روسيا تقلب توازنات الشرق الأوسط… وتسلّم سورية الـ«أس 300» خلال أسبوعين واشنطن تحذّر من تصعيد خطير… و«إسرائيل» تعيش حال الذعر… وتدعو للتهدئة
كتب المحرّر السياسيّ
بخطواته الثابتة رغم ما توصف به بالبطء، رسم «الدبّ الروسي» الصورة الاستراتيجية الجديدة للشرق الأوسط، فسقوط الطائرة الروسية شكل القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة الروسية الإسرائيلية، وفي تقدير روسيا للصبر السوري الإيراني على الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية، منعاً لإحراج الحليف الروسي خلال سنوات، واحتراماً لمعايير التفاهم الذي جاء على أساسه إلى سورية وعنوانه استعادة سيطرة الدولة السورية لسيادتها على ترابها الموحّد وطرد الجماعات الإرهابية منها، من دون التورط في معارك جانبية. فقرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن الكيل قد طفح وأن كل ما نالته «إسرائيل» من تساهل ومن تهاون مع عربدتها ووقاحتها في الانتهاك المتمادي للسيادة السورية من دون مراعاة لما تسببه من إحراج لروسيا التي تمسك نظرياً بالأجواء السورية، ردّت عليه «إسرائيل» بالمكر والخداع والنكران وصولاً لتعمّد إلحاق الأذى بمهابة روسيا وأمن جنودها وطائراتها. وترجم الرئيس بوتين قراره بالإعلان عن تسليم سورية صواريخ الـ«أس 300» التي اشترتها سورية منذ العام 2010 وتأخر تسليمها مراعاة لتفاهمات روسية أميركية وروسية إسرائيلية، تحت شعار منع المزيد من التوتر في المنطقة، وكانت النتيجة التي رأتها روسيا ولمستها عن قرب، هي السلاح الرادع بيد سورية وحده يحفظ الاستقرار الإقليمي ويمنع المزيد من التوتر والتصعيد. وأضاف الرئيس بوتين لقراره نشر منظومة تشويش الكتروني عالية الدقة في البحر المتوسط قابلة السواحل السورية، وتسليم سورية منظومة تحكم متطورة لشبكات دفاعها الجوي تتيح إدارتها على مساحة الجغرافيا السورية.
مصادر عسكرية متابعة رأت مهلة الأسبوعين المعلنة لتغيير الوضع العسكري الاستراتيجي في المنطقة، دليلاً على وجود المنظومة في سورية، مع قرار بعدم تشغيلها، ربما يكون تحسباً لحرب مقبلة تشنها «إسرائيل» فجأة، يجب أن تتهيأ سورية لخوضها بعدم كشف ما لديها من شبكات دفاع جوي، ما يفتح احتمال أن يكون تشغيل الشبكة مرتبطاً بتسليم سورية ما هو أحدث منها لمواجهة مخاطر حرب مقبلة بدلاً من هذه الشبكة، وربما يكون الـ«أس 400» هو المقصود، وفقاً لهذه المصادر.
المصادر العسكرية نفسها رفضت الأخذ بما تسرّبه بعض الأوساط الإعلامية الخليجية عن قدرة «إسرائيل» على تفادي منظومة الصواريخ الشديدة الفعالية، حتى لو لجأت إلى طائرات الـ«إف 35» التي تسلّمتها حديثاً من أميركا. وقالت المصادر سيكون على القيادة العسكرية الإسرائيلية التحسب لخسارة طائرة أو أكثر في كل محاولة للاقتراب من الأجواء السورية، وهذا يعني الاستعداد لدخول الحرب، إذا تواصلت الاعتداءات الإسرائيلية، بينما الامتناع عن التقرب من الأجواء السورية، ووقف الاعتداءات يعني تحوّل سورية مصدر تهديد استراتيجي لـ»إسرائيل» في القدرة الصاروخية لسورية وحلفائها في محور المقاومة تحت مظلة دفاع جوي نوعية تتكفّل بتعطيل التفوّق الجوي الإسرائيلي.
القرار الروسي أربك القيادة الإسرائيلية التي بادرت عبر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى الاتصال بموسكو ومحاولة التأثير على قرار الرئيس بوتين، الذي أعلن تمسكه بقراره وتحويله للتنفيذ، بينما تعاطت وسائل الإعلام الإسرائيلية مع القرار الروسي كحدث كبير يغيّر البيئة الاستراتيجية في الشرق الأوسط. ونقلت عن قيادات عسكرية وأمنية أن سورية وإيران وحزب الله سيقومون ببناء منظومة صاروخية متطوّرة تهدّد وجود إسرائيل خلال شهور في ظل الصواريخ الروسية التي ستصير بحوزة الجيش السوري قريباً جداً، وتحوَّل حال الذعر الإسرائيلي إلى ارتباك في صياغة الخطاب الإعلامي في التحدّث عن روسيا، حيث حافظت أغلب التعليقات على لغة الأمل بتراجع روسي بدا أنه مشفوع باليأس والعجز عن الإجابة عن البدائل التي ستلجأ إليها «إسرائيل» للحفاظ على ما تسميه قواعد الاشتباك التي فرضتها في ظل الحرب على سورية.
