اليمن في مبادرة أميركية: خلال 30 يوماً وقف الصواريخ مقابل وقف العدوان عون يؤيّد الحريري في «العقدة السنية»… ورسالة لحزب الله: «تكتيك يضرب الاستراتيجية»
كتب المحرّر السياسيّ
بينما أعاد الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني تأكيد قدرة بلاده وحكومته على تخطّي العقوبات الأميركية، مستنداً إلى ما وصفه بحجم الالتزامات التي تملكها الحكومة الإيرانية لمواصلة شراء النفط والغاز من إيران رغم العقوبات، جاء إقرار مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بخروق كبيرة في العقوبات أعادها للجوار الجغرافي متجاهلاً الموقف الأوروبي، تعبيراً عن مساحة اهتمام وتأثير أقل من التقديرات التي جرى الترويج لها سابقاً، سترافق قضية العقوبات في الفترة المقبلة.
القضيتان الأهم البارزتان في المشهد الإقليمي كانتا، ما أعلنه المدعي العام التركي من كسر جرة التعاون القضائي مع السعودية، معتبراً أن لا شيء ذا قيمة يوفره هذا التعاون، كاشفاً عن أسئلة بقيت بلا أجوبة، وعن امتلاك التحقيق التركي أدلة عن قرار سعودي وراء قتل جمال الخاشقجي نفذته مجموعة حكومية أمنية قامت بالقتل خنقاً، وفق خطة، تبعها تقطيع الجثة وتدميرها، ويتوقع أن يشكل الكلام التركي مدخلاً لردود أفعال دولية وغربية خصوصاً، من مستوى تعزيز الدعوات لتحقيق دولي أو اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية من جهة، وتزخيم الدعوات المتصاعدة للعقوبات على السعودية خصوصاً لجهة وقف توريد السلاح إلى الرياض.
القضية الثانية التي تصدّرت الأحداث الإقليمية لم تكن منفصلة عن الأولى فهي تأتي على قاعدة قرار أميركي بالتموضع خارج الحرب على اليمن، ووقف تزويد السعودية والإمارات بالأسلحة والذخائر اللازمة لمواصلة الحرب. وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الأميركي جو ماتيس، بالدعوة لوقف الحرب خلال ثلاثين يوماً، وفقاً لمعادلة وقف قصف الصواريخ على السعودية مقابل وقف العدوان السعودي الإماراتي على اليمن. وما يعنيه ذلك من نجاح معادلة الردع التي أرادها اليمنيون من وراء صواريخهم، ودليل موازٍ على فشل الحرب في تحقيق أهدافها بفرض شروط الاستسلام على اليمنيين.
لبنانياً، كانت المواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون في الذكرى الثانية لانتخابه محور الاهتمام السياسي والإعلامي، وقد تطرّق لقضايا سلاح المقاومة والنازحين السوريين وخطر توطين اللاجئين الفلسطينيين، في ظل الضعف المتزايد في الموقع العربي مع حملات التطبيع، كما تناول محاربة الفساد وقضايا اقتصادية ومالية، لكن الأهم كان ما قاله رئيس الجمهورية عن العقدة التي يراوح عندها تشكيل الحكومة، وهي قضية تمثيل النواب السنة المنتمين لقوى الثامن من آذار، حيث أيّد رئيس الجمهورية موقف الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري برفض تمثيلهم باعتبارهم أفراداً وليسوا كتلة، مضيفاً إعلان دعمه للحريري تحت عنوان رفض إضعاف رئيس الحكومة، بفرض تمثيل معارض له في طائفته، معتبراً ما قاله رسالة، بدا أنها موجهة بوضوح لحليفه الأقرب حزب الله، مضيفاً أن التمسك بمطلب تمثيل هؤلاء النواب تكتيك يضرب الاستراتيجية.
مصادر متابعة لعلاقة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بحزب الله، توقعت أن تشهد الساعات المقبلة تواصلاً على مستوى عالٍ بين حزب الله ورئيس الجمهورية لتبادل الآراء وتنقية الأجواء وإعادة صياغة المواقف بين استكشاف فرص التفاهمات أو كيفية تنظيم الخلاف، مذكرة بأن العلاقة بين الرئيس وحزب الله شهدت تباينات سابقة لم تُفسِد عمق العلاقة الاستراتيجية بينهما، ومنها ما كان قبل شهور حول قانون الانتخابات النيابية، وتمّ تنظيم الخلاف وصولاً لصياغة التفاهم.
