لبنان رهينة أميركية في مصادر السلاح
ناصر قنديل
– منذ عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية كانت آخر صفقة تجرأ لبنان على عقدها لشراء سلاح من غير المنظومة الغربية التي ترعاها واشنطن، ورغم أن الصفقة لم تتضمّن ما يزعج بنوعيته الحسابات الأميركية لجهة أمن إسرائيل ، إلا أنها كانت بداية مقلقة للأميركيين تستحق التهديد للبنان بوقف التعاون العسكري إذا كان في الدولة اللبنانية والجيش اللبناني مَن يفكر بالحصول على سلاح روسي يحقق نوعاً من التوازن المزعج لـ إسرائيل ، ولبنان لا يحصل على السلاح الذي يحميه من الوجه الأبرز للانتهاكات الإسرائيلية لسيادته والمتمثلة اليوم بانتهاك أجوائه بآلاف الطلعات، ومنها شن الغارات من الأجواء اللبنانية، وهو مستوى بالغ في العدوان بالمعايير الدولية، وكلام قائد الجيش أول أمس عن إتاحة الأميركيين للبنان كل سلاح متطوّر، واعتبار العائق دون امتلاك هذه الأسلحة المتطورة مالياً وليس سياسياً، يبقى السؤال عن كيفية حصول لبنان على شبكة دفاع جوي فعالة سؤالاً محيراً بلا جواب، منذ صفقة صواريخ كروتال الفرنسية التي فتحت باباً لاغتيالات أصابت عدداً من الضباط القادة في الجيش أو وفاتهم بصورة غامضة.
– كل محاولة لنيل هذا النوع من السلاح محكوم عليها بالإجهاض المبكر، ولو قبلنا تفسير الأسباب المالية، فهي غير موجودة في حال السعي للحصول على شبكة دفاع جوّي من المصدر الروسي. وقد جرب الرئيس سعد الحريري التحدّث مع الروس عن الموضوع، وقبله نائب رئيس الحكومة الياس المر، وكانت الأجوبة عن خط إئتماني بمليار دولار أو ثلاثة مليارات دولار سريعة وإيجابية، لكن المسؤول اللبناني كان سرعان ما يتراجع، ويخفض الرقم ويبدل الطلبية من دون أن يقول شيئاً للروس الذين كانوا يتوقعون سلفاً أن تسير الأمور بهذه الطريقة بمجرد أن يعرف الأميركيون بذلك، لدرجة بات هناك تحذير داخل الإدارة الروسية للمسؤولين من خطورة الوقوع في فخ تحويل طلبات مشابهة، لأوراق تفاوضية جاهزة للتراجع، بمجرد فتح الأميركيين لباب سياسي يطلبه هذا المسؤول اللبناني أو ذاك، وأراد تنبيه الأميركيين إلى عدم دفعه لتسليح الجيش اللبناني من المصدر الروسي.
– مرات عديدة خفضت المبالغ المخصصة لشراء السلاح الروسي إلى أقلّ من 1 من الأرقام الأولى المقترحة والمتفق عليها، وتبدّل نوع السلاح من شبكات دفاع جوي إلى طوافات، لينتهي أحياناً بلباس عسكري وسلاح فردي، ولأن الحديث عن عدم كفاءة السلاح الروسي في زمن الكورنيت والياخونت والـ أس 300 والـ أس 400 والدبابات الحديثة وطائرات الحوامات الذكية والقاذفات السو 35 وسواها، تجري عمليات التراجع في السر وتحت الطاولة، ويكتشف الروس أن الحكومة اللبنانية عاجزة عن فتح اعتماد بعشرة ملايين دولار لأضخم صفقة سلاح كان مقدراً لها بلوغ المليار دولار، بينما تذهب دول تربطها علاقات تعاون عسكري وأمني أعمق من علاقة بيروت بواشنطن، لشراء بطاريات الـ أس 400 علناً، كحال السعودية وحال تركيا العضو في حلف الناتو، ويبقى السؤال المر عن طبيعة العلاقة اللبنانية الأميركية في مجال التسلح، ودرجة استقلال القرار اللبناني، بلا جواب، بينما الحاجة لحماية الأجواء اللبنانية صارت التعبير الأهم عن مفهوم السيادة، في ظل معادلات الردع التي تحكم البر والبحر، التي أنشأتها المقاومة، دون الانتقاص من تضحيات الجيش ووطنيته.
– قرار لبناني سيادي صادر عن المجلس الأعلى للدفاع بشراء منظومة الـ أس 300 من روسيا صار التعبير الوحيد المقنع بأن لبنان ليس رهينة أميركية، لحسابات الأمن الإسرائيلي، في مجال قرارات التسلّح ومصادرها.