حرب اليمن وقتل الخاشقجي
ناصر قنديل
– في التشابه الوحشي بين حرب اليمن وقتل جمال الخاشقجي بعض رمزية الفاعل، لكن في التزامن بين مأزق القضيتين وضغطهما على النظام الحاكم في السعودية رمزية أخرى تتّصل بسطحية فهم هذا النظام للمعادلات الجديدة، التي تحرّك التعامل الدولي مع القضيتين، وكيف تصنع أوهام العظمة الأخطاء القاتلة، وكيف يلعب غرور القوة دوره في تصوير التورّط في مأزق جديد مخرجاً من مأزق قديم، فالمخارج التي يقدّمها نظام الحكم السعودي للقضيتين لا تشكل سوى بداية القبول لمسار سيتكفل في تفاصيل الحلقات المتتابعة منه بتعميق المأزق وليس الخروج منه.
– الرواية الجديدة للتحقيق السعودي لم يقرأها أحد إلا إقراراً بالمأزق من جهة، ومحاولة التفاف عليه بالإعلان عن نية التخلص من شهود مشاركين بالقتل لطمس الأدلة والرواية الكاملة، وقطع الطريق على تحقيق دولي يكشف الحقيقة، لكن الرواية الناقصة ستزيد المطالبين بالتحقيق الدولي، والحديث عن وقف الحرب في اليمن محاولة استرضاء لغضب الراي العام الدولي من وحشية المشهد الميؤوس من قدرته على تحقيق نصر عسكري سعودي، والتفاف على الحل السياسي الجدّي بربط كل حل بالحفاظ على الهيمنة السعودية على اليمن، لكنه بالأساس محكوم بالتزامن مع قضية الخاشقجي ورهان على تخفيف الضغوط المرتبطة بها، والترابط سيستمر وسيُصرف كل ضعف سعودي في قضية لإضعافه في القضية الثانية.
– لا يمكن إنكار المكانة التي يحتلها في خلفية المشهد الراهن، الفشل المشترك للسعودية و»إسرائيل» وفي طليعتهما إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البديل الاستراتيجي المشترك لهزائم حلف الحرب على سورية، أمام صعود الحلف الروسي الإيراني السوري، والمتمثل بالتحالف المعلن بين السعودية و»إسرائيل» بوجه إيران على خلفية توقيع سلام فلسطيني إسرائيلي بشروط الأمن الإسرائيلي برعاية أميركية بدأت بالإعلان عن القدس عاصمة لـ«إسرائيل». والفشل هنا ناتج عن صحوة شعبية فلسطينية جعلت الحصول على التوقيع الفلسطيني على الشروط الإسرائيلية التي سُمّيت بصفقة القرن مستحيلاً، ومع الفشل سقط البديل الاستراتيجي كله، ولا ينقذه خيار العقوبات المبني أصلاً كفرع من جزء على هذا المناخات التي يفترض أن يوفرها هذا البديل. وأمام هذا الفشل على الحلفاء تقاسم فاتورة هزائم حروب القرن الحادي والعشرين، أو تدفيعها كلها لواحد من الحلفاء، هو دائماً الأضعف والأشدّ تبعية. وهنا تكون السعودية هي الغنيمة التي يجب تقاسمها تفادياً لفواتير الهزيمة، وما يجري في ملف اليمن والخاشقجي محكوم بمسار استثمار طويل لبلوغ هذا الهدف.
– سيتحول الحديث عن مصداقية السعودية وتحقيقاتها إلى مطالبات تتصاعد بتحقيق دولي، وستحاول السعودية تفادي الخطر برواية جديدة للتحقيق، كما فعلت لمرات عدة خلال شهر ونصف، وسيتحول الحديث عن وقف النار في اليمن إلى حديث عن فك الحصار بعدما يثبّت وقف النار، وكما ستجد السعودية أنها تتراجع بالتتابع والتدريج في ملف الخاشقجي فهي أيضاً ستجد نفسها محكومة بالتراجع المتتابع في ملف اليمن.
– ليس التزامن صدفة ولا المسار سينتهي عند واحدة من محطات التزامن الذي سنشهد محطات لاحقة له أكثر وضوحاً وأشد قوة، وسيكتشف السعوديون بسهولة في منتصف الطريق أن عملية فك وتركيب دولتهم تتم على إيقاع قضيتي الخاشقجي واليمن، تحت شعار الوقاية مما هو أعظم، وسيكتشفون أن الطريق المرسوم لهم هو تركهم يصلون إلى الذهاب نحو هذا الأعظم طوعاً.