أسئلة حول الحرب على لبنان

روزانا رمّال

يزور المراقب الجدار الجنوبي الفاصل مع الكيان العنصري الإسرائيلي حتى توضع استنتاجات كبرى حول هذا الجدار المكلف معنوياً ومادياً وأبعاده حتى تصبح النظرة الى لبنان مختلفة عن تلك التي سادت ما قبل حرب تموز، لكن الجدار وتاريخ إنشائه وحدهما يؤكدان محاذير معينة تأخذها «إسرائيل» اليوم بعين الاعتبار. وهي اعتبارات أمنية بحتة.

الجدار الذي بدأ تنفيذه عام 2016 مقابل بعض المناطق اللبنانية. والذي كان قد بدأ عند بوابة فاطمة بدأ العمل الفعلي لإنجازه اعوام 2016 و2017 و2018. وهذه الأعوام إذا رمزت إلى شيء فهي الى تطور عمل حزب الله الميداني الهائل بعد الإنجاز الذي حققه في حربه ضد المجموعات المسلحة في سورية واقتحامه مواقعهم المحصنة بسلاح ثقيل قدّمته دول غربية وأوروبية للاشتباك مع الجيش السوري وحزب الله والقوات الإيرانية المشاركة اضافة الى تطوير مهاراته الفردية.

فكرة الجدار الفاصل والشروع في التنفيذ اتخذ القرار الإسرائيلي فيها بعد الحرب في سورية ومراقبة تطوّر مهارات حزب الله الذي ما انفك يعد بالدخول الى الجليل المحتل في أي حرب مقبلة ليأتي كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله تأكيداً بهذا الإطار حول انتقام لم يأتِ بعد لتلاميذ عماد مغنية القائد الكبير في الحزب، والذي خطط للدخول البري للحزب قبل اغتياله.

اللافت انه وبعد حرب تموز لم تباشر الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ هذا المطلب حتى بضع سنوات. والسبب أن انتهاء الحرب كانت تتكفل بابتعاد اندلاعها لسنوات أقلها خمس حتى مضى 12 عاماً عليها بدون ان يتجرأ الإسرائيلي على الإقدام عليها أما الأسباب فكثيرة تسترجع اليوم مع ازدياد إشاعة أجواء تستسهل الحرب الإسرائيلية مع لبنان مع أن اياً من الشروط التي منعت اندلاعها من 12 عاماً لم تحقق بعد بل زاد عليها امتداد استراتيجي لحزب الله يشبه بانتشار وتطويق للكيان من جهة الجنوب السوري واللبناني بدلاً عن تقويضه كما كان هدف الحرب في سورية، على أساس انها صلة الوصل لإمداد السلاح عبر أراضيها الى لبنان.

وقف نتنياهو امام الجمعية العامة للأمم المتحدة يؤكد وجود مخازن سلاح بجانب مطار بيروت الدولي منطقة الأوزاعي مستعيناً بما أسماه دلائل، حيث تقول مصادر مقرّبة من المقاومة بكل استخفاف إن «لا أساس لها من الصحة». في الوقت الذي لا ينكر حزب الله بشخص اعضائه ان ترسانته لم تعد تتوقف عند تغطية الارض اللبنانية بل إنها تعدت ذلك ما يعني أن إمكانية مهاجمة «إسرائيل» من خارج الحدود اللبنانية صار متاحاً وهو على الأغلب من الأرض السورية.

هذا الكلام أكده احد نواب حزب الله مؤخراً في حديث تلفزيوني عشية إحياء ذكرى حرب تموز أي أن تعزيز السلاح وتكثيف تخزينه كان على مدى سنوات الشغل الشاغل للحزب، بالرغم من قتاله داخل المحافظات السورية، لأنه يرتقب في أي لحظة اندلاع حرب في المنطقة، لكن أي حرب وما هو شكلها؟