واشنطن رفعت مستوى القلق إلى تحذير موسكو من أنها ترتكب خطأ كبيراً وخطيراً سيعرّض المنطقة للتصعيد وتحدّث كل من وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون وممثلة واشنطن في مجلس الأمن الدولي نيكي هايلي في مؤتمر صحافي مشترك، في واحدة من المرّات النادرة للإعلان عن قلق أميركي من الخطوة الروسية.
لبنانياً، سيطر الهدوء النسبي على السجالات السياسية التي تخطتها جلسة التشريع النيابية، بعدما نجح رئيس مجلس النواب نبيه بري بإعطاء الأولوية للإنجاز التشريعي الذي سجل إصدار العديد من القوانين ويستكمل اليوم، بينما وصل رئيس الجمهورية ميشال عون إلى نيويورك تمهيداً لإلقاء كلمة لبنان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأربعاء، وسجلت وزارة المال بدء استجرار الكهرباء من سورية وفقاً للعقد الذي وقعه الوزير علي حسن خليل.
غابت الاتصالات الحكومية التي يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري مع المعنيين، لتعذّر التفاهم حتى الساعة بين الفرقاء حول الحصص والحقائب، فيما كان بارزاً حضور الملف الحكومي في الجلسة العامة التي التأمت أمس، لأول مرة منذ الانتخابات النيابية برئاسة الرئيس نبيه بري، حيث اقترح النائب اللواء جميل السيد أن يتم تحويل الجلسة العامة الى «جلسة مناقشة للبحث في التأخير بتشكيل الحكومة، خصوصاً أن تكليف الرئيس المكلف هو ملك المجلس مجتمعاً وهو سلّمه أمانة تسيير الحكم وعدم التأليف فشل يُحسب عليه». ودعا رئيس الكتائب النائب سامي الجميل الى «حكومة اختصاصيين إذا لم نكن نستطيع الخروج من الصراع على الحصص»، اعتبر أيضاً ان «القوانين المقرة في ظل حكومة تصريف أعمال لا يمكن ان تصبح نافذة».
وكان لافتاً ما دعا اليه حزب القوات اللبنانية عبر مصادره لـ«جهة المسارعة في تأليف حكومة الضرورة»، لا سيما أن التشريع وإقرار الاقتراحات والمشاريع لا يمكن أن يبصر النور الا بإجراءات حكومية مواكبة، علماً ان المصادر نفسها ألمحت الى اقتراح في شأن اجتماعات طارئة لحكومة تصريف الأعمال من اجل البحث في ملفات اقتصادية واجتماعية لا تحتمل التأجيل والمماطلة وتتصل بما يدرسه المجلس النيابي.
وفي هذا السياق، علق النائب نواف الموسوي على ملف الحكومة العتيدة قائلا «الله يفك أسرها»، قبل ان يعلن الأخير ان «المشكلة اننا امام حكومة تصريف اعمال ويجب ان نتوجّه للدعوة الى حكومة يبدو انها معتقلة».
وبينما غاب ملف الكهرباء عن الجلسة، حضر هذا الملف في كلمة النائب ياسين جابر الذي أشار إلى أننا في صدد إعداد ملف علمي عن موضوع الكهرباء، بيد أن اللافت تمثل بمحاولة الرئيس بري ضبط إيقاع الأمور ومنع كهربة الاجواء لا سيما انه قاطع النائبين جابر وانور الخليل عند اشارة الاول الى ملف الكهرباء والثاني الى رد التيار العوني الطائفي على إعفاء موظفة في وزارة التربية، وإعلانه شطب ما قاله الخليل من المحضر.
