هل تأقلمت واشنطن مع رسالة الـ«أس 300»؟
ناصر قنديل
– في الوقت الذي تسجل تركيا تقدماً واضحاً بالنقاط على السعودية كمرشحين متنافسين للجلوس مقابل إيران في أي صيغة نظام إقليمي جديد، لا يمكن إخفاء حقيقة نقاط القوة التركية المتأتية من التموضع في منطقة الوسط بين واشنطن وموسكو، كراعيين للنظام الإقليمي الجديد الذي صارت إدارة موسكو له موضع تسليم أميركي. وتبدو تركيا مرشح روسيا المقبول أميركياً، مقابل السعودية التي تدعمها «إسرائيل» بعد التحالف المعلن بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ورعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جارد كوشنر عبر ما سُمّي بصفقة القرن، كإطار لحل القضية الفلسطينية وإعلان تحالف عربي إسرائيلي بوجه إيران. ويبدو التراجع الذي تسجله السعودية ترجمة لفشلها في تسويق صفقة القرن وتحويلها إلى صفقة فعلية تفتح مساراً جديداً في توازنات المنطقة، وتدفع السعودية ثمن هذا الفشل إلى جانب فشلها في الفوز في حرب اليمن، بحيث بدت التداعيات الناتجة عن قضية جمال الخاشقجي أقرب للسياق المطلوب لتثبيت التراجع السعودي، كما كان غزو العراق للكويت مطلع التسعينيات أقرب للسيناريو المرسوم لإسقاط النظام العراقي.
– الفوز الروسي بتثبيت تركيا مكان السعودية برضا أميركي تعبر عنه صفقة القس الأميركي المحتجز في أنقرة والذي أفرج عنه أمس، كما تعبر عنه التفاهمات حول الدوريات التركية الأميركية في منبج شمال سورية، وعودة الحديث عن تطبيع تركي أميركي، يقوم على التعايش الأميركي مع التسلح التركي بصواريخ الـ»أس 400» الروسية، ومع تفاهمات اقتصادية استراتيجية تركية روسية تطال الطاقة النووية وسوق النفط والغاز، تقابله تساؤلات حول مكانة «إسرائيل» في النظام الإقليمي الجديد الذي لا بد لقواعد تشكيله أن تتبلور في المراحل الأخيرة من التجاذبات قبل ظهور النسخة الأخيرة للتسوية حول مسار الحرب التي شهدتها سورية، والتي يسلم الجميع بدخولها ربع الساعة الأخير.
– تدرك «إسرائيل» التي فشل رهانها على صفقة القرن، رغم إيفاء واشنطن بالتزاماتها للثنائي السعودي الإسرائيلي لجهة إطلاق الصدمة اللازمة لتسويق مفهوم التسوية التي تقوم عليها الصفقة، وفقاً لمقتضيات الرؤيا الإسرائيلية بقبول سعودي، ومحورها سحب مستقبل القدس وقضية اللاجئين من جدول التفاوض، أنها تدفع مع السعودية فاتورة هذا الفشل الذي لا تتحمل واشنطن تبعاته، فـ»إسرائيل» هي عراب المشروع السعودي في واشنطن من باب الرهان على ما يستطيعه ولي العهد السعودي في حال إطلاق يده في الزعامة السعودية والعربية والإسلامية، وعليها تحمل تبعات رهانها، مع فشل إبن سلمان في تأمين الشريك الفلسطيني في صفقة القرن، وفشله في حرب اليمن، وفشله الأخطر في الحفاظ على مكانة باكستان في الحلف الأميركي الإسرائيلي، بحيث فقدت «إسرائيل» أي فرصة للتحدث عن حجز مقعدها بقوة امتلاك مشروع للسلام قابل للتحقيق، وبقيت القدرة على التهديد بالحرب طريقاً وحيدة بديلة.
– جاءت التطورات التي شهدتها العلاقة الروسية الإسرائيلية في معادلات وتوازنات القوة في سورية مع نشر بطاريات الـ»أس 300» من قبل الجيش السوري برعاية روسية، لترسم أسئلة كبرى حول قدرة «إسرائيل» حجز مقعدها بقوة التهديد بالتخريب العسكري، خصوصاً أن لا أمل لـ»إسرائيل» برهان على عمل عسكري بوجه إيران، وتوازن الردع على جبهة لبنان يزداد تماسكاً بوجهها، وقد حاولت «إسرائيل» امتصاص الصدمة بالادعاء أن نشر الـ»أس 300» لا يغير في قدرتها على العمل في الأجواء السورية، مستعينة بالخيال العلمي للتحدث عن مقدرات الطائرة الأميركية الحديثة الـ»إف 35»، كردٍّ متاح على مقدرات الـ»أس 300»، فاتحة بذلك سباقاً خطيراً بين مقدرات السلاحين الروسي والأميركي، بحيث وعد عسكريون روس في حال ظهور الـ»إف 35» بإسقاطها ولو استدعى ذلك استعمال بطاريات الـ»إس 400»، ومعلوم حرص القيادتين العسكريتين الروسية والأميركية على أن التورط في سباق من هذا النوع سيلحق الأذى بسمعة السلاحين الروسي والأميركي ويوقع الطرفين في خسارة أسرار الأسلحة الحديثة، والتفرغ لسباق تسلح تكنولوجي غير مرغوب.
– التصريحات الأميركية الصادرة عن وزارة الخارجية حول الـ»أس 300» وتسليمه إلى سورية أوحت بتبني الرغبة الإسرائيلية باختراق مقدرات المنظومة الروسية، باعتبار القرار الروسي تصعيداً خطيراً يرتب تبعات وخيمة، فيما جاءت تصريحات وزارة الدفاع التي وردت ببيان باسم تحالف الحرب على داعش معاكسة، بالقول إن نشر الـ»أس 300» لا يؤثر على عمل قوات التحالف في حربها على داعش، ليبدو أن واشنطن قررت التأقلم مع التغيير الذي فرضته روسيا، ويجدون المخرج لذلك بالإعلان أمس عن سحب طائرات الـ»إف 35» من العمل لعطل تقني فيها بعد سقوط إحدى الطائرات في مهمة تدريبية، بعدما كان الأميركيون قد أعلنوا البدء بتجارب لتطوير الـ»إف 35» بما يؤهلها للقدرة على التعامل مع صواريخ «أس 300»، بينما يقول الروس إن الطائرة التي تمتلك «إسرائيل» منها سبعاً فقط قد سقطت واحدة منها قبل عام بصاروخ «أس 200» وليس «أس 300» وادعى الإسرائيليون أن سقوطها تم بعد اصطدامها بجسم طائر.