ماذا سيسمع أردوغان من بوتين وماذا تبلّغ نتنياهو؟
ناصر قنديل
– تملأ الصحف والمواقع الإعلامية تحليلات ومعلومات منسوبة لمصادر «مطلعة» تدور حول ربط الغارات الإسرائيلية في سورية بالسعي التركي لمنطقة آمنة متفق عليها مع الأميركيين، واعتبار الحركة الجارية في جنوب سورية وشمالها لإضعاف مشروع الدولة السورية، وصولاً لإخراج إيران وحزب الله، وترتيب العلاقات التركية الكردية، بتوافق أميركي روسي، ويورد أصحاب «المصادر المطلعة» استنتاجاتهم بما يسمّونه الصمت الروسي على الغارات الإسرائيلية في ظل عودة اللقاءات بين وفود عسكرية إسرائيلية وروسية، من جهة، ومن جهة مقابلة بالتوافق الأميركي التركي بعد خلاف شديد على المنطقة الآمنة، والإعلان الكردي الإيجابي تجاهها.
– التدقيق في سياق المنطق الذي تُبنى عليه هذه الاستنتاجات، يمكن النظر إليها كجزء متمّم للاعتداءات الإسرائيلية والتهديدات التركية، الهادفتين لامتصاص بعض المخاطر المترتبة على الانسحاب الأميركي ومحاولة تقاسم ملء الفراغ الناتج عنه، والسعي لتطويق وقتل المناخ الذي يوحي بانتصار الدولة السورية ورئيسها، والتناوب التركي الإسرائيلي برعاية أميركية لتقاسم المسرح الإعلامي السياسي العسكري ليس إلا ترجمة لهذا البعد، فتخيّل روسيا العائدة لطلب الرضا الإسرائيلي بعد ترويض العسكرية الإسرائيلية وردعها، هو خروج عن المنطق، وأن يحدث هذا في زمن الانسحاب الأميركي، محض خرافة، والتمعّن في الرسائل الروسية التي نقلتها الصحافة الإسرائيلية تحذيراً من التمادي في اللعب العسكري والأمني داخل سورية، يقدم الكثير لمن يريد ألا يكون ضحية الحملات الإعلامية، والتدقيق في مفهوم المنطقة الآمنة يطرح سؤالاً جوهرياً حول كيفية إقامتها، بتوغل عسكري تركي تعتبره سورية عدواناً واحتلالاً، وهو مختلف كلياً عن الوجود التركي في إدلب الذي حاز بعد معركة حلب قبل عامين الغطاء الروسي الإيراني وفقاً لمسار أستانة، وهل تملك تركيا القدرة والإرادة على منع الجيش السوري من الانتشار في المناطق التي سينسحب منها الأميركيون بحظر جوي، في ظل الوجود الروسي، وهل يتبقى شيء من مسار أستانة إذا تم ذلك؟
– ما تسوقه «المصادر المطلعة» لا يعني إلا القفز فوق ما تقوله وقائع السنتين الماضيتين، لجهة أن تركيا لو كانت بوضع يتيح الانفراد، أو الاكتفاء بتغطية أميركية، لما كان مسار أستانة، الذي توّج هزيمة حلب لتركيا وجماعاتها المسلحة، وأن «إسرائيل» لو كانت بوضع يتيح لها الانفراد الموازي، أو الاكتفاء بتغطية أميركية، لما كان الامتناع عن دخول الأجواء السورية، الذي توّج هزيمة الجنوب السوري للجماعات المسلحة المدعومة من «إسرائيل»، كما كان الحال الأميركي في قاعدة التنف وهم يرون معقل الجماعات المسلحة في الغوطة يتهاوى أمام ضربات الجيش السوري تحت أنظارهم، من دون أن يقدموا لها شيئاً وهي التي كان اتصالها بقاعدة التنف عبر الصحراء يشطر سورية إلى شطرين، وكل ذلك جرى والأميركيون كانوا ما قبل حديث الانسحاب، والروس كانوا ما قبل تذوق طعم الإنجاز، فكيف يُعقل أن تقبل روسيا عملياً بتقسيم سورية، وتقاسمها بما يعني بقاء الحرب فيها مفتوحة، وهل تفك عقد التحالف مع إيران وسورية وقوى المقاومة، وتخاطر بهزيمة حضورها في المنطقة وهي تنتصر، خشية إغضاب تركيا و»إسرائيل»، وهي لم تفعل ذلك وهما في ذروة القوة، ترتضي فعله وهما مهزومتان؟
– اليوم سيستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس التركي رجب أردوغان، والهدف التركي هو بحث المنطقة الآمنة، وسيسمع أردوغان كلاماً روسياً حاسماً حول احترام الشرعية السورية التي يمثلها الرئيس السوري بشار الأسد والجيش السوري، ورفض أي وجود عسكري على الأرض السورية خارج نطاق هذه الشرعية، وسيسمع كلاماً واضحاً وحاسماً عن التمسك بوحدة وسيادة سورية، وعن الضوابط التي تحكم مسار أستانة واستحالة التسامح مع انتهاكه، كما وصل لمسامع نتنياهو ما قاله المسؤولون الروس نقلاً عن الرئيس بوتين، بأن الحركة الإسرائيلية ستدفع المنطقة إلى مواجهة ستؤدي إلى تصادم إسرائيلي مع روسيا، وعندها يجب أن يكون كل طرف مدرك مسؤولياته، وثبات كلام الرئيس بوتين لكليهما يكفي إثباته بما يُقال لأحدهما، وطالما أن اللقاء اليوم سينتهي ببيان يمكن قراءة ما بين سطوره، سيكون مناسبة للإثبات والنفي لكل الذين يريدون التحقق.