الثورة «الصفراء».. مخاض أوروبي جديد!
سماهر الخطيب
لطالما كانت الثورة الفرنسية 1789 1799 بشعارها «الحرية، المساوة، الأخوة» حدثاً فاصلاً في التاريخ، كأول ثورة ليبرالية شعبية في تاريخ أوروبا، انتقل أثرها إلى العالم كله حينما حققت مصالح الشعب في الانقلاب على الطغيان الإقطاعى والظلم والفساد وما رافقها من انتشار أفكار التنوير لتحرير الاقتصاد من الدولة ومنع الحواجز الجمركية الداخلية وتطبيق ليبرالية اقتصادية انعكست على الحياة السياسية وإحلال العدالة الاجتماعية وإقرار الحريات وغيرها الكثير من المبادئ التي باتت شعلة «الديمقراطية».
إلا أنّ حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، تجاوزت تلك المبادئ، واعتمدت سياسة ليبرالية لا تخدم سوى الطبقة الغنية في فرنسا على حساب الطبقة المتوسطة والفقيرة في المجتمع الفرنسي، مما زاد من سوء الحالة الاقتصادية للشعب الفرنسي بأغلبيته، لتصل ذروتها في غلاء المحروقات بشكل هستيري، توّجها ماكرون بفرض ضرائب جديدة على المحروقات والتي لا يستطيع الشعب الفرنسي تحمّلها ما أدى إلى إعلان الاحتجاج في المدن الفرنسية.
وما بين الثورة «الصفراء» واحتجاجات أصحابها ضدّ قوانين ضريبية مجحفة وثورات «ملونة» سبقتها بأعوام في أوكرانيا، امتدت لثورات «ربيع عربي» في منطقتنا تجاذب بالأسماء واختلاف في المواقف الدولية والمطالب والمكاسب.
فكما قال محللون إنه أخطأ من اعتبر أنّ أميركا وراء تلك الاحتجاجات كذلك كان ترامب مخطئاً حينما ربط بين تلك المطالب الداخلية باتفاقية عالمية ولو أنّ لها من اسم باريس نصيب، إنما كما ردّ عليه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان «دعونا نعش حياتنا الوطنية»، فهي مطالب داخلية لطالما كانت الاحتجاجات الشعبية شأناً داخلياً لا يمت باتفاقات دولية بصلة.
إلا أنّه وبعد كلّ تلك الاحتجاجات، يبدو أنّ الرئيس ماكرون يتجه بالعمل وفق قانون «نفذ ثم اعترض» عبر فرض الأمر الواقع، مراهناً على مشاغبات المحتجين، من أجل أن ترضخ الأغلبية لقراراته للحفاظ على سلامتهم وتفادي الصدامات في الشارع، ومن هذا المنطلق يكون المشاغبون واليمين المتطرف واليسار المتطرف وكل المجموعات التي تخرّب اليوم في الشوارع الفرنسية، تكون شجعت ماكرون على تكملة سياسته العوجاء في فرنسا والتي ستؤدي إلى تداعيات سلبية جداً.
وكما أقالت تلك الاحتجاجات الرئيس شارل ديغول، مؤسس الجمهورية الخامسة، رغم كل تاريخه الحافل الذي لم يشفع له أمام مطالب شعبه حينما شعر بأحقية مطالب شعبه، إنما ماكرون الذي قدم إلى الحكم بالتغيير نحو الأمام إذا به يقلب الطاولة عليه مراهناً على مشاغبات سيشبهها بما حدث في عالمنا مستغلاً أحداثاً دموية سبق ودعمها في بلادنا ومنطقتنا.
وفي أول تعليق له، وجّه ماكرون، الشكر لقوات الشرطة الفرنسية، وقال في تغريدة له عبر «تويتر»: «إلى جميع قوى النظام المعبأة اليوم، أشكركم على الشجاعة والمهنية الاستثنائية التي أظهرتموها»، في حين كانت دعواته لضبط النفس والاستماع لما يطالب به ما أطلق عليهم «ثوار» في عالمنا انقلبت عليه «الآية» الآن ليطالب المحتجون برحيله ويصفونه بـ»العجرفة والتكبر».
في حين لو دريان متفائل بأن «الرئيس إيمانويل ماكرون سيطرح أفكاراً تمنع حدوث عطلة أسبوعية جديدة من العنف والدمار».
من جانبه، قال رئيس الوزراء الفرنسي، إدوارد فيليب، «أحيي التحضير الجيد الذي قامت به قوات الأمن، أشكر كل من ساهم بوضع الخطة الأمنية التي نجحت»، مضيفاً أن «الحوار مطروح على الطاولة مع المحتجين»، و»الرئيس ماكرون سيتكلم كي يضع الحجر الأساس للحوار». يرجح أن يكون حواراً ساخناً وحجراً متعثراً.
وكأنّ كرة الثلج تتدحرج في عموم فرنسا كعموم أوروبا كما سبق وشهدنا منذ أيام تلك الاحتجاجات في بلجيكا لتبدو مقولة «الفوضى» في الساحة العالمية منعكسة على داخلها ولربما ينقلب السحر على الساحر فنشهد «مخاضاً أوروبياً جديداً» على مبدأ «كوندليزا رايس» في قولها عما تشهده منطقتنا «مخاض شرق أوسط جديد»!