الحوثيّون يردون على مبادرة ماتيس لوقف الحرب بالإصرار على رفع الحصار مساعٍ هادئة لاحتواء التباين بين رئيس الجمهورية وحزب الله حول الحكومة
كتب المحرّر السياسيّ
كشفت المواقف الصادرة عن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ولاحقاً عن الناطقة بلسان الوزارة بعد محادثة هاتفية بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والتركي رجب أردوغان، عن تطابق في المواقف الأميركية الجديدة مع المواقف التركية الصادرة عن وزير الخارجية التركي شاويش أوغلو وعن المدّعي العام التركي، ومحور المواقف يدور حول رفض التستر السعودي على مصير جثة جمال الخاشقجي من جهة، وتفسير كيفية صدور الأوامر للفريق الذي قام بعملية قتل الخاشقجي وتقطيع جثته وتذويبها بالأسيد، كما تقول المصادر التركية وتنشر الواشنطن بوست وتكرّر الـ»سي أن أن». وهي ضغوط مباشرة على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تتقاطع مع الحملة التي تشهدها أوروبا تحت عنوان رفض نتائج التحقيقات السعودية، والدعوة لتحقيق دولي ولوقف مبيعات السلاح إلى السعودية.
الضغوط على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وربما البحث لبديل عنه، تتصاعد إلى الواجهة في توقيت بدأت واشنطن بشخص وزير دفاعها جيمس ماتيس تحركاً هادفاً لوقف الحرب على اليمن من وراء ظهر إبن سلمان، في تصرّف غير مسبوق منذ بدء الحرب التي ساندتها واشنطن واعتبرتها واحدة من ركائز التعاون الأميركي السعودي في مواجهة إيران، وفي ظل انصياع سعودي لأوامر ماتيس، أعلن أنصار الله موقفهم من دعوات ماتيس بلغة حازمة تحمّل واشنطن مسؤولية الحرب وتدعوها لوقف إرسال السلاح إلى السعودية والإمارات، مع الإصرار على ربط أي وقف للنار بإنهاء الحصار، وفتح الباب للحل السياسي دون شروط مسبقة كالتي تحدّث عنها ماتيس من نوع الدعوة لحكم ذاتي من جهة ووضع صواريخ أنصار الله تحت إشراف دولي من جهة مقابلة.
لبنانياً، بدت العطلة الحكومية ممتدّة حتى مطلع الأسبوع المقبل، بعدما أظهر موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تناغماً بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري حول قضية التمثيل السني في الحكومة، وهو ما قاله الرئيس عون بوضوح لجهة اختلافه مع حزب الله حول هذه القضية، بحيث تقدّم هذا الاختلاف وسبل معالجته على القضية الخاصة بالحكومة. وقالت مصادر متابعة لعلاقة رئيس الجمهورية وحزب الله إن الحرص المتبادل على العلاقة كان محور الرسائل التي أراد الفريقان تأكيدها في ظل هذا الاختلاف من جهة، والحرص على حل القضية والخلاف حولها بروح التفاهم، حرصاً على عدم عرقلة وتأخير ولادة الحكومة، وعدم وقوع إجحاف بحق فريق يستحق التمثيل، والحرص الأكبر على تحصين العلاقة الاستراتيجية التي يؤكد رئيس الجمهورية وتؤكد قيادة حزب الله أنها لن تهتز بتأثير هذا الاختلاف، ولن يعدم الحليفان اكتشاف طرق إدارة الاختلاف إذا بدا التفاهم معقداً. وتوقعت المصادر أن يترجم السعي المتبادل للبحث عن حلول، ولقطع الطريق على أي محاولات لتضخيم الخلاف والاستثمار عليه، واللعب بمشاعر بعض القواعد الشعبية لتعميقه، بلقاءات غير بعيدة، ربما تتمثل بزيارة وفد قيادي من حزب الله إلى القصر الجمهوري، على طريقة ما حصل خلال مناقشة قانون الانتخابات النيابية والخلاف الذي ظهر حينها بين رؤية كل من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر من جهة، وحزب الله من جهة مقابلة.
الحريري إلى باريس تاركاً عقدة متفجّرة!
