ما لا تحلُّه حكومات الـ 24 والـ 30 والـ 32: تحله حكومة من 36 وزيراً
ناصر قنديل
– زُرِعت عقول اللبنانيين بمعادلتين مفتعلتين لا أساس لهما: الأولى توهم أن هناك نصاً يحدد سقفاً لعدد أعضاء الحكومات أو أن رقم الثلاثين وزيراً ممنوع تخطيه للأعلى، والثانية أن الهدر الخطير سيقع عندما يزاد عدد الوزراء والوزارات، ومعلوم أن لبنان قد حكم في الماضي ويمكن أن يحكم في المستقبل بحكومة من ثمانية وزراء، إذا تخطينا الاعتبارات الطائفية والتعدّد السياسي داخل كل طائفة ومعهما تخطينا مفهوم حكومة الوحدة الوطنية، خصوصاً بعد توسّع فعل هذه العوامل بعد اتفاق الطائف، وحكومات الوحدة الوطنية لا ترد في الأنظمة الديمقراطية إلا استثنائياً في ظروف الكوارث والحروب والأزمات الوجودية الكبرى، والطبيعي أن عدد الوزراء في أي حكومة، وخصوصاً حكومة وحدة وطنية في لبنان تقرره السياسة وليس الحاجة التقنية لإدارة الوزارات والمؤسسات التي تقع تحت مسؤوليتها، وأن رقم الثلاثين وزيراً نابع من السياسة كما رقم الأربعة وعشرين قبله.
– في كل حساب بسيط سيتبين أن منح الأرمن وزيراً واحداً على سبيل المثال يستدعي حصول كل من الكاثوليك والدروز على مقعدين، والأرثوذكس على ثلاثة والموارنة على خمسة وأن هذا يعني أحد عشر وزيراً مسيحياً يقابلهم أحد عشر وزيراً مسلماً يستحيل أن يكون بينهم وزيران للدروز ويبقى تسعة للسنة والشيعة أو أن يتمثل الدروز بوزير واحد مقابل خمسة لكل من السنة والشيعة، فيرتفع العدد تلقائياً للأربعة والعشرين ليصير إثني عشر وزيراً مسلماً موزعين خمسة بخمسة على السنة والشيعة وإثنين للدروز، فيزيد تمثيل الأرمن وزيراً أو يرتفع تمثيل الأرثوذكس بوزير، بينما يستقيم التوازن أكثر في حكومة الثلاثين وزيراً على الصعيد المسيحي، حيث ستة موارنة وأربعة أرثوذكس وثلاثة كاثوليك وإثنان أرمن، ويقابله بكل حال توزيع إسلامي مقبول، لكنه غير متوازن طائفياً بستة لكل من السنة والشيعة وثلاثة للدروز، فينال الدروز ثلاثة وزراء أي نصف حصة كل من السنة والشيعة، بينما يفترض أن تكون حصتهم إثنين لخمسة أو ثلاثة لسبعة، أما في صيغة الإثنين وثلاثين وزيراً فيُضاف إلى الثلاثين وزيراً علوي مستحقّ للعلويين عندما يتمثل الدروز بثلاثة وزراء، ومثله وزير للأقليات هو أيضاً مستحق عندما ينال الأرمن وزيرين وينال الكاثوليك ثلاثة وزراء، لكن تبقى حكومة الستة وثلاثين وزيراً هي الحكومة الأمثل طائفياً، لأنها تحقق توازناً نموذجياً للتمثيل الطائفي، حيث سبعة لكل من السنة والموارنة والشيعة، وخمسة للأرثوذكس وثلاثة لكل من الكاثوليك والدروز ووزيران للأرمن ووزير لكل من الأقليات والعلويين.
