سياقات عسكرية وسياسية ضمنت مفاعيل صفقة «أس 300»…
سعد الله الخليل
عسكرياً أتمّ إعلان وزير الدفاع الروسي وصول منظومة الصواريخ الروسية «أس 300» الأراضي السورية، ودخولها حيّز الخدمة تنفيذ صفقة سورية روسية متفق عليها منذ عام 2013، وتدخلت السياسة أكثر من مرة في عرقلة إتمامها من أوساط أميركية وتركية و»إسرائيلية» خلال السنوات الخمس الماضية، والتي شهدت تطورات عسكرية مهّدت الطريق لإتمام الصفقة، وأسّست لحوامل عسكرية وسياسية لضمان وصول المنظومة إلى سورية، متخطياً حجم الاعتراضات الكبير من محاور الحرب على سورية، بالرغم من أنّ الإعلان الروسي بدا كردّ فعل مباشر على اسقاط الطائرة الروسية «إيل 20»، والدور الذي لعبته المقاتلات «الإسرائيلية» بنصب ما يمكن وصفه بالفخ لإسقاط الطائرة واستشهاد طاقمها ومَن على متنها.
ضمنت روسيا خلال السنوات الخمس الماضية أرضية عسكرية صلبة تسمح لمنظومتها الجوية الفعالية والبقاء، بعد انحسار مناطق نفوذ المجموعات الإرهابية المسلحة على امتداد الجغرافيا السورية إلى حدوده الدنيا، مقارنة بخارطة السيطرة عام 2013 التي شكلت ذروة التواجد الإرهابي المسلح في سورية، ضمن مناطق حساسة ممسكة بمفاتيح المدن الكبرى كالعاصمة دمشق وحلب وحمص والمناطق الشرقية والشمالية، وبالتالي فمن المستحيل حينها نشر الصواريخ دون احتمالات وقوعها بيد تلك الجماعات الإرهابية، وهو ما يعدّ خطاً أحمر روسياً سورياً من غير المسموح تجاوزه ولو بنسبة واحد بالمليون.
تغيّر طبيعة المعركة العسكرية والمواجهة خلال السنوات الخمس الماضية لعبت دوراً كبيراً بإتمام الصفقة، فتمركز الفصائل الإرهابية المسلحة في إدلب، واقتصار المواجهة العسكرية المباشرة مع تنظيم داعش الإرهابي في جيوب صغيرة في البادية السورية، فتح ساحات المواجهة وعرّى حقيقة الاعتداءات على سورية، وأظهر بأنّ الهدف لم يعد مجرد دعم لفصائل إرهابية يتفق مشروعها العدائي مع المشروع الصهيوني في تحالفات استراتيجية أو وظيفية، بل كسر البنية العسكرية للدولة السورية وإحباط أيّ جهد حقيقي لعودة سورية لدورها الفاعل في المواجهة مع «إسرائيل»، حيث استهدفت كلّ الغارات بنى تحتية عسكرية وبحثية تطويرية بعيدة عن الكلّ عن مناطق تواجد المجموعات المسلحة، وبات تنفيذ صفقة «أس 300» خطوة في سياق إعادة منظومة الدفاع الجوي السوري لدورها، في المواجهة مع خطر العدوان «الإسرائيلي»، وهو ما يتفق مع قواعد التسليح الدولية التي تسمح للدول باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالردع العسكري بكافة أشكاله، وهو ما أعطى للخطوة الروسية المشروعية السياسية والعسكرية، بتسليح دولة حليفة تتعرّض لمخاطر عدوان خارجي متكرّر، وقلل من ردود الأفعال إلى الحدود الدنيا حيث اكتفت وزارة الدفاع الأميركية بوصفها كخطوة غير مسؤولة، تقدّم الغطاء الإضافي لسورية وإيران بمواصلة نشاطها على الأرض السورية، فيما دفعت التحليلات الصحافية الأميركية منحى التوقع بلجوء واشنطن لزيادة استخدام مقاتلات «أف ـ 22» الشبح و «أف ـ 16 سي جي» المضادة للرادار، كما نشرت صحيفة «ذي درايف»، إلا أنّ الصحفية تغاضت عما نقلته مجلة «ناشيونال اينتيريست» من مخاوف الاستخبارات الجوية الأميركية بأن تكون روسيا قد تعمّدت في عملياتها الجوية في سورية استخدام مقاتلات «سو-30 أس أم»، و»سو-34»، لكشف أسرار تحيط بطائرة «أف-22» الأميركية عبر أجهزة رصد التعرّض للشعاع الراداري الجوي، ما يؤكد أنّ الرادارات الروسية كشفت أسرار تلك الطائرات قبل دخول صواريخ «أس 300»، فيما اقتصر الردّ «الإسرائيلي» على تأكيد وزير دفاع العدو افيغدور ليبرمان، استمرار العمليات العسكرية في سورية رغم وصول الصواريخ، وهو تصريح لا يتعدّى رفع العتب ولا يصل لمستوى الاعتراض الفاعل، ولعلّ التورّط «الإسرائيلي» في إسقاط الطائرة الروسية خفض من نبرة اعتراض تل أبيب على الخطوة، واكتفى وزير دفاعها أفيغدور ليبرمان للتعبير عن عدم الرضى لوصول منظومة «أس 300» الصاروخية الروسية إلى سورية، مؤكداً مواصلة عملياتها العسكرية باستهداف سورية دونما أيّ تحرك على الأرض، وبالتالي فإنّ الردود الإسرائيلية والأميركية لا تخرج عن دائرة السلوك الأقلّ من الطبيعي أمام هكذا تطوّر.
سياسياً يأتي تنفيذ الصفقة بعد أن استنفذت خلال السنوات الخمس الماضية كلّ المسارات الدولية لحلّ الأزمة السورية من جنيف وأستانة وغيرها من المبادرات، وبقي عنوانان رئيسيان للعمل السياسي… المساهمة في محاربة إرهاب داعش، واتفاق نزع السلاح من إدلب كمقدمة لاستكمال العمل بمخرجات اتفاق سوتشي بين السوريين، والذي يبدأ بالعمل على تشكيل اللجنة الدستورية، والتي يبدو أنها تسير بخطوات ثقيلة تتفق مع تجميد العمل السياسي الفاعل لتحقيق تقدّم في أيّ خطوة سياسية بانتظار استكمال العمل العسكري، وعزل الجماعات الإرهابية المسلحة في إدلب كمعركة أخيرة تغدو مطلب لأعداء سورية قبل أصدقائها، بعد أن أكدت سورية على لسان وزير الخارجية وليد المعلم بأنّ مصير مسلحي إدلب السوريين التسوية، فيما الأجانب عليهم الخروج كما دخلوا عبر تركيا وهو ما يجعل مصيرهم محتوم، إما بالترحيل إلى أفغانستان كما ترسم عدد من الدول أو القضاء عليهم في معركة إدلب خشية من الوصول إلى دولهم.
السياقات العسكرية والسياسية التي نجحت سورية وحلفاؤها بتمريرها خلال السنوات الخمس الماضية، ضمنت إتمام صفقة منظمة الدفاع الجوي «أس 300» بمفاعيل من المؤكد أنها ستتجاوز نتائجها لعقود قادمة…