دلالات العملية الفدائية في عوفرا… وتفاقم مأزق الاحتلال وأزمة نتنياهو
حسن حردان
في وقت لا زالت فيه قوات الاحتلال والأجهزة الأمنية الصهيونية تبحث منذ شهرين عن منفذ عملية البركان في شمال الضفة الغربية المحتلة التي أدّت إلى مقتل مستوطنين وجرح ثالث، نفذت مجموعة من المقاومين عملية جريئة ودقيقة ضدّ المستوطنين قرب مستوطنة عوفرا أسفرت عن إصابة 7 مستوطنين بجراح..
العملية الجديدة شكلت تحدياً كبيراً لجيش الاحتلال، فهي حصلت في ذروة الاستنفار الأمني الصهيوني، ووجود قوة عسكرية تحمي المستوطنين، ما يعني أنّ المنفذين اتسموا بالجرأة والشجاعة في الإقدام على تنفيذ عمليتهم، وهم قد خططوا جيداً لهجومهم وأمّنوا النجاح له ومن ثم الانسحاب سالمين من المكان، الأمر الذي يشكل تطوّراً هاماً في أداء المقاومين ويؤكد وجود تخطيط واستطلاع يسبق كلّ عملية.. ويوجه صفعة لأجهزة الأمن الصهيونية والتنسيق والتعاون الأمني مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية..
على أنّ مثل هذه العمليات التي دأب على تنفيذها شبان الانتفاضة الثالثة، والتي تأخذ أشكالاً متقطعة في مقاومة الاحتلال والمستوطنين، بسبب الظروف التي تحيط بالواقع الفلسطيني، باتت تثير قلق وفزع المسؤولين الصهاينة والأجهزة الأمنية الصهيونية، خصوصاً أنها تحصل في ظلّ أعلى مستوى من الإجراءات الأمنية الصهيونية، ما يعني أنّ هناك مقاومة جديدة من حيث طبيعتها وخصائصها تولد وتنمو تحت الاحتلال، وتتمتع بالسرية والقدرة على الاختباء ومواصلة عملها ونشاطها.. ومثل هذه المقاومة، التي تنجح في ذلك، لا بدّ أنها تحظى بالاحتضان والدعم الشعبي، وهي حريصة بأن تكون نشاطاتها بعيدة أيضاً عن أعين أجهزة أمن السلطة..
وبدا القلق مخيماً على قادة العدو وأجهزتهم العسكرية والأمنية من جراء استمرار العمليات والعجز عن منع حصولها، وقد عبّر عن هذا القلق بوضوح، تعليق المصادر العسكرية الصهيونية لصحيفة «يديعوت احرونوت» الصهيونية، على عملية عوفرا، حيث نقلت يديعوت عن هذه المصادر «قلقها من إمكانية أن تشكل عملية عوفرا وعملية بركان التي سبقتها إلهاماً لمنفذين فلسطينيين مفترضين لمحاولة محاكاة العمليتين، بالنظر إلى الجرأة المتمثلة في العمليتين، فالأولى نفذت داخل تجمع استيطاني وخرج منفذها سالماً، والثانية نفذت ضدّ مجموعة من المستوطنين وهم محاطون بالجنود».. وما لفت الصحيفة أنّ التقديرات تشير إلى أنّ خلية محلية هي التي قامت بالعملية فيما لم يتبنّ أيّ فصيل فلسطيني المسؤولية عنها حتى الآن.. فيما نقل عن ضابط أمن صهيوني تواجد في المكان لحظة إطلاق النار، قوله: «عملية إطلاق النار كانت دقيقة وتسبّبت بمجموعة من الإصابات في محطة الحافلات.. وهذا اعتراف بأنّ المنفذين مدرّبون جيداً على إطلاق النار باحتراف، وهم تلقوا تدريبات على إطلاق النار والقيام بمثل هذا النوع من الهجمات، ما يدلل على وجود استعداد وجاهزية وتحضير، وهذا غير ممكن من دون نواة منظمة بالحدّ الأدنى..
وإلى جانب ذلك يمكن إضافة دلالات أخرى لناحية أهمية هذه العملية والتي سبقتها، في مسار تنامي وتطوّر مقاومة فلسطينية تحت الاحتلال تستفيد من دروس الماضي، أبرزها، إنها تفاقم أزمة كيان الاحتلال بعد هزيمته الأخيرة أمام المقاومة في قطاع غزة، الأمر الذي يزيد من مأزق حكومة العدو برئاسة بنيامين نتنياهو الذي يحاول الهروب من أزمته الداخلية باتجاه القيام بحملة استفزازات ضدّ لبنان أقرب لأن تكون حملة علاقات عامة، ويؤكد فشل العدو في القضاء على المقاومة ومنعها من تنفيذ عمليات نوعية، وتأمين الاستقرار والأمن لجنوده ومستوطنيه، وهو ما دفع رئيس الشاباك نداف ارجمان إلى الاعتراف بوجود مقاومة فعلية في الضفة، وأنه حالة الهدوء النسبي على وجه الأرض إنما هو هدوء خادع.. تحت السطح التوتر يتصاعد» وهذا الاعتراف يتمّ رغم أنّ ارجمان تحدث عن نجاح أجهزة الأمن الصهيونية من منع وقوع نحو 480 عملية واعتقال 290 خلية.. وهذا يدلل بوضوح إلى أنّ هناك مقاومة جدية، وانّ الاحتلال فشل ويفشل في إخماد مقاومة وانتفاضة الشعب الفلسطيني، وانّ المقاومين نجحوا في تحقيق اختراق أمني وتوجيه ضربة موجعة للأمن الصهيوني وهزّ أمن واستقرار الكيان تزامنت مع فضيحة فقدان جنود العدو بندقيتين من نوع ماغ على الحدود مع لبنان، وتوجيه رسالة بالغة القوة تفيد بأن لا أمن لهذا الاحتلال الغاصب، وأنه مهما مارس هذا الاحتلال من قمع وإرهاب وسلب للأراضي فإنّ ذلك لن يؤدّي إلا إلى تصاعد المقاومة وتأجّجها.. كما أنّ العمليات الفدائية المتواترة تأتي أيضاً متزامنة مع انتصارات محور المقاومة في سورية وصمود مقاومة الشعب العربي في اليمن ونجاحها في إحباط أهداف العدوان بإخضاع اليمن.. وكذلك فإنّ هذه العملية تأتي لتوجه صفعة قوية جديدة للحكومات العربية التي راحت تقيم العلاقات العلنية مع كيان العدو وتستقبل المسؤولين الصهاينة.. الأمر الذي يؤكد نهوض وتنامي قوى المقاومة وازدياد قوتها في مقابل تعمّق مأزق كيان الاحتلال الصهيوني وفشل المخطط الغربي والرجعي العربي في القضاء على قوى المقاومة كمقدّمة لتمرير صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية…
كاتب واعلامي