بين الكورنيت ودرع الشمال «بروباغندا» الأنفاق
روزانا رمّال
من المؤكد أن ملاحظة المتغيرات السياسية والعسكرية الكبرى في المنطقة تتفرّد الحكومات الإقليمية والدولية في قراءتها من مدخل اساسي ووحيد هو نفسه القادر على التاكيد على الانقلاب الجذري بالمفاهيم السياسية من عدمها وعلى احتساب موازين القوى من البقاء على ما كانت عليه، هذا الحساب ينطلق من الحكومة الاسرائيلية وسلوكها باتجاه القضايا الأساسية المتعلقة بالحفاظ على أمنها القومي وحضورها القوي في المنطقة وكيفية شبك العلاقات مع دول الجوار من أجل الحفاظ على هذا الأمن المصطنع غالباً القائم على «المستجدّات» التي تجعل من موقعها أقوى.
البحث عن الحدث اليوم هو في «إسرائيل» ويدور حولها فوحده البيت الأبيض الجهة التي تجمّد التسويات بانتظار الملف الأكبر المرتبط «بتسوية القرن أو صفقته»، ومن قلب التطور بالملف «الإسرائيلي الفلسطيني» تقدّم أرضية المعادلة الجديدة، لكنها تبدو متعثرة حتى الساعة. لا يعني ذلك عدم المضي الأميركي بها بالتعاون مع دول عربية وخليجية طبّعت مع «إسرائيل» فحسب، بل قد يعني التأجيل بانتظار تحقيق معطيات أقدر على دعم المخطط. وها هو القبول العربي لمجاورة دولة يهودية للكيان الإسرائيلي بأغلبها صارت محققة ما خلا العقبة الاساسية المتمثلة بتحالف يقوم على خليط الايديولوجية والثوابت القومية والذي يضمّ الموقف السوري واللبناني من جهة حزب الله كحركة مقاتلة.
كان من المنتظر أن يكون تعبيد الطريق الإسرائيلي امام صفقة القرن أعنف وأقدر على إحداث فارق ضمن المحور المقصود حتى بدا أن «إسرائيل» بدأت منذ أشهر باللجوء الى اساليب اقرب الى الفورة الإعلامية والبروباغندا منها إلى إحداث فارق في العمق الأمني والسياسي للحساب الذي كرست من أجله حشد مواقف دول العالم كلها. واحدة من المفارقات حادثة الإشاعات التي اطلقها نتنياهو بوجود صواريخ لحزب الله بجوار مطار بيروت امام المجتمع الدولي من على منبر الامم المتحدة الامر الذي تكرّر اليوم مجدداً بإعلان مفاجئ عن عملية اطلقت عليها «إسرائيل» «درع الشمال» الموكلة البحث عن أنفاق حزب الله، وذلك بإعلان عريض لا يتكافأ مع أي عمل عسكري وازن ولا يتطابق مع ضرورة المحافظة على السرية العسكرية بخطوات من هذا النوع وهذه الدقة. والسؤال لماذا؟
يؤكد مصدر وازن ومطلع على تطورات الحدود اللبنانية الجنوبية لـ«البناء» أن ما يطرح اليوم موضوع لدى القيادات الأمنية المعنية بمحور سورية حزب الله وإيران ضمن حلقة وحيدة وهي الفشل الإسرائيلي الكبير في الجبهة السورية طيلة أكثر من سبع سنوات، خصوصاً بما يتعلق بالهاجس الذي يطوقها من الجولان بدون أي تقدم عسكري لمصلحتها مع المعارضة المسلحة التي خذلتها إضافة الى اسباب اساسية تتعلق بتطورات قطاع غزة والإحراج الذي تسببته قوى المقاومةـ وربما ظهور صواريخ «كورنيت» التي استخدمت كدليل على إعلان واضح منها على تنسيق مع كافة الجبهات في المنطقة بالتالي صار لزاماً الحديث عن متابعة للأمر الخطير والبحث عن أنفاق وإثارة البلبلة لدى الجهة اللبنانية ويكشف المصدر لـ«البناء» عن أن الإعلان هذا مدروس جداً من قبل الإسرائيليين الذين يعرفون أن هذا لا يُعتبر اعتداء على حزب الله، طالما انه داخل الاراضي المحتلة، بالتالي يتوقعون مسبقاً أنه لا يرد فتتوضّح نياتهم بالخوف من اندلاع أي اشتباك مع لبنان. وهذا ما تلقاه حزب الله بوضوح كما أن التشكيك بصحة القدرة الاسرائيلية ينبع من استغراب ودهشة لدى أي متابع عسكري يطرح سؤالاً وحيداً وهو: لماذا لا تقوم «إسرائيل» بعملياتها وتنقض بشكل مفاجئ بدل التطبيل وإفشال العملية الأمنية؟ الأمر الذي تكرر في اشاعة وجود صواريخ حول المطار؟ يختم المصدر «بلا شك هذه البروباغندا هي أكثر ما يحتاج إليه نتنياهو المطوّق بمقاومة فلسطينية لا تتراجع وملفات فساد تلتف حول عنقه».
وعليه فإن «تسويق» الموقف او حادثة الأنفاق للرأي العام الإسرائيلي المربك بسبب علامات الضعف الأمني ونتنياهو الملاحق من الشرطة وملفات الفساد وتصدر الأخير عناوين الصحف الإسرائيلية الاولى هو ضروري لشراء بديل عن هذا الحدث ومَن أقدر من الجبهة الشمالية على إشغال الإسرائيليين..
من جهة اخرى تدرك «إسرائيل» أن لبنان الذي يعيش فترة حرجة بتشكيل حكومة متعثرة يعيش ضمن انقسام حول حزب الله تسعى لتعميقه عبر تصويره أداة التعطيل الاولى وجالب كل الأخطار وباختصار اعتبار حزب الله مصدر كل خطر على لبنان وتفاقم الوضع المالي فتتزايد الضغوط عليه وكأنه ينقص بعد أن يجلب حرباً إليهم.
البيت الابيض من جهته مشارك في دعم الرواية الإسرائيلية ليرسل رسائل مفادها أنه يقدر المأزق التي تعيشه «إسرائيل» فيثمر الموقف اللبناني ليهول فيه داخلياً وتصبح القضية الأولى لدى الرأي العام اللبناني اعتبار حزب الله الخطر الأكبر على البلاد.