الخليج ضحية الأميركيين.. وأنظمته

د. وفيق إبراهيم

يبالغ السعوديون والإماراتيون في لعب دور «رأس حربة» الحرب الأميركية ـ الإسرائيلية على إيران. وينثران أموالهما في شراء الدول الأفريقية للحدّ من نفوذ الصين الكبير وتقدم تركيا.. وتوثب روسيا.. وينبثق هنا سؤال حول هوية المستفيد من هذا الدور الخليجي؟ أهو الخليج بشعبه ومستقبله؟ وهل لديه فعلاً ما ينافس به التقدّم الصيني الهائل وحتى التركي والكوري بقسميه؟ أيمتلك أسلحة حديثة كحال الروس للبيع؟

ولماذا بنى ومنذ تأسيس إيران الإسلامية في 1979، سياسة عدائية عميقة لها، ممولاً عراق صدام حسين بحرب كبيرة لتدميرها، وذلك بعد سنتين فقط على تأسيسها ومساهماً مع الأميركيين في دعم معارضات إيرانية في الخارج والداخل.. ولم تكن طهران بدأت في ذلك الوقت في تنفيذ سياسة انتشار إقليمي.. ولعلها باشرت بها لمجابهة النفوذ الأميركي الذي استهدفها منذ تأسيسها، وللحد من الحرب السعودية عليها التي تتخذ حتى الآن ثلاثة أشكال: حرب سياسية مفتوحة في المنظمات والجمعيات والإعلام والتحالفات السياسية تحت عنوان: إيران هي العدو الأساسي والوحيد للعرب والعالم.

ثانياً: تكوين جبهة عسكرية سعودية ـ خليجية ـ أميركية تحاول استدراج باكستان والأردن ومصر بخلفية إسرائيلية، لمجابهة إيران عسكرياً.

ثالثاً: محاولة تفجير الداخل الإيراني من خلال إثارة التناقضات بين مكوّناته، الفارسية والبلوشية والكردية والعربية مع بعض الأقليات الهامشية من الأرمن والآشوريين والمسيحيين. وذلك بتنظيم خلايا إرهابية تنفذُ بين الحين والآخر عمليات إرهابية تهاجم أهدافاً ذات أبعاد تفتيتية كما حدث منذ أيام عدة في منطقة الأهواز ذات الغالبية العربية، حين هاجم إرهابيون مهرجاناً يحتفل بانتصار إيران على جيش صدام حسين. والمغزى هنا واضح وهو محاولة تصوير ما جرى وكأنه بداية انتفاضة عرب الأهواز على طهران.. فذهبت المخابرات السعودية ـ الأميركية لتبيّن الخلاف القومي بين العرب والفرس لأن أهل الأهواز بمعظمهم هم من الشيعة العرب.. ولم تذكر كما كانت تفعل سابقاً عن خلافات مع الشيعة المجوس.

في ضوء هذه المعطيات، لا بدّ من العودة إلى السؤال الأساسي: لماذا يعادي الخليج السعودي إيران؟ السبب التاريخي غير موجود، لأن إيران لم تحارب بلداً عربياً منذ الفتوحات الإسلامية.. وكانت على تحالف مع السعودية حتى مرحلة انهيار النظام الشاهنشاهي الإيراني في 1979.

..يؤرخ هذا التغيير على الفور لانتقال العلاقات الأميركية ـ الإيرانية من التحالف الاستتباعي إلى عداء استراتيجي وعميق، وانعكس فوراً على علاقات طهران بالرياض التي أصبحت تتسم بموجات عالية من العداء والكره.. حاول السعوديون من خلالها إثارة حروب على إيران وبناء تحالفات عربية وإسلامية ضدها.

