ابن سلمان… لم يحقق سوى الفشل!

رضا حرب

الظهور والصعود غير المتوقع لمحمد بن سلمان أثار العديد من التكهّنات حول أسباب صعوده والتساؤلات حول قدرته على الحفاظ على ما تبقى للممكلة من وزن استراتيجي وعدم الانزلاق بالمملكة الى حروب لها تداعيات كارثية عليها، خصوصاً أنه والحلقة الضيقة حوله لا يملكون من المهارة الدبلوماسية ولا الخبرة العسكرية ولا المعرفة الاقتصادية لإدارة شؤون البلاد، لكن يجب ان نعترف انه بفضل الإعلام العربي الموجه والإعلام الأميركي الرخيص نجح في بيع السعوديين والعالم أوهاماً كانت الشغل الشاغل للمراقبين والمستثمرين. ولاحظنا قناعة لدى نسبة لا بأس من الرأي العام السعودي خصوصاً الشباب انه الشخص المناسب ليس لحكم المملكة فقط، بل لتزعّم العالم الإسلامي، وقد بدأ ظهور هذه العلامات مع «غزوة الرياض» وحلب البقرة حتى أفرغ ترامب الخزينة السعودية فاضطر ابن سلمان لتبنّي سياسة «التشليح» لتغطية بعض العجز. وفي هذا السياق نطرح السؤال: ماذا أنجز ابن سلمان منذ تسلّمه المسؤولية؟

أولاً: الاندفاعة الكبيرة للثناء على ابن سلمان كانت في غير محلها، إصلاحات هامشية لا قيمة لها في أيّ عقد اجتماعي، قابلها قمع غير مسبوق طال أمراء ووزراء ومثقفين ورجال دين ومواطنين تجرأوا على المطالبة بأدنى حقوقهم وهي المساواة بين المواطنين، وللمفارقة اللواتي طالبن بحق المرأة السواقة يقبعن اليوم في المعتقلات. وأما في الجانب المتعلق بعلمنة المملكة كما قال الدبلوماسي السيّئ السمعة يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن ، فمن الواضح انّ التوصيف غير دقيق وفيه خدعة لإظهار ابن سلمان بالحاكم البراغماتي الذي لن يتردّد في اتخاذ القرارات الحاسمة، لأنّ اعتقالات رجال الدين طالت الجناح المحسوب على الاخوان المسلمين مما يؤكد انّ الوهابية الظلامية لا زالت قوة فاعلة على الأرض تقدّم له الغطاء الديني لسياسته من الاعتقالات والإعدامات، الى توجهاته المذهبية الكريهة، مروراً بالعلاقة مع الكيان الصهيوني وحربه على اليمن…

الإصلاحات مجرد أوهام يبيعها ابن سلمان للتغطية على تصاعد القمع داخل المملكة وارتكاب جرائم حرب، اما الشيء الإيجابي الوحيد في الإصلاح المزيّف انه كشف كلّ عورات المملكة الوهابية.

ثانياً: بعد كلّ الثناء والمديح للرؤية تبيّن أنها رؤية عمياء او تفتقد الى الرؤية. عندما تحدّث بثقة عن طرح 5 من شركة النفط العملاقة «ارامكو» للبيع لفتح المجال امام المستثمرين للاستثمار في النفط كان غير مدرك انّ هذا التحوّل يفرض على المملكة فتح أبواب مغارة على بابا. ما هو حجم الثروة النفطية الحقيقي؟ وما هو حجم الإنتاج الحقيقي خصوصاً عمليات البيع السرية مقابل أسلحة او لصالح أمراء؟ والسؤال الأهمّ: ما هي القيمة الفعلية لأرامكو؟ فتح مغارة على بابا ستكشف المستور. وكما يبدو انّ المستثمرين فقدوا الحماسة نتيجة للتقارير حول الوضع الداخلي وانّ المملكة مقبلة على وضع غير آمن للوافدين والسعوديين على حدّ سواء.

