استعادة التوازن في المعركة الرئاسية الأميركية المقبلة
ناصر قنديل
– يصحّ القول في نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي بمجلسيه، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الزاوية الإجرائية وقع بنصف خسارة، بفقدانه السيطرة على مطبخ التشريع الذي يمثله مجلس النواب، وقد بات بعهدة خصومه، والسيطرة على مجلس الشيوخ تمنح الفيتو على القوانين، كما هي الرئاسة، لكنها لا تمنح صلاحيات إطلاق مسار قانوني لولادة القوانين، ويمكن القول إن التسويات والمقايضات ستكون الطريق الإلزامي أمام الرئيس للتشريع، وكذلك يصحّ القول إن لهذا التغيير تأثيرات على السياسات الداخلية للرئيس ترامب أكثر مما يقيده في السياسات الخارجية، التي يشكل مجلس الشيوخ الجهة الوحيدة التي تشارك الرئيس نسبياً في رسم ضوابطها، لكن هذا كله وصف للحال الإجرائية بعيداً عن جوهر المعنى السياسي للانتخابات، في قلب الدينامية التي تمثلها الانتخابات في ترسيم توازنات وحركة اتجاهات الرأي العام، خصوصاً في الانتخابات النصفية، وبصورة أخصّ في مجلس النواب الذي يشهد إعادة تشكيله بالكامل، وقبل سنتين من المعركة الرئاسية.
– في المعنى السياسي للانتخابات، التي تمثّل أداة قياس للتوازنات الحاكمة بين الحزبين المتنافسين استعداداً للانتخابات الرئاسية، تكون العين دائماً على مجلس النواب، أولاً لأنه يُعاد انتخاب كامل أعضائه وليس مجرد ثلثه كما هو حال مجلس الشيوخ، وثانياً أن عدد النواب محدّد بالتناسب مع عدد الناخبين وليس مع عدد الولايات كحال مجلس الشيوخ، وثالثاً لأن الاستقرار سمة تقليدية في العديد من مواقع الشيوخ، والتحرك والتبدل ميدانهما الحيوي مواقع النواب، ورابعاً لأن طبيعة مهام كل من المجلسين مختلفة لجهة كون مجلس النواب هو مطبخ التشريع، وأغلب التشريع يتصل بالشأن الداخلي والحياتي للأميركيين، والتصويت لكل من مرشحي الحزبين يتربط غالباً بقضايا مثل التأمين الصحي، والإعفاء الضريبي، وسياسات الهجرة، والتمييز العنصري، وسواها من القضايا اليومية التي ترتسم وفق الأداء السياسي لكل من الحزبين تجاهها، صورة رمزية لكل منهما.
– الفوارق الكبيرة في عدد المقاعد التي حصدها الديمقراطيون في مجلس النواب عن تلك التي نالها الجمهوريون، والأهم نجاحهم بانتزاع هذه المقاعد من الجمهوريين وهم في سدّة الحكم، أمر تقليدي له سوابق الحدوث في الانتخابات الأميركية، لكن في الولاية الرئاسية الثانية لرئيس جمهوري، ومن المفارقات أن ذلك حدث عام 2006 على يد الديمقراطيين في الولاية الثانية للرئيس جورج بوش بزعامة نانسي بيلوسي للأغلبية الديمقراطية بمثل ما حدث في هذه الانتخابات، كما حصل بالمقابل أن كان عهد الرئيس السابق باراك اوباما مصحوباً بنتائج سلبية في الانتخابات النصفية في الولايتين الرئاسيتين، حيث كانت السيطرة لأغلبية جمهورية في المجلسين، لكن اللافت أنه منذ عهد الرئيس الأسبق الجمهوري رونالد ريغان والانتخابات النصفية التي تحمل خسارة لحزب الرئيس تتم في ظل تبلور زعامتين متنافستين على الرئاسة يقدّمهما كل من الحزبين، وهذا ليس هو الحال هذه المرة لتصير الانتخابات برمزيتها الرئاسية تصويتاً ضد الرئيس ترامب، كما أنّها تتم عموماً في ظل نسبة مشاركة لا تتعدى الـ 30 في المئة بينما تخطت الـ 47 في المئة هذه المرة، وقد حملت النتائج مؤشرات رمزية إضافية لكونها تحولاً في مزاج شعبي هام يتّصل بالانتخابات الرئاسية المقبلة، من نوع نسبة المشاركة النسائية العالية في الترشيح والاقتراع. وهي مشاركة احتجاجية على مواقف ترامب وسلوكه تجاه النساء، ولعله ذو مغزى كبير أن عدد النساء في المجلسين ارتفع قرابة 20 لكن الأهم أنه من بين 112 سيدة في مجلسي الكونغرس فاز الديمقراطيون بـ 95 وكانت حصة الجمهوريين 17 فقط، هذا إضافة لزيادة عدد الفائزين من أصول غير بيضاء في صفوف الديمقراطيين من لاتينيين وشرق أوسطيين ومسلمين وسود.
– يدرك الرئيس ترامب بعيداً عن المكابرة، أن نتائج الانتخابات في مجلس النواب كانت تعبيراً عن تحول هام يمثل ما وصفه الإعلام الأميركي، ولعب دوراً في صناعته، كموجة زرقاء ترفع بوجهه البطاقة الحمراء، ولعل يبلوسي التي تستعدّ لرئاسة مجلس النواب تنجح بإعادة رصّ صفوف حزبها لتقوده كمرشحة رئاسية بعد عامين، وهي ليست من جماعات المتّهمين بالفساد كحال هيلاري كلينتون، ولا من جماعات المشتبه بعلاقاتهم بحكام الخليج التي تتفتح عليها عيون الأميركيين اليوم، ومشهود لها قتالها لاعتماد سياسات عاقلة خارجياً من جهة، وسياسات اجتماعية معتدلة ومتزنة ووسطية تجاه قضايا الداخل الأميركي من جهة مقابلة.