وعليه فقد أقر مجلس النواب امس، بنوداً ثلاثة تتصل بمقررات مؤتمر سيدر. وهي: مشروع قانون الوساطة القضائية، والقانون الرامي الى حماية كاشفي الفساد بعد إدخال أكثر من تعديل عليه، وقانون دعم الشفافية في قطاع البترول، بعدما كان أقر مشروع قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة المثير للجدل بعد نقاش طويل ومشروع القانون المتعلق بالمعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي. وقد طغت على الجلسة، النقاشات التقنية بامتياز، ما خلا ملف النفايات الذي استحكم النقاش السياسي بمرجعية هيئة إدارة النفايات الصلبة، حيث حصل خلاف سياسي بين تيار المستقبل الذي كان يرغب أن تكون رئاسة الحكومة هي المرجعية الوحيدة للهيئة والتيار الوطني الحر، فسقط اقتراح أن تتبع الهيئة لرئيس الوزراء وبقي وزير البيئة هو الوصي عليها وقد سجل تيار المستقبل وحزب الكتائب اعتراضهما على الأمر.
إلى ذلك، بدأ أمس، استجرار 103 ميغاوات كهرباء من سورية الى لبنان، بعدما كان وقّع وزير المالية علي حسن خليل طلب استجرار الكهرباء من سورية لتغذية الشبكة اللبنانية. وطلب خليل في كتاب وجهه إلى وزارة الطاقة تحديد الكلفة المالية المطلوبة من وزارة المال لتغطية النفقات للموافقة عليها.
وفيما يلقي كلمة لبنان غداً الأربعاء امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة بدأ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس لقاءاته في نيويورك، فالتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أكد للرئيس عون دعم بلاده لبنان من اجل عودة النازحين السوريين الى ديارهم. أما الرئيس عون فأكد في مقابلة مع صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، «ان الضغوط الدولية ضد حزب الله ليست جديدة، وهي ترتفع. وبعض الأطراف يفتش عن تصفية حساباته السياسية معه بعدما فشل في تصفية حساباته العسكرية مع الحزب، لأنه هزم إسرائيل في العام 1993، ومن ثم في العام 1996، وبصورة خاصة في العام 2006. إن القاعدة الشعبية لحزب الله تشكّل أكثر من ثلث الشعب اللبناني. وللأسف فإن بعض الرأي العام الأجنبي مصّمم على جعله عدواً». وعمّا اذا كان الجنوب اللبناني يمكن ان يُستخدَم في المواجهة بين إيران و»إسرائيل»، قال: «لا»… اذا لم يتعرّض لبنان لأي اعتداء إسرائيلي، فما من طلقة واحدة ستُطلق من الاراضي اللبنانية. ولكن اذا حصل اي اعتداء ضد لبنان، فله الحق في الدفاع عن النفس». وعن امكانية دمج مقاتلي حزب الله بالجيش اللبناني، أعلن: «قد يشكّل الأمر مخرجاً، لكن في الوقت الراهن فإن البعض يدين تدخله في الحرب ضد داعش والنصرة في سورية. غير ان الوقائع هنا هي ان الإرهابيين كانوا يهاجمون اراضينا، وحزب الله كان يدافع عنها. والحزب لا يلعب اي دور عسكري في الداخل اللبناني ولا يقوم بأي عمل على الحدود مع «إسرائيل». لقد بات وضع الحزب مرتبطا بمسألة الشرق الاوسط وبحلّ النزاع في سورية.»
وأشارت مصادر بعبدا لـ«البناء» إلى أن رئيس الجمهورية سيركز في كلمته على المواقف اللبنانية الرسمية من التطورات الداخلية والإقليمية، لا سيما في ما خص ملف النزوح السوري وضرورة عودة النازحين إلى ديارهم ربطاً بالمبادرة الروسية، وسيتناول الرئيس عون السياسة الإسرائيلية العدوانية، وانتهاكاتها المتكررة لسماء لبنان لضرب سورية، فضلاً عن أهمية دعم وكالة الأونروا في ضوء القرار الأميركي بقطع المساعدات عن وكالة غوث اللاجئين.
أما وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل فقد قال خلال لقاء مع الجالية اللبنانية في بوسطن «الى مَن يعمل ليفشل العهد أقول إن ما تمّ تجاوزه في العامين الماضيين كافٍ ليعتبر العهد ناجحاً»، مضيفاً «تشكيل الحكومة ضروري، لكنه غير كافٍ لينهض الاقتصاد، بل يجب تأليف حكومة تعمل ونحن «جرحى وشهداء العرقلة»، مشيراً الى «أنهم يركّبون شائعات عن الليرة وغيرها ليأتوا بحكومة كما يريدون». الى ذلك كان لافتاً حضور سفيرة لبنان في الأمم المتحدة أمل مدللي اجتماع وزراء الخارجية العرب في نيويورك، عوضاً عن وزير الخارجية جبران باسيل الذي لم يصل الى نيويورك في الموعد المحدد، ويأتي هذا الاجتماع في إطار تنسيق المواقف العربية قبل انطلاق جلسات النقاش في الجمعية العامة اليوم.