ويبدو أنّ هذه العدائية تضخّمت بعد دخول إيران طرفاً بديلاً داعماً للقضية الفلسطينية. فكانت مصر السادات التي باعت فلسطين لإسرائيل في اتفاقية كامب ديفيد 1979، وأخذت مصر إلى الكيان الغاصب ولا تزال فيه حتى هذا التاريخ، وهذا ما يدفع إلى تأكيد الأسباب الأميركية الصرفة لعداء السعودية لإيران.

لكن محاولات الرياض لإسقاط الجمهورية الإسلامية لم تنفع.. بل على العكس نجحت طهران في بناء شبكة تحالفات بدأت بالانفتاح على كل القوى والدول المتضررة من البلطجة الأميركية في العالم.. ما جعل الأميركيين يلجأون إلى الفتنة السنية ـ الشيعية بواسطة السعودية التي تمسك بالحرمين الشريفين، مع أموال تزيد عن آلاف مليارات الدولارات ترصدها لإثارة أجواء معادية لإيران في العالم الإسلامي والدول الكبرى، لكن طهران واصلت تقدمها ونجحت في بناء تحالفات مع انصار الله في اليمن والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان والدولة السورية. وأسست لركائز حلف دولي مع روسيا والصين.

وهكذا لم نجد حتى الآن أسباباً سعودية تبرر عداء الرياض للجمهورية الإيرانية.

أما تذرّعها باليمن.. فالمعروف انها قاتلت عبد الناصر عليه في منتصف ستينيات القرن الماضي تنفيذاً لسياسة أميركية ـ إسرائيلية كانت معادية للزعيم الخالد. وحدثت انتفاضات عدة ضد هيمنتها على صنعاء قبل ولادة الجمهورية الإسلامية، وهذا يكشف أنّ الأسباب اليمنية للعداء ملفقة وتخدم نفوذاً أميركياً يعتبر اليمن المستقل خطراً على هيمنته على باب المندب.

والسعودية تؤدي دوراً تفجيرياً في العراق منذ تأسيسها وليس لأسباب مذهبية كما تزعم أو لعلاقات العراق مع إيران. فالرياض عادت كل رؤساء العراق وهم من أهل السّنة، وتلاعبت بأنظمته، ولم يكونوا متحالفين مع إيران، وهذا يكشف أنها تريد عراقاً منكسراً لأسباب أميركية أساسية وأخرى تتعلق بمنع تطور عراق حدودي لها قد يؤثر عليها في الداخل، بما يربطه بها من قبائل مشتركة ومناطق متداخلة.

يتبيّن بالاستنتاج العقلاني أنّ العداء السعودي للعراق واليمن مستمر وعنيف منذ مراحل لم تكن الجمهورية الإسلامية في إيران قد ولدت بعد.

لكن ما فعلته السعودية هو تغيير الشعارات فقط لعدائها التاريخي لكل من العراق واليمن.. في السابق كانت تتذرّع بخوفها من الفوضى. واليوم تتذرّع بالهيمنة الإيرانية، ما يؤكد انها مجرد شعارات لغوية لتبرير غزوها العسكري الذي يستهدف اليمن وآخر استخباراي وإرهابي وضرب في العراق.. وذلك نثر مئات ملايين الدولارات في كل الاتجاهات.

وينسحب هذا الدور السعودي على أدوار إيران في سورية.. وهو دور مناهض للإرهاب و»إسرائيل» والنفوذ الأميركي، وعندما تهاجم الرياض إيران في بلاد الشام، فإنما تعلن بذلك انحيازها الكامل لتحالف أميركي ـ إسرائيلي مع إرهاب أعلن الغرب أكثر من مرة أنه مموّل من الخليج. كان لا بد من عرض هذه القراءة للإطلالة على الحرب الأميركية ـ الإسرائيلية التي تستهدف إيران حالياً، ويبدو أنها مموّلة بشكل كامل من الحلف السعودي الإماراتي. وهذا لا يندرج في إطار المبالغة.. ألم يقل محمد بن سلمان ولي العهد أنه بصدد نقل الحرب إلى الداخل الإيراني.. وسبق لإبن عمه الأمير تركي الفيصل أنّ قال الكلام نفسه في مؤتمر عقدته السنة الماضية في باريس جماعات إيرانية معارضة مجاهدي خلق .

