بأن التحقيقات مع الضباط الأربعة خالفت القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان ما يشكل إدانة واضحة الى لجنة التحقيق الدولية وإلى القضاء اللبناني آنذاك، مضيفاً لماذا لا يقوم رئيس المحكمة بمحاسبة القضاة اللبنانيين والدوليين المسؤولين عن هذه التحقيقات وتزوير الأدلة وشهود الزور؟ كما يذكر أحد الأمنيين المعنيين بالمحكمة بـ»السن» الذي وجِد في مسرح الجريمة والذي يشكل في العلم الجنائي الدولي أحد الأدلة القاطعة على مرتكب الجريمة، حيث تم نقل «السن» من لبنان الى ألمانيا ثم اختفى في أحد المختبرات، علماً أن الرمز الجيني يمكن له أن يحدد هوية الانتحاري حيث تبين بعد إجراء تحاليل أولية في لبنان بأن الرمز الجيني من منطقة صحراوية وليس لبنانياً، وبالتالي ليس سورياً، لأن الرمز الجيني للبنان وسورية واحد وبالتالي الأرجح أن يكون سعودياً، فلماذا تمّ إخفاء هذا الدليل، يسأل المصدر. ويضيف: لماذا رفضت السعودية وعشر دول أخرى التعاون مع المحكمة من بينها «إسرائيل»؟ ولماذا لم تفرغ هذه الدول محتويات وتسجيلات أقمارها الصناعية خلال التفجير؟ ولماذا قيل منذ حدوث الاغتيال بأن المتفجرة تحت الأرض واستبعاد فرضية الانتحاري؟ ويخلص المصدر بأن «المحكمة ليست الا أداة سياسية لخدمة مشاريع أميركا وإسرائيل».
من جهته، أشار نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في كلمة خلال الليلة الرابعة من محرم أنه «لولا هؤلاء المقاومين لما انسحبت إسرائيل من لبنان، ولما ركعت إسرائيل واعترفت بأنها هزمت في عدوان 2006، ولما كان للإنسان أن ينعم باستقرار أمني وسياسي عام في لبنان أمام هذه التطورات في المنطقة». وأضاف: «على الأقل اليوم إسرائيل قلقة على مستقبلها وتفكر دائماً كيف تتعاطى في مواجهة المقاومة، وتخشى أن تقدم على حرب تعرف أنها خاسرة وتحتاج إلى أدلة من أجل أن تربح بدل خسارتها. لذلك يجب أن ندعم المقاومة ونقويها بالعدد والسلاح والحضور السياسي والوقوف أمام كل من يواجه هذه المقاومة».
سجال الاشتراكي ـ العهد باقٍ ويتمدّد
في غضون ذلك، يبدو أن السجال السياسي العالي السقف بين الحزب الاشتراكي والعهد باقٍ ويتمدّد، فبعد بيان النائب وائل ابو فاعور، شن النائب مروان حمادة هجوماً لاذعاً على رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، فقال: «تعرفنا بالأمس إلى مجموعة من الرخويات السياسية والتربوية التابعة لتيار العهد الفاشل وهي أبعد ما تكون في أدبياتها عن التربية والأخلاق. شتائمهم لن تغير الوضع لا في وزارة التربية ولا على الصعيد الوطني». فردّ وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي ، في بيان ذكر فيه: ان «الرئيس عون، في ما يقول ويفعل، هو خارج مرمى السهام السامة التي تطلقها الجهات المأزومة سياسياً ووطنياً والتي يتكلم ماضيها عن حاضرها ومستقبلها وهي جزء من منظومات آيلة حتماً الى التفكك والزوال بمجرد ان يكسر الإصلاح حلقاتها الواحدة تلو الأخرى بمعرض مكافحة الفساد على أنواعه، وهم معروفون من الشعب اللبناني بأطيافه كافة».
على صعيد ملف النازحين السوريين، أعلنت المديرية العامة للأمن العام ، في بيان لها، بأنها «ستقوم بتأمين العودة الطوعية لمئات النازحين السوريين من مناطق مختلفة في لبنان إلى سورية عبر معبرَي المصنع والعبودية يوم الاثنين المقبل».