– الفارق بين طرح صيغة الإثنين وثلاثين وزيراً في بداية النقاش حول تشكيل الحكومة وبين طرحها كصيغة لحل العقدة الراهنة الحكومية ليس كبيراً، لأن لا وزير سنياً إضافياً جديداً مع الانتقال من صيغة الثلاثين إلى صيغة الإثنين والثلاثين وزيراً، وتبقى المشكلة فيها في مصدر الوزير السني المطلوب لتمثيل سنة الثامن من آذار، حصة الرئيس المكلف أم حصة رئيس الجمهورية، بينما توفر صيغة الستة وثلاثين وزيراً، ميزات نموذجية للحل، ففيها زيادة وزير سني من جهة يحقق منح سنة الثامن من آذار تمثيلاً بلا سحبه من حصة تم توزيعها من قبل، وفيها يمكن للرئيس المكلف أن يتسردّ الوزير السني الذي بادله مع رئيس الجمهورية لأنه سينال وزيراً مارونياً من الزيادة، التي تتضمن وزيراً مارونياً جديداً، وسيتسردّ رئيس الحكومة وزيراً سنياً كان ينوي منحه لتكتل الرئيس نجيب ميقاتي، ليمثله بالوزير العلوي، حيث يشكل تكتل الرئيس ميقاتي أفضل حل وسط لتمثيل العلويين إلا إذا رغب الرئيس المكلف بنيل المقعد العلوي ليقول إنه مثلما نال خصومه الشيعة حليفاً سنياً سينال هو لتكتله السني حليفاً علوياً، وسيكون بمستطاع الرئيس المكلف في كل حال أن يعتبر أنه يتقبل تمثيل سنة الثامن من آذار إذا نال خمسة أو ستة وزراء سنة وليس أربعة، وهو يضحك في سرّه لكونه أضاف لمحفظته في التمثيل السني وزيرين أو على الأقل وزيراً ووزيراً علوياً، بينما سيتحقق لقوى الثامن من آذار تمثيلها المقبول بزيادة قوامها وزيراً سنياً وآخر أرثوذكسياً تستطيع منحه للحزب السوري القومي الإجتماعي المستبعَد ظلماً من التمثيل في حكومة الثلاثين، وسيكون لحصة التيار الوطني الحر وزير الأقليات ولرئيس الجمهورية الوزير الشيعي الذي يرغب عبره بتظهير شمولية تمثيل حصته بين الطوائف إلا إذا رغب بمبادلته بالأرثوذكسي وتمثيل القوميين بالوزير الشيعي السابع، لكن في كل حال سيحتفظ الرئيس والتيار بمجموع يزيد عن ثلث أعضاء الحكومة فتصير حصتهما معاً ثلاثة عشر وزيراً من ستة وثلاثين.
– حكومة الستة وثلاثين وزيراً لن تنصف قوى الثامن من آذار بالتوازن العددي وفقاً لمنطق المعيار الواحد، لأن حصة قوى الرابع عشر من آذار ستصبح أربعة عشر وزيراً بينما حصة الثامن من آذار ستصبح تسعة وزراء، مقابل تمثيل نيابي متساوٍ لكليهما، لكنها ستكون بمنطق التسهيل الذي اعتمدته قوى الثامن من آذار منذ البداية، بمثابة التسهيل الذي لا يكسرها، ولن تصيب قوى الرابع عشر من آذار التي نالت أكثر مما يحق لها وفقاً لحجمها النيابي، بأي تعديل لحصتها وحجمها، مع فارق الزيادة في حصة رئيس الحكومة وصولاً لمجموع يفيض عن الثلث بوزيرين، ومثلها التيار الوطني الحر. وهكذا سيكون لكل من رئيسي الجمهورية والحكومة اللذين يشكلان الحكومة معاً، التمثيل المريح في طائفة كل منهما، ومعه تمثيل من خارجها يمنحها بعداً وطنياً، وربما يجب بعقل منفتح النظر لحكومة الستة وثلاثين وزيراً كصيغة شبه دائمة لحكومات ما بعد الطائف في حال اعتماد التمثيل النسبي في قانون الانتخابات المركب طائفياً وسياسياً، بمثل ما تحوّلت صيغة الثلاثين وزيراً إلى صيغة رافقت تطبيق اتفاق الطائف مع اعتماد النظام الأكثري.
– أما ربط الهدر بعدد الوزارات، فهو شعوذة سياسية ومالية، والهدر في وزارات العشرة والعشرين، لأن وزارات الدولة لا تحمل الخزينة عقوداً وتلزيمات وتوظيفاً، وكل ما فوق العشرين هو وزارات دولة لها بعد سياسي لا إداري، لكن الغريب العجيب في نظرية ربط الهدر بعدد الوزارات، كمثل القول إن إنشاء مجلس للشيوخ ربما يسهم في تحسين وتحصين حياتنا الوطنية عبء مالي نحن بغنى عنه، والجواب على هؤلاء أن الاقتصاد القائم على الاستقرار والثقة كحال لبنان، ينتعش بشرط أن تنجح السياسة باختصار مهل الاستحقاقات الدستورية كانتخابات الرئاسة والانتخابات النيابية التي تهترئ بفعل عمليات التمديد، وتشكيل الحكومات التي تنتظر شهوراً قبل ولادتها، كما ينتعش الاقتصاد بكل ما يحقق المزيد من الأمن، والاستثمار في الأمن والاستقرار السياسي والطائفي هو وحده الاستثمار المجدي في الاقتصاد، فهل يسأل الذين يتحدثون عن الهدر في عدد الوزارات أنفسهم عن قيمة خسائر الاقتصاد الناجمة عن التعطيل الذي تسببه السياسة للاقتصاد عند كل استحقاق، ومنها الآن حال الجمود والهريان الناتجة عن التعطيل، وما إذا كان تسيير شؤون الحكم بتسوية سياسية مكلفاً أكثر للاقتصاد أم بقاء التعطيل هو الأشد كلفة؟
– قال نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي في حديث إذاعي قبل أكثر من اسبوع، أنه سمع أن فكرة حكومة من ستة وثلاثين وزيرا مطروحة في التداول، فإذا كانت الفكرة لا تزال في التداول فهي تستحق التفكير الجدي عند كل حريص ومسؤول.