بقي المشهد الحكومي تحت تأثير موقف رئيس الجمهورية ميشال عون من عقدة تمثيل سنّة المعارضة، ففي حين حسم عون قراره برفض حل العقدة القائمة من حصته لاعتبار أنه قدم تنازلات عدة لا سيما نائب رئيس الحكومة الى القوات اللبنانية ولا يريد تقديم المزيد كي لا يفقد الثلث الضامن، فضّل الرئيس المكلف سعد الحريري أخذ استراحة محارب متوجّهاً الى باريس في زيارة أفيد أنها خاصة ستستمر أياماً قليلة بعد جولات مفاوضات شاقة خاضها مع الأطراف السياسية. وأراد الحريري الإيحاء من خلال سفره بأنه أدى قسطه الحكومي للعلى وبات غير معني بحل العقدة القائمة التي قد تتحوّل متفجرة تطيح بالحكومة. إذ حذرت مصادر معنية من أن تمسك المعنيين بتأليف الحكومة على ضرب مبدأ عدالة التمثيل واقصاء أحد مكوّنات المجلس النيابي عن الحكومة سيضرب مبدأ حكومة الوحدة الوطنية ما سيفرض بحسب ما قالت المصادر لـ»البناء» اعادة وضع معايير وأسس جديدة لتمثيل المكوّنات النيابية قد تفقد أكثر من كتلة ما حصدته من حصص زائدة في هذه التشكيلة بغير حق، وإعادة توزيع عادلة للحصص والحقائب الوزارية. أما الخيار الثاني بحسب المصادر فهو استقالة الرئيس الحريري وإعادة تكليفه على أسس وشروط جديدة كما سبق وهدّد رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل.
وتساءلت المصادر: لماذا لم يهدد الحريري بالاستقالة عندما عرقلت القوات تأليف الحكومة طيلة خمسة أشهر ونيّف كما يفعل الآن؟
وقد نشطت الاتصالات أمس، على خط حارة حريك بعبدا لمعالجة الخلاف المستجدّ في وجهات النظر إزاء تمثيل اللقاء التشاوري لسنة المعارضة المستقلين. وأفادت قناة المنار أن «الاتصالات انطلقت بين الحزب والرئيس عون لهذه الغاية»، ولفتت إلى أن «الحريري أبلغ الرئيس عون في اللقاء الأخير في فصر بعبدا رفضه توزير سنة 8 آذار حتى لو من حصة رئيس الجمهورية». وقد علمت «البناء» أن النائب اللواء جميل السيد يقوم بمسعى على هذا الصعيد بين بعبدا والضاحية عبر اقتراح عرضه على رئيس الجمهورية خلال زيارته له أمس، كما دخل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على خط المعالجة أيضاً.
لكن لم توحِ الاتصالات حتى الآن بأن العقدة قد حلت ولا أن الحكومة ستولد في اليومين المقبلين، وقالت أوساط بعبدا لـ»البناء» إن «موقف الرئيس عون في الحوار الإعلامي الاخير لا يعني إقفال الأبواب على الحلول»، كاشفة عن حركة موفدين باتجاه بعبدا أمس بين الضاحية وبعبدا، ونفت أن يكون الحزب طلب موعداً للقاء عون، لكن مصادر «البناء» لم تستبعد أن يعقد لقاء بين وفد من الحزب والرئيس عون والوزير جبران باسيل خلال الأيام القليلة المقبلة». ورجحت مصادر «البناء» أن يتمّ التوصل الى حل للعقدة السنية شبيهاً بحل العقدة الدرزية، لكن مصادر 8 آذار شدّدت لـ»البناء» على أن «فريقنا السياسي لن يقبل بحلول مشبوهة أو منقوصة تأتي على حساب تمثيل حلفائنا السنة بل نريد حلاً واضحاً من ضمن النواب الستة أو ممن يرتضونه»، كما رفض سنة 8 آذار وحزب الله بحسب معلومات «البناء» توزير الدكتور عبد الرحمان البزري كحل وسطي وعلمت «البناء» أيضاً أن حزب الله «بعث برسالة الى الرئيس عون بعد موقفه الأخير مفادها بأننا متمسكون بموقفنا ولا تضغطون علينا وتحرجونا». وقالت مصادر حزب الله لـ»البناء» إن «الحريري حمل الأمر أكثر مما يحتمل بما يخالف المعايير المتفق عليها»، متحدثة عن مراوغة قام بها الحريري، حيث حاول طيلة الأشهر الخمسة تأجيل البحث بالعقدة السنية حتى حلّ جميع العقد الأخرى