واشنطن تصعّد لكنها تستعدّ لما بعد الخسارة
ناصر قنديل
– في مناخ الرسائل العالية السقوف التي تصدر عن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سواء تجاه روسيا أو تجاه إيران، وخصوصاً تجاه سورية، تبدو إدارة ترامب واثقة من خسارة الجولة وتستعدّ لما بعدها. والواضح أن الضجيج يجري على كل المحاور، لكن الاشتباك الحقيقي في سورية وعنوانه إدلب، وأول الكلام اللافت هو حديث وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو عن اتهام القيادة الإيرانية بأنها تبيع المسلمين بالنفط. وفي التفاصيل يقول بومبيو إن إيران تساوم على مصير المسلمين في الصين وما يتعرّضون له، لقاء بيعها للنفط بكميات ضخمة للسوق الصينية. والكلام النابع من نفاق واضح يعرفه بومبيو الذي يدرك أن قضية المسلمين الأولى منذ قرابة قرن ولا تزال هي القدس، وأنه وفقاً لمقياسه، فبماذا يبيع الحكام المسلمون الذين يسيرون وراء أميركا، قدسهم وإسلامهم ومصير المسلمين؟ لكن بومبيو يعترف بكلامه ضمناً بأن واشنطن خسرت حرب العقوبات، لجعل مبيعات إيران من النفط صفراً كما قال سابقاً، وكما أكدت مندوبة واشنطن في نيويورك نيكي هايلي قبل يومين.
– الإشارة الثانية تقدمها الوثيقة المنشورة لمعهد واشنطن المعروف بدعمه لـ«إسرائيل» وتبنيه خيارات التصعيد ضد سورية وإيران، تتناول معركة إدلب المرتقبة وتنشر لها الخرائط، ومما تقوله الوثيقة، إن الهجوم الذي تستعد له سورية وحلفاؤها سيتم حكماً، وأنه سينجح حكماً أيضاً، متوقعة أن يستهدف حركة مزدوجة من الغرب والجنوب، ليتقاطع عند معرة النعمان، ويحكم سيطرته عليها وعلى جسر الشغور، ويقطع منطقة سيطرة جبهة النصرة والجماعات المسلحة إلى نصفين، ما يجعل مفاوضة النصف المحاصر عندها والمكوّن من جماعات محسوبة على تركيا، للانسحاب نحو عفرين وجرابلس، ليبدأ الهجوم الثاني بعد مفاوضات ستضطر بنيجتها تركيا للتجاوب مع دعوتها للانسحاب إلى ما بعد مدينة إدلب، حيث سيسهل دفع جبهة النصرة نحو الشمال قرب الحدود التركية، وإحكام السيطرة السورية على مدينة إدلب وجوارها، لتكون المرحلة الثالثة هي الشريط الحدودي مع تركيا والمرتبطة بمصير مفاوضات سياسية وأمنية، وعمل عسكري سيكون ساحقاً لإنهاء جبهة النصرة، وهذا السيناريو بمعزل عن قربه من الواقع أم لا يحمل تعبيراً سياسياً واضحاً بالتسليم بالفشل المتوقع للحملة الأميركية.
– الإشارة الثالثة حملتها الملخصات التي تتداولها جماعات المعارضة السورية لما سُمّي بالأفكار الأميركية للحل السياسي التي وزعتها واشنطن على حلفائها الغربيين والخليجيين ونالت تأييدهم، وفي الوثيقة الأميركية كثير مما تتضمنه المواقف التقليدية للإدارة الأميركية حول مطالبة سورية بالابتعاد عن إيران وحزب الله، وحول التخلص من كل أنواع أسلحة الدمار الشامل، لكن التركيز في الوثيقة يتناول ما تسمّيه بالإصلاحات السياسية وسياقها، وجوهر الوارد يتوزع على محاور أبرزها أولاً، هو تمسّك باللجنة الدستورية التي تستضيفها جنيف، وما يعنيه ضمناً من قبول لمرجعية روسيا في الحل السياسي، ولكن ليس مرجعية مؤتمر سوتشي، وثانياً ربط إعادة الإعمار بالتفاهم على الدستور الجديد والانتخابات، وثالثاً ربط الانتخابات وعودة النازحين بالرعاية الأممية. وهذه العناوين التي لا يمكن قبولها بالنسبة لسورية وروسيا وإيران، تبقى ذات طابع تفاوضي، لأن الجوهري الواضح هو عدم تناول مستقبل الرئاسة السورية في أي بند من الوثيقة، رغم ورود كلام أميركي قبل أيام عن ربط إعادة الإعمار بمستقبل الرئاسة السورية، ليصير النص في الوثيقة على تعديل صلاحيات الرئيس كبند من بنود الإصلاح. وهذا يعني تسليماً ضمنياً بأن الرئيس السوري سيكون المنتصر في المواجهة القائمة، وأن التمهيد يجري للتأقلم مع هذه الحقيقة كأمر واقع بعد نهاية جولة المواجهة.
– ما يجري من العراق إلى اليمن إلى سورية إلى لبنان يقول إن محور المقاومة وروسيا يقتربون من ساعة النصر الحاسم، وأن الأميركي يستعدّ للتأقلم مع ما يستطيع ابتلاعه من النتائج، وفتح التفاوض على ما تبقى، لكنه كما نرى ونعيش هذه الأيام، تفاوض على صفيح ساخن.