عون: لا نريد إضعاف الحريري والتكتيك يضرب الاستراتيجية…
يبدو أن عقدة تمثيل المعارضة السنية تحوّلت أزمة حكومية مفتوحة وزادت المشهد الحكومي غموضاً وتعقيداً مع ما أوحاه كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن مسألة تمثيل اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين، ما ظهر بأنّ العقدة الأخيرة أمام ولادة الحكومة عالقة بين مثلث بعبدا – بيت الوسط -حارة حريك، ففي حين كان رفض رئيس الجمهورية تمثيلهم من حصته معروفاً، فغير المتوقع كان إسناد عوني لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بقوله: «لقد تبيّن أخيراً مسألة تمثيل السنة المستقلين. إنّ العراقيل غير مبرّرة، واستعمال التأخير كتكتيك سياسي يضرب الاستراتيجية الوطنية التي نحن في أمسّ الحاجة اليها، ويفتح ثغرة في الوحدة الوطنية خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة». وقال: «هم أفراد وليسوا كتلة. لقد تجمّعوا أخيراً وطالبوا بتمثيلهم، نحن يهمّنا أن يكون رئيس الحكومة قوياً لأنّ المسؤولية الملقاة على عاتقه كبيرة». وأضاف: «أضع الجميع امام مسؤولياتهم، فالجميع ضحّى في مكان ما وتنازل، ونأمل ان تحلّ العقدة الأخيرة في القريب العاجل». ونفى عون توجّهه والرئيس المكلف الى خيار حكومة الأمر الواقع، وقال: «الوضع ليس سهلاً، وأنا أقدّره جيداً، ولو رضيَ الجميع بأحجامهم لما حصلت أيّ مشكلة».
تأزُّم الوضع على المحاور الثلاثة دفع بوزير الخارجية جبران باسيل موفداً من الرئيس عون الى إجراء مروحة لقاءات واسعة، حيث تنقل بين بيت الوسط والضاحية الجنوبية في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة المستجدّة، وأكدت مصادر «البناء» أن «باسيل وفور خروجه من بيت الوسط توجّه الى حارة حريك حيث التقى مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا للتشاور في العقدة المستجدّة وعرض كلّ طرف وجهة نظره من هذا الأمر، إلا انه وبحسب المصادر لم يتوصلا إلى حلّ لهذه العقدة»، غير أنّ مصادر حزب الله تؤكد لـ«البناء» أن «الحزب لا يزال على موقفه من تمثيل سنة المعارضة، وهذا حقهم وفي الوقت نفسه موقف مبدئي والتزام من قبلنا». كما أكدت مصادر عين التينة أن «الرئيس نبيه بري يدعم وجهة نظر النواب السنة. وهو كان قد أبلغ الرئيس المكلف بهذا الأمر منذ بداية التكليف»، لكن مصادر «البناء» أكدت بأن اعتبارات عدة تحول دون أخذ الرئيس بري مبادرة تمثيل السنة من حصته، كما فعل في السابق حيث وزّر النائب فيصل كرامي من حصته، غير أن مصادر أشارت لــ«البناء» الى أنّ رفض الرئيس عون تمثيل اللقاء التشاوري من حصته مردّه الى أنّ ذلك سيفقده الثلث الضامن الذي خاض لأجله حرب شهور ضروس مع رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس القوات سمير جعجع ومع الرئيس الحريري أيضاً فليس مستعدّاً لأن يتنازل عن المقعد الـ11 الآن للنواب السنة». وبناء على المواقف المستجدّة يوم أمس أعربت أوساط سياسية عن قلقها من أنّ باب الحلول أغلق ودخلنا في أزمة مستعصية على الحلّ، فإما يتنازل أحد الأطراف وإما لا حكومة حتى إشعار آخر…
وكان باسيل قد التقى الحريري في بيت الوسط، حيث غادر من دون الإدلاء بتصريح، لكن المعلومات تحدثت عن أنّ رئيس التيار الوطني الحر ناقش والحريري مسألة العقدة السنية وأبلغ الحريري باسيل رفضه توزير سنّة 8 آذار من حصته، في المقابل نقل باسيل للحريري مطلباً من الرئيس عون يقضي بإعادة توزيع المذاهب ضمن التشكيلة المقترحة لا سيما ما يتعلّق بالموارنة بعدما طلبت القوات التمثّل بمارونيين وأرثوذكسي وأرمني كاثوليكي وطالب عون تمثيل القوات بماروني واحد»، فقالت أوساط بيت الوسط «إنّ في هذه الحالة يبدو أنّهم «لا يريدون حكومة».