الحرب التي تغير شكلها لن تطال لبنان وحده هذه المرة. وهو ربما أكثر ما يقلق «إسرائيل»، طالما ان الجبهات ما تزال مفتوحة و»الفوضى» موجودة ولا تسويات حتى الساعة، والتحالف السياسي بين إيران وسورية وحزب الله أكد في غير مرة توحّد الجبهات في اي حرب من هذا النوع. الأمر الذي يؤكد مسألة تخزين سلاح او صواريخ لحزب الله في سورية ضمن هذه الاتفاقية. بالتالي فإن شكل العملية العسكرية الإسرائيلية مضطر أن يتغير بتغير التكتيك الذي سيتبعه الحزب ليأتي تهديد امين عام حزب الله الأخير بعد ان نجح الاول بالردع وبناء «الجدار الفاصل» متابعة لتلميحات الدخول الى الجليل ليقول فيه منذ أيام إن القرار اتخذ.

الأهم من التهويل بقدوم حرب على حزب الله هو طريقة تقديم نتنياهو للعالم المخاطر التي يشكلها حزب الله، لكن هذه المرة ليس على «إسرائيل»، لأن ما عرضه في الاوزاعي. وقال عنه إنها مخازن سلاح ليست على الحدود مع «إسرائيل». بالتالي فاذا كان هناك من تأثير لهذه المخازن فانه حتماً على مطار بيروت والدولة اللبنانية وسكان تلك المنطقة وليس إسرائيل قيادة نتنياهو التي تدرك ان المخازن موجودة وقد تخطت الحدود اللبنانية أصلاً. لهذا السبب وجدت الصحافة الإسرائيلية الكثير من الاستهزاء والاستخفاف بكلام نتنياهو الذي وصفته بالعنتريات. بالتالي توضع «شروحاته» أمام قادة العالم ضمن التالي :

اولاً: ايهام العالم ان الوضع خطير جداً بما يتعلق بالمنطقة. والضغط على واشنطن لعدم القبول بأي تسوية سياسية في الجنوب السوري تبقي على وجود حزب الله وعدم التنازل للضغوط.

ثانياً: إرسال رسالة للداخل اللبناني حول التهديد الذي يشكله حزب الله عليها كدولة ومؤسسات وعلى فتح كامل الارض اللبنانية كأرض جبهة عسكرية. وبالتالي تقليب الرأي العام عليه على اساس انه ينفذ سياسة إيرانية في بيروت. وعلى مقربة من المرافق العامة بدون أن يعني ذلك الكثير عسكرياً. فمن يعرف «إسرائيل» يعرف انها تباغت بالقصف وتحتفظ جيداً ببنك الاهداف وأهل الجنوب والضاحية ممكن عايشوا الحرب أدرى من اطروحات تروّج لحرب لا تأخذ بعين الاعتبار افول المشروع الغربي في المنطقة. فأي تصعيد إسرائيلي في لبنان يعني تصعيداً واستعداداً إسرائيليين له، لكن نتنياهو الذي لا يخوض حروباً مع لبنان منذ وقت طويل ليس مستعداً الى خوضها اليوم. والوقوف امام لجنة حساب تشبه فينوغراد يستغلها خصومه لسبب واحد أنه «أذكى» من تهوّر ايهود أولمرت. لكن اولمرت ليس صقراً في السياسة الإسرائيلية. بالتالي كان كل شيء مفهوم حينها.

إسرائيل التي لا تهدأ بدون اعتداءات تؤكد خشيتها من الحرب بمجرد تكثيف غاراتها على سورية والتهرب من فتحها معركة رد وردّ على الردّ إلا أن الدليل الأقدر على العجز الغربي من مساندة اي نوع من تلك الحروب هو العدوان الثلاثي الأميركي البريطاني الفرنسي «الفاشل» بعد تقرير الكيمائي في الغوطة الشرقية الذي كشف نسبة الحذر في الهدف والمستهدف.

وسط كل هذا تتحدّث مرجعية سياسية وازنة لـ «البناء» عن حذر من تهور إسرائيلي يطال العراق وهو مفاجأة الإسرائيليين ربما بدلاً عن إشاعات حرب على لبنان لا تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الجديدة.

اترك تعليقاً

Back to top button