ثالثاً: سوء تقديره لقدرات المملكة وقدرات حلفائه وسوء تقديره للشعب اليمني الذي يعيش ويموت بكرامة وتاريخه غني بمواقف يعجز ابن سلمان وأمثاله على فهمها، أدّت إلى سقوطه في المستنقع اليمني. يُضاف الى ذلك تكاليف الحرب الباهظة، ليس المادية فقط بل أيضاً المعنوية والأخلاقية وفي الأهمية والتأثير. واللافت انّ الدول التي لبّت دعوة ابن سلمان الإلتحاق بـ»التحالف العربي» صنفان ساقطان إنسانياً واخلاقياً، صنف على أتمّ الاستعداد لأن يحوّل جيشه الى مرتزقة من القتلة «يقتلون» من أجل المال، والصنف الآخر معروف أنه «مجرم حرب» يريد رضى الإدارة الاميركية. فرغم الاتهامات بارتكاب جرائم يندى لها الجبين، ليس هناك ما يشير الى استعداده وقف الحرب الهمجية حتى يعطي الشعب السعودي نصراً ولو كان وهمياً. والمحزن في هذا الشأن الغياب المريع للحقوقيين العرب في التوجه لرفع قضية في محكمة الجنايات الدولية المختصة بملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضدّ الإنسانية. تقرير لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يشكل وثيقة رسمية لملاحقة مجرمي الحرب من سياسيين وعسكريين.

رابعاً: يجب ان لا يغيب عن ذهننا انّ العلاقة التي تجمع محمد بن سلمان بمحمد بن زايد غير طبيعية، والعجيب فيها انها استمرت بقوة بعد تعرّض السعودية للغدر في اليمن. هذا التحالف غير الطبيعي كشف ضعف ابن سلمان مما أتاح لابن زايد العمل وفق أجندته بلا قيود. السعودية أرادت استعادة نفوذها التاريخي حتى لا تقوم دولة حقيقية في اليمن تمارس حقها السيادي، بينما أجندة ابن زايد تصبّ في السيطرة على المناطق الحيوية كمضيق باب المندب الاستراتيجي وميناء الحديدة والساحل الجنوبي فضلاً عن الثروة النفطية وإقامة كيان مستقلّ في الجنوب، وعلى الأرجح كيان آخر مستقل في محافظة المهرة التي تبلغ مساحتها 12 ضعف مساحة لبنان 122 الف كيلو متر مربع ويبلغ عدد سكانها 400 ألف فقط، والمنافسة الإماراتية السعودية باتت واضحة. لا بدّ من الإشارة الى أمر في غاية الأهمية لانه في النهاية سيحسم العلاقة بين المحمدين أو بين الدولتين وهو انّ الاجتماعات المغلقة التي يعقدها ابن زايد مع مستشاريه والقيادات العسكرية اسم السعودية كدولة تهدّد الأمن القومي الإماراتي دائماً حاضراً.

اليوم هناك شكوك حول امتلاك ابن سلمان القدرات الضرورية لحكم المملكة، وتأكيدات على انه متهوّر ومستبدّ ولا يملك الحدّ الأدنى من العقلانية التي تؤهّله لتفادي الأخطاء او التراجع عنها لو ثَبُت انها كارثية، والطامة الكبرى انه غير معنيّ من امتعاض الناس من سلوكه، فلا قيمة لامتعاضهم طالما هو صاحب القرار. ومن الملاحظ انّ كلّ الأزمات التي أدخل المملكة فيها تفتقد الى استراتيجية خروج في اللحظة المناسبة، فبات عالقاً في أزماته.

لو قارن الأطباء أعراض المرض النفسي «جنون العظمة» بسلوكه لتوصّلوا الى أنه مصاب بحالة متقدّمة ومستعصية.

المركز الدولي للدراسات الامنية والجيوسياسية

اترك تعليقاً

Back to top button