وعندما حلها نفض يديه من العقدة الأخيرة ورمى كرة التعطيل بوجه حزب الله». ورجّحت مصادر سياسية لـ»البناء» أن يكون «تعنت الرئيس المكلف مرتبطاً بعدم موافقة السعودية على تمثيل ما يسمّونه سنة الحزب وإيران، إذ إن الضوء الاخضر السعودي جاء بما خص العقدة القواتية، وهذا ما ظهر بتنازل القوات بعد أيام على عودة الحريري من السعودية، لكن المملكة ترفض توزير سنة لا يدينون بالولاء لها»، واستغربت المصادر الحملة الاعلامية على الحزب واتهامه بتعطيل ولادة الحكومة في وقت يتجاهلون تعطيل القوات خمسة أشهر على وزير واحد أو حقيبة واحدة». غير أن مصادر الحزب والتيار الوطني الحر أكدوا لـ»البناء» أن «العلاقة والتحالف الاستراتيجي بينهما لن يتأثر وهو الذي مر بامتحانات أصعب وأقسى مما نشهده في الخلاف الحكومي اليوم». على أن مصادر الحزب نفسها أكدت أن حزب الله ليس وحيداً في دعم مطلب السنة المعارضين بل إن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يدعم ذلك ايضاً، كما تحدثت مصادر إعلامية عن أن عين التينة دخلت جدياً على حلّ العقدة السنية، وأكد عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ياسين جابر في تصريح تلفزيوني على أن مطلب تمثيل سنة المعارضة مطلب حق وفقاً لنتائج الانتخابات النيابية ولا يجوز التقليل من قيمة أي نائب، لا سيما النائب فيصل كرامي الذي يعتبر من عائلة عريقة دفعت ثمناً كبيراً من أجل الوطن ولديه حيثية كبيرة في طرابلس والشمال. والامر نفسه للنائب جهاد الصمد الذي انتخب بأصوات السنة في الضنية ولا يوجد حزب الله في الضنية، ودعا جابر رئيس الجمهورية الى معالجة الأمر بحنكته بالتعاون مع الرئيس المكلف.
في المقابل أكدت مصادر بيت الوسط أن «الحريري متمسّك بموقفه في مسألة رفضه توزير ممثّل عن النواب السنة المستقلين»، ولفتت إلى أنّ «الموقف الّذي أعلنه رئيس الجمهورية أمس، في هذا الإطار ممتاز ومنطقي، ويتطابق مع ما كان الحريري قد أعلنه مرارًا أنّ هؤلاء النواب ليسوا كتلة نيابية واحدة، وقد شاركوا في الاستشارات النيابية كلّ ضمن كتلته»، مركّزةً على أنّ «الطابة ليست في ملعب الحريري بل في ملعب مَن يدعم توزير النواب السنة المستقلين، وفي مقدّمهم « حزب الله ». وقد انعكست مواقف عون الداعمة للحريري ولتثبيت التسوية معه ارتياحاً في الأوساط المستقبلية، وغرّد النائب سمير الجسر على تويتر بالقول «موقف فخامة الرئيس ميشال عون مما سُمي بالعقدة السنية المفتعلة متميز وبعيد النظر ويحمي الوحدة الوطنية». بينما لاحظت جهات مراقبة الى أن الرئيس عون رمى بموقفه الأخير الى احتواء الحريري وانتزاعه من الفلك القواتي والسعودي واستمالته الى صفه».
وغير أن اللافت هو دخول رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على خط الأزمة، متهجّماً على سنّة 8 آذار، فغرّد عبر «تويتر» قائلاً «يبدو ان اخبار لبنان وصلت الى بغداد فأخذ العراقيون يبحثون في شارع المتنبي عن كتاب حول السنّة المستقلين. والبعض الآخر وجد التقرير الاخير للبنك الدولي عن لبنان انه مخيف فهل قرأه السنة المستقلون. بالمناسبة مستقلون عن مَن؟ في هذه المناسبة التحية لأسامة سعد على موقفه الوطني». فردّ النائب فيصل كرامي بعنف على جنبلاط عبر «تويتر»: «عم تتهضمن يا بيك؟! السنّة المستقلون الذين أعجزك إيجاد تعريف لهم لدرجة الذهاب الى بغداد والبحث في شارع المتنبي عن الكتب، هم السنّة اللبنانيون الذين لم يكونوا تابعين لتشكيلة من الدول الأجنبية والعربية خلال تاريخهم السياسي».