هيبة السعودية: بين الأسد وترامب..
روزانا رمّال
يتذكّر اللبنانيون وأغلب العرب خطاباً شهيراً للرئيس السوري بشار الأسد في دمشق بعد حرب تموز، وتحديداً في 15 آب 2006، عندما خاطب الزعماء العرب متسهدفاً السعوديين منهم مما وراء سطوره بالقول «أنصاف الرجال» أو «أشباه الرجال». وحينها حاول بعض المسؤولين السوريين وغيرهم من فاعلي الخير تخفيف وطأة التوصيف السوري للزعماء المقصودين بالقول إنه لم يكن يقصد ذلك، على الرغم من أنه «قصدها». ساءت العلاقات مع السعودية أكثر لا بسبب هذا الخطاب فحسب، بل لأن الأسد كان على ما يبدو مدركاً أن بداية النهاية جاءت مع المملكة وكل شيء تغيّر منذ اتخاذ القرار بالحرب الإسرائيلية على لبنان.
جزء كبير من اللبنانيين اعتبر حينها حزب الله من المغامرين. وكان هذا المصطلح كلمة سر استخدمها الحلف السعودي في لبنان والمنطقة. فوصف المسؤولون السعوديون ومعهم صحافة مكتوبة ومسموعة الحزب وأنصاره بشتى أنواع الأوصاف والتهم ليس أقلها «السعي إلى تدمير لبنان».. الرئيس السوري المحتفل بعد نهاية الحرب بانتصار حزب الله الكبير تحدّث عن أنصاف الرجال، معتبراً إياهم مسؤولين عن تلك الحرب، ومنذ ذلك اليوم تغيّرت العلاقة وأخذت الهوّة تكبُر مع علاقة حذرة بالسنوات المتلاحقة حكمها الاهتزاز الدائم حتى المقاطعة ومحاولة إسقاط الرئيس السوري.
ليس صحيحاً أن هذا الخطاب هو الذي اسس لاستراتيجية سعودية ضد الرئيس السوري، لكنه تكفل بنقل العلاقة من محطة الى اخرى على الرغم من ان تلك الاستراتيجيا كانت قد رسمت للمنطقة في ما عرف بالشرق الأوسط الجديد، وليست وليدة انفعال او استغضاب الأسد للسعودية، لكن الرد السعودي بتراجع مستوى العلاقة حينها وتبني مسؤولين سعوديين مواقف الديوان الملكي الغاضب من الخطاب يمكن تسجيله أقله لوضعه ضمن أطر وأساليب تعاطي الرياض مع ما يمس هيبتها او هالتها ولو «تلميحاً»، أي ان الرئيس الأسد لم يسمّ السعودية مطلقاً، وصار الشغل الشاغل حينها لبعض المقربين من سورية والسعودية والواقعين ضمن ذيول العلاقة السعودية السورية سين سين التوضيح بأن الأسد لم يقصد السعودية، بل أولئك الذين لا يؤمنون بخط المقاومة. وهي التي انتصرت وحررت ولكل مشكّك.
اما اليوم فقد توجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخطاب ناري صاخب أهان فيه المملكة العربية السعودية ووجودها ومقدراتها ومعها قدراتها على العيش والاستمرار، معتبراً انه لولا حماية الولايات المتحدة لما بقيت المملكة لأكثر من أسبوعين. وهو ابتزاز مباشر للرياض لا يبتغي فيه ترامب سوى المزيد من الأموال السعودية، لكن الأمر الأكثر استفزازاً عدم الردّ السعودي أو اتخاذ موقف جدي حيال انتهاك السيادة السعودية وتسخيفها وبث الرعب في قلوب السعوديين بأنهم يعيشون في دولة هشّة لدرجة أن مصيرهم معلق مع فرص نجاتهم باليد الأميركية العرابة لأي انهيار ومعهم أرواحهم وأرزاقهم.
إهانات ترامب المباشرة لا تحتمل المزيد من السكوت السعودي الرسمي، لأن رد الفعل السعودي الذي اعتادت عليه الدول التي تدرك كيفية التعاطي مع المملكة ومحاذيرها، خصوصاً حيال النظام وحمايته تعرف حساسية هذه المواقف عندها. والسجال «السيادي» مع كندا لا يزال حاضراً وتدهور العلاقات السياسية والدبلوماسية مؤخراً. كل هذا لا يبدو انه ينسحب على الولايات المتحدة الأميركية فلا صوت يعلو على صوت ترامب حتى الساعة.
عملياً، أراد ترامب استفزاز المملكة العربية السعودية وتذكيرها بالخطر الذي يتهددها، الا وهو إيران. واذا كان هذا يستدعي ثمناً سعودياً فهو المزيد من صفقات السلاح والمال، لكن الاخطر هو رفع نسبة العداء لإيران والإبقاء على توتير العلاقات بين الطرفين والتأكيد على الخطر الذي تشكله الجمهورية الإسلامية الإيرانية بوجودها وعلاقاتها وامتداداتها. الأمر القادر على الإبقاء على سخونة الاحداث في المنطقة لا بل اطالة امد الحروب في الخليج خصوصاً في اليمن. هذا الكلام الذي يعتبر تحجيماً للدور السعودي يفتح الباب ايضاً امام حقائق للراي العام المحلي في السعودية حيال قدرة النظام الحاكم على مواجهة النظام الايراني او التدخل لدعم إسقاطه. وبالتالي فإن الاعتراف الأميركي بقوة إيران وحضورها ضمناً وفق هذا الابتزاز يعني محاصرة المملكة ووضعها بين شروط الامتثال وإلا تترك الساحة خالية تستفرد فيها إيران بدول الخليج. وبغض النظر عن رسائل ترامب التي تعبر عن قيادة انفعالية بادارة السلطة فإن السكوت السعودي يعبر عن خلل واضح في العلاقة مع واشنطن يستدعي اعادة النظر بشكل العلاقة ومضامينها وبالحد الأدنى مطالبة ترامب باحترام المملكة كمرجعية سياسية سنية كبرى في المنطقة بدلاً من تكرار ما مفاده اعتبارها مكسر عصا دائماً لدى ترامب وأعوانه.
السؤال الوحيد هو لماذا كسر المهابة السعودية ومن أجل من؟ ولماذا السكوت «الصاخب» من الرياض وعدم تحويل المسألة أزمة دبلوماسية عريضة بين البلدين مما يؤكد كلام ترامب واستضعافه لها يوماً بعد الآخر..
هيبة السعودية على ما يبدو خاضعة الى معايير مزدوجة ضمن علاقاتها الدولية وكلام ترامب شديد التأثير والتداعيات.