لماذا الغضب على العرب؟
د. وفيق إبراهيم
حدثان يتطوّران بسرعة ويتسبّبان بتغيير بنيوي في نظام التحالفات العربية والإقليمية: وهما عودة البلدان العربية الى افتتاح سفاراتها في العاصمة السورية دمشق والاتجاه الى استعادة سورية قريبة لعضويتها في جامعة الدول العربية.
أما مدى أهمية هذين الحدثين فموجودة في قدرتهما على التعبير عن انهيار تحالف أميركي عربي تركي وإسرائيلي وأوروبي ظلّ يرفع شعار إسقاط الدولة السورية سبع سنوات متيحاً لمئات آلاف الإرهابيين الظروف الموضوعية لتدمير سورية اجتماعياً ومادياً وسياسياً.
يبدو أنّ الأميركيين أعلنوا عزوفهم عن قيادة هذا التحالف بإعلان رئيسهم دونالد ترامب عن قرب موعد سحبه لقوات بلاده من شرق الفرات والشمال بذريعة أنّ سورية لا تمتلك ثروات كبيرة وليس فيها إلا الموت والرمال.
ويتضمّن هذا الإعلان تحجيماً لإمكانية ولادة دور أوروبي كبير في سورية ومستقل عن الدور الأميركي.
وكانت دول عربية أعادت وقبل تصريح ترامب بمدة سفاراتها الى دمشق في ما تترقب بلدان أخرى الفرصة لهذه العودة وبشغف وسط تحضير عربي بات مقتنعاً بضرورة استعادة سورية عضويتها في جامعة الدول العربية.
لجهة أسباب هذا التطوّر فعائدة بالطبع الى فشل مشروع التحالف المعادي لسورية لتفتيتها أو إسقاط دولتها فشعروا مسبقاً بالتراجع الأميركي مبادرين الى البحث عن مخرج لأزمتهم التاريخية بالعودة اليها باحثين عن شعارات تبريرية جديدة.
ولم يعثروا إلا على إيران التي باتت مصطلحاً للفرار الى الأمام.
فلم يبقَ من التحالف الأميركي إلا تركيا و«إسرائيل» والتنظيمات الإرهابية وهي قوى ترعاها حالياً سياسة أميركية جديدة تعتقد بإمكان تسييرها وقيادتها من الخلف، لذلك كانت جولة المستشار الرئاسي الأميركي جون بولتون الذي جال بين «إسرائيل» وتركيا لعقد لقاءات عاجلة مع قياداتها بهدف التنسيق في سياساتهم السورية.
لقد أدّت هذه المستجدّات الى ولادة غضب على العرب من ثلاثة أطراف: تركيا و«إسرائيل» والتنظيمات الإرهابية وبعيارات متماثلة، لماذا يغضب أردوغان؟
شكلت الحملة الخليجية العربية على الدولة السورية ومنذ 2011 تبريراً للحملة التركية على سورية، ما فعلته الدولة التركية شكل أكبر عدوان شهدته سورية منذ تأسيسها، فبالإضافة الى الهجوم المباشر للجيش التركي واحتلاله مناطق سورية واسعة بآلاف الكيلومترات في الشمال وإدلب فتح نظام أردوغان حدوداً بطول 900 كيلومتر تقريباً لعشرات آلاف الإرهابيين دخلوها من كل أنحاء العالم.
وزوّدتهم أنقرة بأنواع السلاح والذخيرة والإمداد المموّل خليجياً وبرعاية أميركية ما شكل أكبر عملية غزو تتعرّض لها المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية.
وهذا يدلّ على مدى استفادة الترك من العداء الخليجي العربي لسورية واعتقادهم بأن الفرصة اصبحت سانحة لتقسيمها والسطو على أنحائها الشمالية والشرقية والشمالية الغربية. هنا يعتقد الترك أنّ هذه المناطق جزء من الدولة العثمانية وصولاً الى بعض المناطق في الشمال العراقي والموصل.
فبذلوا كامل طاقاتهم العسكرية والاستخبارية والتحالفية وسط غطاء عربي كبير تأمن لهم على وقع تجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية.
إنّ فشل الإرهاب في الجنوب والوسط ومنطقة درعا حتى حدود الأردن انعكس تراجعاً إلى حدود الإلغاء للدور الخليجي العربي في سورية لمصلحة تقدم الدور التركي فيها الى حدود الحصرية.
لذلك غضبت الدولة التركية على الدول العربية التي أعادت سفاراتها الى دمشق، لأنها نزعت منها ورقة «العداء العربي» لسورية فتتحوّل تركيا بذلك إلى مقعد يحتل أراضي دولة عضو في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة.
وهذا مكشوف في تصريح لرئيس المعارضة السورية المقيم في أنقرة نصر الحريري الذي استنكر عودة العرب الى دمشق، متوسلاً إعادة النظر في قرار هذه العودة التي تسيء الى وضعية المعارضة، على حد زعمه.
على مستوى «إسرائيل» انزعج الكيان الغاصب من عودة الخليج الى قلب بلاد الشام لأنه ينزع منها ما تتذرع به من مزاعم لمهاجمة الجيش في مناطق سورية.
هناك سبب عميق يتعلق بخشية «إسرائيل» من توقف الانفتاح العربي عليها والتطبيع معها، لقد كانت تعتقد ان السعودية هي البلد الخامس بعد قطر والبحرين والإمارات وعُمان المهرولة الى التطبيع معها وباتت تتخوّف من حركة عكسية تعيد العرب الى التصلب في التطبيع معها او تتعمد تأجيله الى مراحل بعيدة.
هذا ما دفع قادة العدو الغاصب الى الموافقة على مشروع يحمله بولتون في جولته الحالية ويشجع على حلف إسرائيلي تركي يدير الأوضاع في سورية بقيادة أميركية فعلية.
لم تتأخر «إسرائيل» بالموافقة بحجة الخطر الإيراني وطلبت مقابلاً له اعترافاً أميركياً بإسرائيلية الجولان السوري المحتل.
لجهة الإرهاب فغضبهُ على العرب كبير، لأن دُولهُ هي التي رعته وموّلته بكل شيء، وأمنت له تحالفاته الدولية والإقليمية الكبرى، فهل يُصدق عاقل ان جبهة النصرة تستطيع اجتياح منظمات إرهابية تركية الولاء من دون اتفاق مسبق أميركي تركي؟
ولخشية الأميركيين من انضواء الأكراد في الدولة السورية عادوا الى الادّعاء بأنهم لن يسمحوا للترك بضربهم ولا للنظام السوري باستعمال الكيماوي المزعوم.
هذه هي آليات الحرب الأميركية الجديدة على سورية: أولاً عزل العرب، ثانياً تجميع الإرهاب وتركيا و«إسرائيل»، ثالثاً استعمال الكرد مرة جديدة والاستثمار بهم. وهذا كافٍ لتأمين استمرارية الأزمة السورية عقداً جديداً برأيهم. وهذا ما يريده الأميركيون أما لناحية حلف سورية مع روسيا وإيران فإنهم يواصلون توفير الأسس السياسية والعسكرية والاستراتيجية لاستكمال سيادة سورية على أراضيها واستعادة دورها الاقليمي بالتنسيق مع العراق حرباً أم سلماً ولو كره الكارهون في أقصى الأرض.