وقد تم التداول في كواليس التفاوض بأكثر من مخرج للعقدة السنية، سقطت جميعها، منها أن تبقى حصة الحريري ستة وزراء، وبوزيرين مسيحيين بدلاً من وزير واحد وينال عون وزيرين سنيين واحداً محسوباً عليه والآخر لسنة المعارضة إضافة الى وزير مسيحي وآخر درزي، لكن هذا كان محلّ رفض من بعبدا، أما الطرح الآخر فيقضي بتسمية سنّي لا يستفز الحريري من ضمن حصة الرئيس عون على إلا يكون من كتلة النائب طوني فرنجية». غير أنّ أوساط بيت الوسط أكدت أنّ «الحريري لن يقبل بتمثيل أي أحد من سنّة 8 آذار تحت أيّ ظرف من الظروف وأي ضغط على الرئيس المكلّف في هذا الإطار سيدفعه الى خارج التأليف».
وتوجّه الحريري الى رئيس الجمهورية على «تويتر»، قائلاً: «فخامة الرئيس العماد ميشال عون سنتان معاً على طريق استعادة الثقة بالدولة، ومعك لن نتراجع عن مسيرة النهوض بلبنان. نسأل الله أن يُنعم عليك بالصحة لتبقى عنواناً لوحدة جميع اللبنانيين.» وردّ عون على الحريري: «بالتفاهم والتضامن نستطيع أن نحقق الكثير، وسنبقى معاً ما دمنا نخدم معاً مصلحة لبنان ونحفظ وحدة اللبنانيين».
وعلى وقع ارتفاع حرارة المواقف وعودة المفاوضات الى المربع الأول، عمد تيار المستقبل إلى التلويح بالشارع عبر تظاهرات لمناصريه رداً على ما أسماه تطويق 8 آذار للحريري بشروطهم الجديدة، قبل أن تسارع مصادر بيت الوسط الى نفي ذلك، لكن عضو اللقاء التشاوري حذّر المستقبل من اللجوء الى الشارع مشيراً خلال حديث تلفزيوني الى أن مقابل الشارع هناك شارع آخر، مؤكداً بأن لا حكومة من دون تمثيل اللقاء في الحكومة، واضعاً الكرة في ملعب الرئيس المكلف معتبراً أن حصتنا ليست منّة من أحد وعلى الرئيسين عون والحريري إيجاد تسوية للعقدة السنية كما حصل في العقدتين المسيحية والدرزية.
على ضفة عين التينة، نقل النواب عن الرئيس بري بعد لقاء الأربعاء قوله: «إنني تكلمت مع مَن يجب أن أتكلم معهم في هذا الموضوع، ولم يبق لنا سوى الدعاء للإسراع في تشكيل الحكومة». ودق بري جرس الإنذار مرة أخرى حول الوضع الاقتصادي وتداعياته اجتماعياً ومعيشياً وعلى البلاد عموماً، داعياً الى «التبصر وعدم السقوط في فخاخ العناوين التي تبدو صغيرة امام الابتلاء الذي يصيب الأمة على مستوى المنطقة وما تشهده من تطورات خطيرة». ونقل النواب ايضاً أن بري كان يعتزم الدعوة الى جلسة تشريعية، وقد تم توزيع جدول اعمالها على النواب، لكنه يفضل التريث في ظل الوضع والظروف الآنية.
وكان الرئيس عون أطلق سلسلة مواقف في حوار إعلامي مفتوح ومباشر عبر محطات التلفزة والإذاعة، في الذكرى الثانية لانتخابه، أكد خلاله «ضرورة ملء الفراغ في المؤسسات، وهناك من يعمل على مقاومة ذلك»، مطالباً الحكومة المقبلة بـ «العمل»، وقال: «هناك حاجة إلى تشريعات في مجلس النواب، وهناك ما يقع على مسؤولة الحكومة. أما وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد فيجب أن نضع بتصرفه أجهزة رقابية».
