قمة بوتين ترامب بعد التدهور السعودي

ناصر قنديل

– رغم المواعيد والاستحقاقات التصعيدية المتزاحمة التي تبشر بالمزيد من جولات التصعيد الأميركية بوجه روسيا، بقي مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ليومين إضافيين في موسكو بانتظار لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطلب التوافق على عقد قمة عاجلة تجمع بوتين بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وصولاً لتحديد الموعد في غضون أسبوعين مقبلين. فما هو السبب لهذا الاستعجال على عقد القمة في ذروة الذهاب نحو مواجهة، رغم الحديث عن الانسحاب الأميركي من معاهدة الصواريخ الاستراتيجية الموقعة عام 1987، ورغم التحضير الأميركي لاعتبار تاريخ الرابع من تشرين الثاني المقبل موعداً فاصلاً لدخول ما تسمّيه واشنطن بالحزمة الحاسمة من العقوبات على إيران ومنعها من بيع النفط والغاز، ورغم اللغة العالية السقوف التي تقودها واشنطن بوجه موسكو.

– السعي لعقد القمة الروسية الأميركية لم يكن روسياً وما كان ليكون، فيما روسيا تتلقى إشارات التصعيد الأميركية، ومنها التصريحات التي تصف القرار الروسي بنشر شبكات دفاع جوي روسية متطوّرة في سورية بالعمل الخطير، ومنها اتهامات واشنطن لموسكو برفض التعاون لإخراج إيران وحزب الله من سورية، لكن السؤال يبقى حول كيفية المواءمة بين المسار التصعيدي الذي يشكّل خطاً بيانياً جامعاً للخطوات الأميركية في الملفات المشتركة مع موسكو، وبين السعي لقمة عاجلة تضمّ الرئيسين ترامب وبوتين، وله إحدى وظيفتين، إما توجيه إنذار أخير لموسكو قبل الدخول في مواجهة كبرى شاملة، وتبيان حجم النيات الأميركية الجدية في خوض المواجهة، لتكون القمة الفرصة الأخيرة المتاحة أميركياً لتراجع روسي يمهّد لتفادي المواجهة، ورسم توازن يمنح واشنطن اليد العليا في ملفات الخلاف، وإما أن تكون نيات واشنطن هي التراجع والتأقلم مع معادلات جديدة، وفتح الباب لتفاهمات وتسويات، لا تشبهها لغة التصعيد ولا عناوينها.

– التمهّل الروسي في تحديد موعد لقاء بولتون مع بوتين، كان استكشافاً لخلفيات طلب عقد القمة العاجلة، والأهداف منها، خصوصاً أن موسكو كانت دائماً ترفض قمة علاقات عامة لا تنتج تفاهمات، وتصرّ لقبولها عقد القمة وضوح الفرص للخروج بتسويات وتفاهمات. وهذا يعني انتفاء فرضية كون القمة التي تمّ التفاهم على عقدها خلال أسبوعين، الفرصة الأخيرة ما قبل المواجهة الشاملة، وترجيح كونها قمة فتح الباب للتسويات، ووضع التصعيد الأميركي في خانة الرسائل الإعلامية التي تريد واشنطن إرسالها إلى موسكو لطرح القمة كمخرج من التصعيد، لكن ذلك يستدعي الإجابة على سؤال، هل فقدت واشنطن الثقة بفاعلية خطواتها التصعيدية، وتخشى فقدان هيبة الذهاب للمزيد من التصعيد عندما تدخل مساراً عملياً لخطوات تصعيدية أنفقت وقتاً وجهداً وهي تبشر بها؟

– يطرح السؤال على أبواب دخول العقوبات ضدّ إيران ما وصفته بالحزمة الحاسمة، وعلى أبواب تبلور وضع جديد في سورية يعبر عنه توازن الردع الجوي لـ»إسرائيل»، مسار إدلب الذي يمهّد لإنهاء صيغ التقسيم في سورية ويطرح مستقبلاً جديداً وصيغاً جديدة للحل السياسي تحت سقف روسي واضح، ويستدعي من واشنطن الاختيار بين التأقلم مع هذا المتغير الكبير في سورية أو قرار مواجهته بما في ذلك خطر الدخول في مواجهة عسكرية، لكن الأهم أنه يُطرح بينما واشنطن تستشعر التراجع الاستراتيجي في مصادر قوة حليفيها الرئيسيين في المنطقة «إسرائيل» والسعودية، يوازيه تراجع في فرص نجاح رؤيتها للمواجهة السياسية المنفردة مع إيران التي تمثلها صفقة القرن بعد الفشل السعودي في تأمين الشريك الفلسطيني في الصفقة، وتفكك في الحلف التقليدي لواشنطن الذي تشكل أوروبا وتركيا وباكستان ركائز رئيسية فيه، ويشكل التفاهم النووي الإيراني أكبر اختباراته.

– ما تشهده الحال السعودية يبدو المتغير الرئيس الذي فرض استحقاق القمة العاجلة، والرئيس ترامب لم يخف اعتماده على الرياض كحليف رئيس بوجه إيران، والعطب السعودي يشكل عقب أخيل الذي أصاب الآلة الأميركية بالعطل، وخلق وقائع لا يمكن تجاهلها تفرض التفاهم مع موسكو كخيار حتمي لا يمكن إدارة الظهر له، ولو بتسويات تهدئ التصعيد في الظاهر، لكنها تمهّد لتفاهمات عميقة في الجوهر يتم الكشف عنها تباعاً بسلاسة وبتوقيت مناسب.

– قمة ما بعد التدهور السعودي ليست كما قبلها.

اترك تعليقاً

Back to top button