الانسحاب الأميركي.. «زهايمر» سياسي كردي؟
نظام مارديني
هل «اقتنعت أليس أن لا شيء، أو لم يعُد هناك من شيء مستحيل في حقيقة الأمر»؟
تعتبر هذه القناعة التي يوردها لويس كارول في تلك القصة الرائعة والملهمة «أليس في بلاد العجائب»، المدخل الأساسي لفهم التحوّلات الأميركية، ففي السياسة تغلب المصالح على مصطلَحَي الصداقة والعداوة. ما كشفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانت أشبه بالصعقة التي أصابت حلفاءه وتحفِّز القارئ والمستمع على اتباع كل السبل لفهم هذه التحولات، وإجراء مسح إشعاعي للعقل الأميركي، كمقدّمة لمنع تغوُّل هذه القوة والحدّ من أحلامها الوحشية المدمِّرة في بلادنا.
فماذا تعني هذه الخطوة في هذه الفترة تحديداً؟
كتبت المديرة التنفيذية لمركز الأمن الأميركي الجديد، والمساعدة السابقة لوزير الخارجية لشؤون أوروبا ويوروشيا فيكتوريا نولاند مقالاً في الواشنطن بوست تحت عنوان «كيف دمّر ترامب بتغريدة سياسة بلاده في الشرق الأوسط؟».
ويتفق تشارلز ليستر الخبير في معهد الشرق الأوسط مع هذا الرأي قائلاً إن القرار «يهدم تماماً الاستراتيجية الأميركية الأوسع في سورية، وربما الأهم من ذلك، يهدم محور سياسة إدارة ترامب، وهو احتواء إيران».
من المؤكد أن القرار الذي أقدم عليه ترامب يضع حلفاءه في المنطقة وفي مقدمتهم «الكيان الصهيوني ودول الخليج والميليشيات الكردية أمام وضع معقد وخاصة في ظل المواجهة مع النفوذ الروسي والإيراني والحرب على الإرهاب التي قد تكشف عن اختلالات خطيرة مستقبلاً، في ضوء الحديث عن ترحيل الجماعات الإرهابية إلى أفريقيا.
وستكون لانسحاب القوات الأميركية من سورية تأثيرات واسعة، خصوصاً في ميدان المعارك، إضافة إلى العديد من التداعيات الجيوسياسية. ففي تل أبيب نزل القرار كالصاعقة على رؤوس الصهاينة، ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر صهيونية قولها إن قرار ترامب شكل «ضربة لإسرائيلـ«، خاصة أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كان قد صرّح، في تموز/ يوليو الماضي، خلال زيارة لموسكو أن الولايات المتحدة لن تغادر سورية قبل أن تغادرها إيران. واضافت أن قرار الانسحاب الأميركي يأتي في توقيت سيئ جداً، فالعلاقات بين تل أبيب وموسكو لم تعد إلى مسارها بعد إسقاط الطائرة الروسية.
وتحت وطأة القرار الأميركي والتهديد التركي، يبدو أكراد سورية متروكين اليوم لمواجهة مصيرهم. ومن شأن أي مواجهة عسكرية أن تكبّدهم ثمناً باهظاً. إذ فتح القرار الأميركي بالانسحاب من شمال شرق سورية الطريق أمام تركيا لتنفيذ تهديداتها بشن هجوم جديد ضد الأكراد، الذين قد لا يجدون أمامهم، وفق محللين، إلا التعاون مع دمشق للحفاظ على الحد الأدنى من مكتسباتهم. وجاء الإعلان الأميركي بعد أيام من تصعيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتيرة تهديداته لأكراد سورية، مؤكداً عزمه «على التخلص» منهم. وبحسب الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير أوغلو فإن الإعلان الأميركي «يبدو في هذا التوقيت بمنزلة ضوء أخضر لهجوم تركي».
وهكذا يذكرنا قرار البيت الأبيض من خلال سحب القوات الأميركية من سورية الآن بتلك الصورة المشهورة لجنرال أميركي وهو يركب مروحيته فراراً من فيتنام ويرفس برجله أحد حلفائه الفيتناميين لمنعه من الصعود معه، بعد أن كان قد وعده بالذهاب معه إلى أميركا.. هكذا تعاملوا مع حلفائهم سابقاً، وهكذا يتعاملون معهم في شرق الفرات حالياً وكأنهم يقولون لهم إنكم لم تكونوا سوى «جحوشاً» لمشاريعنا والآن نترككم بلا غطاء تواجهون الجيش التركي.
ليس أمام «قسد» و«وحدات الحماية الشعبية» سوى عدم تكرار معركة عفرين التي رفضت وقتها «وحدات الحماية» الانسحاب منها وتسليمها للدولة السورية تجنباً لخسارة مساحات شاسعة من تلك الاراضي التي احتلتها القوات التركية وميليشياتها التكفيرية.
قد تكون نقطة انطلاق قاطرة الحفاظ على كيان الدولة السورية شاقة بعد انتهاء الأزمة القائمة ودحر الإرهابيين وداعميهم، غير أن ذلك يجب أن لا يمنع من تقديم قراءة موضوعية للسيناريوات القائمة وتلك التي تواجه الدولة السورية. أو تلك التي تطلق كبالونات اختبار من قبل الغرب، مسلمات مطلقة في رسم مستقبل سورية على أسس طائفية وعرقية، فطبيعة المتحد السوري والاندماج القائم في ديمغرافيته تمنع أي انقسام على أسس مذهبية وعرقية. والبحث الذي يدور هو حول دستور جديد يراعي جغرافية سورية ووحدة أراضيها، ومسألة علمانية الدولة، واللامركزية وحقوق الجماعات، والتحضير لقانون انتخابات نيابية جديدة تعقبها انتخابات رئاسية، تحت إشراف الأمم المتحدة.
لطالما أوحت ملاعب الغولف بأنها البقع الأكثر أناقة وجمالاً في جسد الطبيعة، إلا أن ثمّة وجهاً معتماً لهذا الجمال لا يستطيع المشاهد أن يكتشفه من النظرة الأولى. فجمال هذه البقع يحمل جرثومة الموت التي تشبه تماماً السُمّ المدسوس في قارورة عسل شديدة الحلاوة والإغراء.
هل فهمت قوات «قسد» سبب هذه الصفعة الأميركية لها أم أنها ستبقى مصابة بالزهايمر وبالحَوَل والعمى بعد أن كانت «جحوش» المشاريع الأميركية؟
تصريح رياض درار، الرئيس المشترك لـ»مجلس سورية الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية، من باريس أمس، يدلّ على أن «الزهايمر السياسي» متجذّر في العقل الميليشياوي الكردي.