ترامب يلعب بخيوط الحرب الأهلية الأميركية
ناصر قنديل
– ربما تكون قد تلاقت الميول العنصرية للرئيس الأميركي دونالد ترامب المدفوعة بخلفية المستوطن الأبيض ضد السكان الأصليين الحمر، مع حسابات المؤسسة الأميركية الحاكمة في المخابرات والدبلوماسية في الحاجة لترتيب البيت الداخلي في القارة الأميركية بعد فشل الحروب خارجها، لإطلاق مواجهة يبدو من السهل تفجيرها، لكن سيكون من الصعب التحكم بمساراتها، خصوصاً رسم كيفية الخروج منها. فالأزمة الفنزويلية التي دخلتها واشنطن ومعها حليفها الكندي الأبيض وبعض المأخوذين بالنموذج الأميركي من المتمولين الليبراليين الحمر في فنزويلا وكولومبيا والبيرو والأرجنتين والبرازيل، تقع على خط تماس تاريخي لجرح لم يندمل بعد بين المستوطنين البيض العنصريين الوافدين، والسكان الأصليين الذين دمّرت مدنهم وبلداتهم وأبيد مئات الآلاف منهم وأجبر مئات الآلاف الآخرين على اللجوء إلى البلدان المجاورة، حيث الغالبية الكاسحة في الجنوب هي من السكان الأصليين ذوي البشرة الحمراء، والذين يسمّون باللاتينيين، وقد تقاسم حكمهم الأسبان والبرتغاليون، بينما هيمنت الجاليات الإنجيلية الوافدة من إسكتلندا وإيرلندا على المناطق الشمالية المعروفة اليوم باسم أميركا.
– الأكيد هو أن المواجهة العسكرية ستكون نتاجاً طبيعياً لوضع شرعية دستورية في مواجهة مع شرعية دستورية أخرى، والأكيد أن التوازن العسكري داخل فنزويلا في أي صدام سيكون لصالح شرعية الرئيس نيكولاس مادورو، والأكيد أن تحقيق التوازن العسكري سيتطلّب تدخلاً خارجياً يبدأ بكولومبيا وسرعان ما تجد أميركا أنها في قلب المعركة. وعندها يبدأ البعد الحقيقي للحرب بالطغيان، حرب البيض والحمر مجدداً بعد ثلاثمئة عام. وهي حرب يخوضها ترامب على البارد ضد الأقلية ذات البشرة الحمراء داخل أميركا نفسها، مدفوعاً بذعر عنصري أبيض من خلل ديمغرافي يشبه ذعر الصهاينة في فلسطين عام 1948 من الخلل الديمغرافي لصالح السكان الأصليين العرب ذوي البشرة السمراء. وستتكفل هذه الحرب بظهور تنظيم داعش عنصري بين البيض ضد الحمر، يقاتل داخل شمال أميركا وفي القارة الجنوبية، وظهور مقاومة للحمر تعمّ القارة، ويصير قادة المجموعات الليبرالية في القارة الحمراء مجرد عملاء للبيض باعوا جلدتهم ويتوزّعون فنادق الخمسة نجوم أسوة بقادة المعارضة السورية.
– الحرب الأهلية المقبلة ستقرّر مصير وحدة الولايات المتحدة الأميركية، حيث الولايات التي يتركّز فيها ذوو البشرة الحمراء تتزايد مع التحوّلات الديمغرافية التي جعلت ثلث سكان أميركا من أصول لاتينية وستجعلهم نصف السكان بحلول العام 2050، وبصورة أو بأخرى يشبه جدار المكسيك الذي يقاتل ترامب لبنائه جدار الفصل العنصري الذي يبنيه الصهاينة حول المستوطنات. وهذا التشابه الرمزي يعكس حقيقة واقعية للصلة بين الصراع في أميركا اللاتينية والصراع في منطقتنا، والعنوان الواحد مواجهة سكان البلاد الأصليين للمستوطنين العنصريين الوافدين، حيث تتجمع في أميركا اللاتينية ودولها الجاليات النشيطة لكل من العرب المشرقيين المهاجرين والرعية اليهودية، وبالرغم من وجود نخب يهودية متنوّرة بعيدة عن المشروع الصهيوني ووجود نخب عربية مهاجرة ملتحقة بالمشروع الأميركي وتمثل حثالة الليبرالية إلا أن الوزن الرئيسي لكل من الكتلتين يضعهما في مواجهة دائمة عنوانها الموقف من فلسطين والعدوان الإسرائيلي، وحيث فنزويلا تشكل رمز الموقف اللاتيني الداعم لفلسطين، ويصير إسقاطها مطلباً إسرائيلياً راهناً تعويضاً عن الفشل بإسقاط سورية، يصير تحصين فنزويلا ونصرها تتمة ضرورية لنصر سورية.
– انتصار سورية كان عامل التسريع في الالتفات الأميركي نحو فنزويلا التي كان التقدير الأميركي بسقوطها التلقائي لو نجحت الغزوة الإمبراطورية الأميركية في العالم، وما عاد تحملها ممكناً بعد الفشل، لكنه بالقدر نفسه سيكون مصدر الإلهام لشعوب أميركا اللاتينية وفي مقدّمتها فنزويلا للصمود، تماماً كما قال الرئيس الراحل هوغو تشافيز بعد انتصار المقاومة في حرب تموز 2006 لقادة الحركة البوليفارية في أميركا اللاتينية أن ساعة العمل قد دقت، بعدما أثبت جنوب لبنان أنه لا يزال بإمكان الفقراء والبسطاء أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم.
– هكذا يصح القول إن الحرب التي أرادت تغيير سورية منحت سورية الفرصة لتغير العالم.