ورداً على سؤال عن أزمة الكهرباء، قال: «بالنسبة إلى الكهرباء هناك مشاريع تحتاج الى سنتين، والمشكلة أن هناك فراغاً في الوقت يجب أن يملأ بانتظار إنشاء محطات الإنتاج. ونأمل من مجلس الوزراء الجديد أن يقوم بتسهيل العمل».
وتحدث الرئيس عون عن الإنجازات التي حققها، وقال: «أخذنا قرار فتح تلزيم لجميع المتعهدين، ومنعنا الاتفاقات بالتراضي. لقد سبق وتحدثت في افطار رمضاني عن مكافحة الفساد وموضوع النازحين السوريين والوضع الاقتصادي، والأمر الأول الذي قمنا به هو تلزيم النفط، الذي يشكل ثروة للبنان، كما وضعنا خطة ماكينزي الاقتصادية».
عن الوضعين المالي والاقتصادي والمخاطر حولهما، قال: «لستُ قلقاً حالياً، ولكن إذا أكملنا هكذا فالخطر أكبر. إن الوضع الاقتصادي سيئ لكنه موروث، ولم يحصل الآن».
وعن العقوبات الاميركية على «حزب الله» وبيئته، قال: «كل لبنان سيتأثر بها، المصارف أحياناً لا تقبل ودائع إذا كان لديها شكوك». ووصف هذه العقوبات بـ «الاستعمار المالي لأنها تحدّ من تصرف أي شخص بأمواله».
وعن رؤية العهد للإصلاح المالي، قال: «بقي البلد 12 سنة بلا موازنة، فهذا امر لم يكن مقبولاً. في عام 2011، فرض تكتلنا أن يحصل قطع حساب، فوجدنا انه لم يحصل منذ عام 1996».
وتحدّث عن «تخطي الوزراء موازناتهم»، وقال: «تجري مساءلتهم عن ذلك، وسنرى القضاء ماذا سيفعل. وفي حال تطبيق القوانين، يمكننا مساءلة من كان مسؤولاً في السابق في القضايا المالية».
وفي أزمة النازحين طالب «المؤسسات التي تهتم بالنازحين بأن تقدّم المساعدات إليهم في سورية، وليس في لبنان»، وقال: «سنصل إلى مرحلة نعالج فيها مسألة النازحين بالتفاهم مع سورية، وبمعزل عن المؤسسات الدولية. وإن الوفود الدولية التي تزورنا تشكرنا بأجمل الكلام على استقبالنا للنازحين، ولكن عندما نطلب منها مساعدتنا على إعادتهم إلى بلدهم، تتراجع ويتبدّل موقفها».
أضاف: «سورية هي في مجلس الأمن وفي الأمم المتحدة، والكل أكد بقاء الرئيس بشار الاسد، ونحن لدينا مصالح معها». وأشار إلى أن «المبادرة الروسية في مجال عودة النازحين السوريين تعرقلت»، لافتاً إلى ان «الامين العام للامم المتحدة لا يمكنه اتخاذ القرار وحده»، متسائلاً: «هل يمكنه التأثير على اميركا؟». وعن احتمال لقائه بالرئيس الاسد قال «هذا مرهون بالامور»، وقال: «هناك من يتهمنا بالعنصرية، لكن لا نستطيع ان نتحمل أكثر مما نتحمل وهناك آلاف ممن عادوا الى سورية، ولم يتعرضوا لضربة كف».
وعن موقفه من المقاومة، قال: «السبب في نشوء المقاومة كان الاحتلال الإسرائيلي، والتهديد الاسرائيلي ما زال قائماً، وهناك قسم من أرض لبنان ما زال محتلاً».
وجدّد دفاعه عن «وجود المقاومة»، بالقول: «إن شرعة الأمم المتحدة تسمح بذلك».
وعن دعوة سورية لحضور القمة الاقتصادية المتوقع عقدها في لبنان، قال: «لا شيء مضموناً، فالجامعة العربية هي مَن توجّه الدعوات».