والرياض قادرة على الاتصال بجماعات إيرانية إرهابية من خلال داعش والنصرة ينتمون إلى عرب الأهواز وأكراد إيران وبلوشها ومجاهدي خلق.. ولديها الإمكانات لتمويلهم وتأمين مسالك يدخلون منها إلى إيران، فهناك البلوش المقيمون في الطرفين المقابلين للحدود الإيرانية ـ الباكستانية، وهناك الأكراد الايرانيون والمجاهدون في كردستان العراق، إلى جانب الأهواز المحاذية للعراق.

إنّ ما يمكن قراءته هنا، يؤكد أنّ الولايات المتحدة الأميركية أولت السعودية والإمارات مهمة تنظيم خلايا تنتمي إلى هذه المكوّنات الإيرانية لتنفذ أعمالاً إرهابية تثير الفوضى في الداخل الإيراني، لذلك من المتوقع أنّ تزداد هذه الأعمال الإرهابية كما يعتقد الأميركيون في مرحلة تشرين الثاني المقبل، بالتوازي مع بدء منع بيع النفط الإيراني.. وصادرات أخرى مع حظر تصدير ما تحتاجه إيران من الخارج، فيتشابك إرهاب الداخل مع تدهور الأوضاع الاقتصادية لإيران، بما يؤدي إلى تفجيرها بنيوياً.

هذا هو المشروع.. لكن السعودية تعمل حالياً على استدراج إيران لتهاجمها.. وبذلك يشنّ الأميركيون والإسرائيليون حرباً على إيران تؤدي إلى إسقاطها فترتاح الأنظمة القبلية في الخليج.

فهل هذا ممكن؟

تؤكد روسيا أنّ الحرب الاقتصادية على إيران لن تنجح، لأنها لن تلتزم بها ومعها الصين وبلدان أخرى، ما يعني استمرار إيران ببيع النفط واستيراد حاجتها. هذا إلى جانب الهند، والاتحاد الأوروبي الذي لن يطبق العقوبات الأميركية بشكل كامل.

ويبدو أنّ هنالك «سبلاً إيرانية» تجعلها لا تقلق من بيع نفطها كما بالأساليب نفسها التي تستعملها منذ ثمانينيات القرن الماضي.. حتى أنّ تركيا أعلنت أنها لن تنفذ العقوبات الأميركية.

ماذا الآن عن الحرب العسكرية؟ إيران على حالها من الصمود منذ 1980، تعاملت مع حروب واعتداءات ولم تتأثر. وأصبحت أكثر مناعة لارتباطها بتحالفات إقليمية وأخرى دولية.. وهذه لن تسكت على محاولات لغزوها أو الاعتداء عليها.

هذا بالإضافة إلى أنّ إيران مقتدرة عسكرياً ووصلت إلى مستوى الاندماج بين مكوناتها فلم يسبق أنّ تمرد مكوّن من أعراقها على الرغم من كل المحاولات الأميركية والإسرائيلية السابقة.

فإن الخليج الذي ينفق الآف الدولارات على الحرب على إيران وغزو أفريقيا، يضع دوله في حالة من الحظر الشديد. فالدول التي يستهدفها لن تسكت وقد تحاول استغلال وضعه الداخلي الهش والمنقسم بين فرع قبلي ومئات القبائل واجمة.

تتحرك شعوب الخليج لتسأل حكامها عن أسباب تخلفها الحضاري والصناعي والعلمي.. فلا تكون الإجابة موجودة إلا بلغة إسقاط هذه الأنظمة المحاربة لشعوبها المتخندقة في القرون الوسطى.

اترك تعليقاً

Back to top button