اليمن سيبقى مصدر الكلمة الفصل
ناصر قنديل
– خلال عشرة أيام ماضية تزامن الحديث الأميركي عن وقف النار في اليمن في مهلة أقصاها نهاية الشهر الحالي، مع خطة عسكرية وضعها الأميركيون وقدموا كل مستلزماتها اللوجستية والاستخبارية للجيشين السعودي والإماراتي للسيطرة على مدينة الحديدة ومينائها، لتكون ورقة القوة التي تبرّر الذهاب للتفاوض من موقع مختلف. وخلال الأيام العشرة تلقت مدينة الحديدة وما حولها آلاف الأطنان من المتفجرات، ودمرت فيها المباني والجسور، وقتل فيها المئات من الأبرياء، وأحرقت صوامع الغذاء والمحروقات، وتقدّمت وحدات النخبة في الجيشين السعودي والإماراتي على مجموعة من المحاور وحققت في بعضها تقدماً جدياً. وبدأت الاحتفالات بالنصر في قيادة حلف الحرب على اليمن.
– من الزاوية الاستراتيجية بات قرار السيطرة على اليمن من أضغاث الأحلام وصار السقف تفاوضياً بوضوح في خطة الحرب الأميركية السعودية الإماراتية، ومن الزاوية السياسية الدولية والإقليمية في ظل ما يطال السعودية من مستقبل رسم الدور، في ضوء سقوط الرهان على صفقة القرن بغياب الشريك الفلسطيني الموعود، لا أمل بمواصلة الحرب على اليمن، وهذه الجولة هي آخر الجولات. ويجب مع نهاياتها ترسيم التوازنات قبل الذهاب للمفاوضات، وبعدها سيكون حجم السعودية والإمارات بحجم المنجزات، أو الخيبات، خصوصاً مع الارتباط العضوي بين مواصلة العقوبات على إيران وبين قدرة السعودية على تشكيل ركيزة لرسم توازن خليجي متين بوجه إيران يشكل ركناً من أركان سياسة العقوبات بعدما سقط الرهان على دور إسرائيلي عسكري يستهدف إيران في سورية، وسقط الرهان على صفقة القرن والحلف الخليجي الإسرائيلي المعادي لإيران تحت رايات السلام في فلسطين.
– تدرك القيادة اليمنية كل هذه الحقائق، ولذلك هي تتصرّف على قاعدة أن هذه الجولة ستقول الكلمة الفصل في الكثير من معادلات المنطقة، وخصوصاً في رسم مستقبل الدور السعودي والإماراتي وحدوده، كما في مستقبل التوازنات التي ستحكم المفاوضات المقبلة حول مستقبل اليمن، كما تدرك القيادة اليمنية أهمية الساحل الغربي في هذه المعادلة وفي قلبه مدينة الحديدة ومينائها، لكن القيادة اليمنية تدرك أيضاً حجم ما تمّ حشده من مقدرات لهذه المعركة الفاصلة، وما أعدّ لها من خطط قتل ودمار، لذلك تصرّفت القيادة اليمنية بقلب حار وعقل بارد مع تطورات الأحداث، فشككت بصدق الحديث الأميركي عن وقف الحرب منذ البداية ووضعت شروطها بفك الحصار أولاً، ولذلك أعادت القيادة اليمنية نشر قواتها وترتيب وضعياتها بما يخفف الخسائر في الأيام الأولى للجولة العسكرية في الساحل الغربي، لكنها أعدّت خطط الكمائن والاستدراج والفخاخ ولاحقاً الهجوم المعاكس.
– ليست المرة الأولى التي يختبر فيها اليمنيون جولة مواجهة في الحديدة، رغم أن الجولة السابقة كانت تمريناً بالقياس لضراوة الجولة الراهنة، إلا أنها كانت أيضاً تمريناً لليمنيين لفعالية تكتيكاتهم، وقدراتهم على المناورة الحربية. قبل يومين وبعدما بلغ الهجوم السعودي الإماراتي ذروته وبدأ التقدم البري، بدأت الكمائن اليمنية بالظهور، وبدأت الفخاخ وعمليات الاستدراج إلى نقاط الرمي الصاروخي المركز، وبدأت أرقام القتلى بالمئات بين المهاجمين بالظهور، وبدأت التراجعات العشوائية للمهاجمين هرباً من الموت بالتكرار من محور إلى آخر، وخلال أيام يظهر الهجوم المعاكس الذي يفرض معادلاته الجديدة كما في المرة السابقة.
– وضع اليمنيون خطتهم على ساعة التوقيت التي أعلنها وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، بحيث سيجعلون الشهر الذي حدّده بوقف الحرب شهراً إلزامياً لوقف الحرب بالنتائج التي سيحققونها، وليست تلك التي كان يأمل أن يحققها مع حلفائه.